كان ذلك الخبر كفيلاً بأن يشعل الجدل مجدداً: هل كانت كل مشاهدات الأطباق الطائرة مجرد وهم جماعي صنعته المخابرات ؟ هل خدعتنا هوليوود، والعسكريون، ووسائل الإعلام على مدى عقود ؟
لكن… الحقيقة، وكما هو معتاد، ليست بهذا التبسيط.
الخدعة حقيقية… لكنها ليست كل الحقيقة
ما كشفه التقرير لم يكن مجرد حادثة فردية أو نكتة داخلية. بل أظهر أن بعض الضباط الأمريكيين، خلال الحرب الباردة، وزّعوا عمداً صوراً مفبركة لأطباق طائرة وزعموا أنها التُقطت في صحراء نيفادا. تم الترويج لهذه "الأساطير" في الأوساط المدنية، وخصوصاً حول المنطقة 51، التي تحوّلت بفعل ذلك إلى بؤرة شُبهات في الخيال الشعبي العالمي.
لكن إذا كان الهدف من هذه العملية هو إخفاء اختبارات سرّية لتكنولوجيا عسكرية متطورة مثل الطائرة الشبح F-117، فإننا أمام واقع مخيف: لقد تم توظيف "الخيال العلمي" لتضليل العدو… وأيضاً تضليل الشعوب.
ومع ذلك، فإن هذه الحيلة ،مهما كانت ماهرة، لم تنشئ الظاهرة من العدم، بل استغلت شيئاً موجوداً أصلاً.
الظاهرة لم تولد في صحراء نيفادا
قبل وجود "المنطقة 51"، وحتى قبل تأسيس القوات الجوية الأميركية، كانت هناك تقارير متواترة من جميع أنحاء العالم عن أضواء غريبة، أجسام غير معروفة، وتدخلات غامضة في السماء.
أمثلة بارزة قبل تمويه البنتاغون
- حادثة Foo Fighters (1944): خلال الحرب العالمية الثانية، أبلغ طيارو الحلفاء عن مطاردات جوية من "أجسام ضوئية" في سماء أوروبا.
- حادثة ماونت رينيير (1947): أول بلاغ حديث عن "أطباق طائرة"، على يد الطيار كينيث أرنولد.
- وثائق استخباراتية سوفييتية في الستينات تشير إلى مراقبة أجسام غير مفهومة قرب قواعد نووية.
إذن، ما فعله البنتاغون لم يكن سوى ركوب الموجة القائمة أصلاً، وتضخيمها إعلامياً لأهداف استخباراتية. لم يصنعوا النار، بل نفخوا في دخانها.
لماذا لا يمكن إنكار الظاهرة كلياً ؟
حتى مع وجود دلائل على الخداع والتضليل، تبقى هناك أسباب قوية تدعو للاستمرار في دراسة الظاهرة، منها:
1- وجود مشاهدات متعددة المصادر
- رادارات عسكرية ومدنية سجّلت أهدافاً تتحرك بسرعات فائقة دون محركات تقليدية.
- تسجيلات مرئية من طياري البحرية الأمريكية (مثل حادثتي Tic Tac وGimbal).
- شهادات متطابقة من مدنيين وطيارين، من بلدان مختلفة، دون تنسيق بينهم.
2- ظواهر لا يمكن محاكاتها تقنياً
- تغيّر الاتجاه بشكل حاد دون تسارع تقليدي.
- اختفاء مفاجئ أو اندماج في السماء دون أثر حراري.
- تفاعل مع الإشارات اللاسلكية، في بعض الحالات، وكأنها ترد على المراقبة.
3- اعتراف رسمي بالحاجة للدراسة
في 2021 و2022، أصدرت وزارة الدفاع الأمريكية تقارير تعترف فيها بأن هناك ظواهر جوية غير مفسّرة (UAPs) تحتاج إلى تحقيق أعمق، مشيرة إلى أنها قد تمثّل تهديداً محتملاً أو تمثل تكنولوجيا غير مفهومة بعد.
4- المنطقة 51: ليست مركز الظاهرة
من المهم الآن تحييد "المنطقة 51" من التحقيقات الجادة، لأنها كانت باعتراف البنتاغون نفسه مجرد واجهة تضليل. التركيز على هذه المنطقة يعيدنا إلى الدوامة الخاطئة، ويضيع الجهد الحقيقي.
بدلاً من ذلك، يجب توجيه البحث نحو الحالات التالية:
- قواعد نووية سجلت تداخلات غير مفهومة.
- المناطق ذات الحقول المغناطيسية غير المستقرة.
- شهادات أطقم طيران تجارية من دول غير متورطة عسكرياً في الصراع الأميركي السوفييتي.
بين الخداع والحقيقة… مساحة تستحق الدراسة
ما كشفه تقرير وول ستريت جورنال لا يعني أن الظاهرة وهمية، بل يعني أن البنتاغون استغل وجودها الواقعي للتغطية على أسراره العسكرية.
إنكار الظاهرة بسبب وجود تضليل يشبه عبارة : " من يكسر الصحن لأنه وجد فيه شعرة." أو " كمن يهدم البيت لأنه تشقق أحد جدرانه."
بل العكس، هذا الاعتراف يزيد من الحاجة إلى تحقيق مستقل، دولي، علمي… لا يخضع لا للمخابرات ولا لنظريات المؤامرة.
وأخيراً ... لنُبقِ عقولنا مفتوحة، وعيوننا ناقدة، وقلوبنا متّقدة بالفضول...فالكون أوسع من أن يُختزل في مختبر، وأغرب من أن يُسجن في ملف عسكري مغلق
0 تعليقات:
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .