فهل هي مجرد صدفة ؟ أم أن هناك سراً يربط تلك الحوادث بالدولة الأقوى عالمياً ؟ ولماذا لا نسمع عن هذه الظواهر بنفس الزخم في العالم العربي أو دول آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية ؟
في هذا المقال، نكشف عن العوامل المتعددة الثقافية والسياسية والإعلامية والتكنولوجيا العسكرية وغيرها التي تجعل من الولايات المتحدة مركزاً لهذه السرديات، دون أن يعني ذلك أن الظواهر لا تحدث في أماكن أخرى.
أولاً: أمريكا تمتلك تاريخاً متراكماً في الظواهر الغريبة
منذ حادثة
روزويل الشهيرة عام 1947، تأسست في الولايات المتحدة ثقافة كاملة حول الظواهر الغامضة، تلتها تحقيقات رسمية مثل مشروع Blue Book، ثم وثائق البنتاغون، وأخيراً جلسات الكونغرس المفتوحة التي استمعت لشهادات طيارين وعسكريين عن مشاهداتهم.
هذا التاريخ الطويل أسس تراكماً ثقافياً قوياً يجعل الأمريكي أسرع في تبنّي فكرة "المخلوق الفضائي"، وأكثر ميلاً لتفسير الظواهر على هذا الأساس، مقارنة بمن نشأ في بيئة ترفض الفكرة أو تسخر منها كالبيئة العربية حيث تقمع الثقافة العربية والدينية هذا النوع من المفاهيم وتُفسّر الظواهر الغريبة في الغالب ضمن الإطار الديني المألوف، خاصة من منظور الإسلام ، أي شيء غير مفهوم أو غير مرئي يُفسَّر تلقائياً على أنه جن أو شيطان أو مخلوق ذُكر في القرآن والسنة ، هذا لا يعني أن الإسلام ينفي وجود حياة في أماكن أخرى، حتى أن بعض الآيات تُلمح إلى ذلك ، لكن ثقافياً، الفكرة غير مقبولة شعبياً أو تُقابل بالريبة والرفض التلقائي وبالتالي يُخنق أي نقاش جاد حول احتمال وجود كائنات ذكية خارج الأرض، لأنه لا يندرج ضمن ما هو "مألوف شرعاً"، حسب ما يراه غالب الناس، مما يقلل من مساحة البحث أو التصريح بالتجربة مقارنة مع ما نشهده في الولايات المتحدة ، ندعوك هنا إلى قراءة
الماورائيات في العالم العربي: بين أسر التفسير الديني وغياب المنهج العقلي
ثانياً : التجارب ليست أمريكية فقط
في الحقيقة، هناك عشرات بل مئات التجارب الموثقة خارج أمريكا وبهذا نكسر الصورة النمطية التي تقول بأن : أمريكا "محور الظواهر"، بل هي مركز توثيقها فقط .
ونذكر على سبيل المثال ملفات قمنا اعدادها ونشرها في سلسلة ملفات الأجسام الطائرة المجهولة على موقعنا ، من قارة آسيا تناولنا :
الهند ،
الصين ،
تركيا ،
إيران ،
الكويت ،
السعودية،
سوريا، ومن أوروبا تناولنا:
روسيا،
بلجيكا،
فرنسا ،
بريطانيا،
إيطاليا ، ومن الأمريكيتين :
تشيلي ،
البرازيل، المكسيك ،
كندا ، ومن أفريقيا تناولنا
مصر.
ثالثاً : حرية تبادل المعلومات والاهتمام بالتوثيق
الولايات المتحدة تمتاز عن معظم دول العالم بـ: حرية تداول المعلومات وقانون يسمح للصحافة بنشر التسريبات والتحقيقات ومنظمات مستقلة مثل MUFON توثق وتحقق دون تدخل حكومي ، في المقابل، دول مثل الصين وروسيا والعالم العربي تخضع لرقابة إعلامية، بل إن بعض الحوادث قد يتم التكتم عليها أو تسفيهها بالكامل من قبل الحكومات أو وسائل الإعلام الرسمية.
رابعاً : البُعد العسكري والتكنولوجي السري
الولايات المتحدة تمتلك أكبر ميزانية عسكرية سرية في العالم، وبرامج تجريبية لا تُعلن للعامة، مثل الطائرات الشبح والطائرات من دون طيار قبل الكشف عنها بسنوات ، بالتالي، من الطبيعي أن يخلط البعض بين التكنولوجيا البشرية المتقدمة وغير المُعلنة، وبين فرضية وجود مخلوقات من خارج الأرض ، هذا الاختلاط يضيف ضبابية على المشهد، لكنه يفسر تكرار الحوادث في سماء أمريكا أو بالقرب من قواعدها الجوية.
خامساً : النفوذ العالمي الإعلام الأميركي
لا يمكن الحديث عن مركزية أمريكا في سرديات الكائنات الفضائية دون التوقف عند الآلة الإعلامية الأمريكية الهائلة شبكات مثل: CNN ،The History Channel ، Discovery ، Netflix وحتّى قنوات مثل Fox وABC ، جميعها أنتجت وثائقيات وتحقيقات وتقارير عن مشاهدات الأجسام الطائرة والكائناتالفضائية. بل إن بعضها قدّم برامج دورية مثل Ancient Aliens وUnacknowledged، والتي حوّلت هذه المواضيع من مجرد روايات فردية إلى "ترند" عالمي.
هذا التأثير الإعلامي جعل الظاهرة جزءاً من الخطاب العام والثقافة الشعبية، وبالتالي حين تظهر أي حادثة جديدة، يتم تلقّيها في أمريكا بجدية إعلامية، ويتسابق المراسلون في تغطيتها، بينما في دول أخرى تُهمل، أو تُمنع، أو تُسخر.
بل أكثر من ذلك، فإن الإعلام الأميركي لا يكتفي بنقل الخبر، بل يُشكّل رأياً عاماً عالمياً، بسبب نفوذه العابر للحدود اللغوية والثقافية. وهذا ما جعل كثيراً من الناس حول العالم، دون وعي، يربطون بين "الفضائيين" و"أمريكا" مباشرة، حتى لو وقعت الحادثة في بلدهم !
سادساً: جرأة الرؤساء الأميركيين في الحديث عن الظواهر الفضائية
في الوقت الذي تتجنب فيه معظم الحكومات العالمية وخاصة في الشرق الأوسط وآسيا الحديث علناً عن الظواهر الغامضة، نجد أن عدداً من رؤساء الولايات المتحدة وكبار مسؤوليها تجرؤوا على التصريح بمواقفهم وتجارِبهم مع الأجسام الطائرة المجهولة أو حتى الكائنات الفضائية.
من أبرز الأمثلة:
جيمي كارتر (الرئيس الـ39)
اعترف بأنه رأى جسماً طائراً مجهولاً في ولاية جورجيا عام 1969، وقال خلال حملته الانتخابية: " لم أعد أسخر من الناس عندما يقولون إنهم رأوا طبقاً طائراً. فأنا رأيت واحداً بنفسي."
باراك أوباما
صرّح في مقابلات إعلامية عام 2021 أن هناك ظواهر جوية غير معروفة تم رصدها فعلاً، وقال: " هناك لقطات وسجلات لأجسام في السماء لا نعرف بالضبط ماهيتها."
بيل كلينتون
تحدث في أكثر من مناسبة عن رغبته في كشف أسرار روزويل ومنطقة 51، وأكد أن بعض الملفات تمثل "مجهولاً حقيقياً" حتى له.
دونالد ترامب
ألمح في مقابلات إلى أن هناك أموراً "مهمة للغاية" تتعلق بمنطقة 51، لكنه قال إنه لا يستطيع الإفصاح عنها بالكامل.
- بل إن بعض أعضاء الكونغرس ووزراء الدفاع السابقين مثل بول هيلير من كندا ذهبوا إلى أبعد من ذلك، متحدثين عن تعاون بين حكومات وكائنات فضائية، في تصريحات جدلية لكن علنية.
الفرق الجوهري
في أمريكا، هذه التصريحات تُناقش علناً، وتُنشر في وسائل الإعلام، وتُقابل بالتحقيق أو التحليل، أما في بلدان أخرى، فإن أي تصريح من هذا النوع قد يُقابل بالتجاهل، السخرية، أو حتى الرقابة.
سابعاً : منطق إختيار الكائنات الفضائية
دعونا نتناول الفرضية بجدية: " لو كانت هناك كائنات ذكية فعلاً، قادرة على السفر بين النجوم، وتمتلك هدفاً في مراقبة أو دراسة البشر… فمن المنطقي أن تختار التعرف أولًا على القوى المهيمنة على كوكب الأرض ، وباعتراف الجميع، فإن الولايات المتحدة الأميركية هي القوة السياسية، العسكرية، والاقتصادية الأولى عالمياً (على الأقل لحد الآن) لذلك :
- إن كانت الكائنات الفضائية تسعى إلى تقييم مدى تطور البشر، فستختار أكثر المجتمعات تقدماً في التكنولوجيا والتسلّح.
- وإن كانت تهدف إلى مراقبة أو إنشاء اتصال رسمي، فستتجه إلى الدولة التي تمتلك النفوذ على القرار العالمي.
- وإن كانت تنتهج استكشافاً منهجياً للكوكب، فالبداية المنطقية ستكون من المراكز العسكرية والتقنية الكبرى، لا من الغابات المعزولة أو القرى النائية.
هذا الطرح لا يعني أن المشاهدات لا تحدث في أماكن أخرى، بل ببساطة قد يفسر لماذا تتركّز في الدول المحورية وعلى رأسها الولايات المتحدة.
ثامناً : التأثير الهائل للسينما الأميركية وثقافة الخيال العلمي
أمريكا لم تبنِ فقط قاعدة عسكرية أو علمية لهذه الظواهر، بل بَنَت لها بنية سردية شعبية عبر مئات أفلام الخيال العلمي والمسلسلات ، تلك الأعمال عززت في العقل الجمعي الأمريكي نموذجاً جاهزاً لتفسير الظواهر الغامضة بوصفها "غزوًا فضائياً أو اتصالاً مع كائنات متقدمة "، لا شبحاً ولا جناً كما في ثقافات أخرى ، ونذكر منها Close Encounters of the Third Kind و The X-Files و Independence Day و Arrival
تاسعاً: مهرجانات ومتاحف ترسّخ " ثقافة الفضائيين " في الحياة اليومية
لم تتوقف الثقافة الأميركية عند حدود الكتب والأفلام، بل تجسدت في الواقع من خلال مهرجانات سنوية، متاحف متخصصة، وحتى مدن كاملة تبنت "الفضائيين" كجزء من هويتها المحلية ونذكر أمثلة بارزة منها:
- مهرجان روزويل (Roswell UFO Festival) : يقام سنوياً في نيو مكسيكو، ويجذب عشرات الآلاف من الزوار من حول العالم. المدينة أصبحت رمزاً عالمياً للظواهر الغريبة منذ "حادثة روزويل" عام 1947.
- متحف روزويل للأجسام الطائرة International UFO Museum : يُعد من أشهر المتاحف في العالم المتخصص في هذا المجال، ويعرض وثائق وشهادات ونماذج عن الحوادث الفضائية.
- مهرجان "الكائنات الصغيرة" في كيلي (Little Green Men Festival – Kelly, Kentucky) مستوحى من حادثة كيلي-هوپكنزفيل، ويُظهر كيف تحولت مواجهة غريبة واحدة إلى طابع ثقافي محلي دائم.
- منطقة 51 (Area 51) ونزعة “السياحة الغامضة” – حيث باتت المناطق القريبة من القاعدة الجوية السرية في نيفادا مزارًا سياحيًا، وتُقام فعاليات ومراكز بيع متاجر للهدايا التذكارية الخاصة بالفضائيين.
هذه الأنشطة لم تقتصر على الترفيه، بل أسهمت في تطبيع الحديث عن الكائنات الفضائية، ودمجها في السياق الاجتماعي والاقتصادي والثقافي الأميركي، في حين ما زالت تُعتبر في دول أخرى موضوعًا "محرجًا" أو "غير جدي".
عاشراً : ثقاقة أثرت على أديان العصر الجديد ونظريات غريبة
في الولايات المتحدة، لم تبقَ فكرة الكائنات الفضائية ضمن نطاق الخيال العلمي، بل تحولت لدى بعض الجماعات إلى أساس ديني وروحي جديد. ظهرت طوائف مثل
البوابة السماوية Heaven's Gate و
الرائيلية التي تؤمن بأن الكائنات الفضائية هي كائنات عُليا خلقت البشر أو جاءت لإنقاذهم. حتى
السينتولوجيا، وهي حركة ذات طابع نخبوي، تحمل في عقيدتها جذوراً عن أصل الإنسان ككائن روحي وافد من كواكب أخرى.
هذه المعتقدات وجدت بيئة خصبة في أمريكا حيث الحرية الدينية، والانفتاح على كل جديد، سمحا بظهور "أديان فضائية" لا مثيل لها في العالم.
ومن أبرز تأثيرات ثقافة الكائنات الفضائية في العصر الحديث، هو تبنّي نظرية
"الفضائيين القدماء" Ancient Aliens، التي تدّعي أن الحضارات القديمة، مثل مصر، والمايا، وسومر، لم تبنِ معجزاتها العمرانية والتقنية وحدها، بل تلقّت معرفة متقدمة من كائنات فضائية زارت الأرض في العصور الغابرة.
روّج لهذه النظرية كتّاب مثل إريك فون دانكن وجورجيو تسوكالوس، وكرّس لها برنامج شهير على قناة History Channel، ما جعلها تحظى بانتشار شعبي هائل.
هذه الفكرة وجدت صدىً واسعاً لدى جمهور متعطّش لتفسير ألغاز التاريخ مثل بناء الأهرامات، أو
خطوط نازكا وتحوّلت عند بعضهم من نظرية خيالية إلى قناعة راسخة تُنافس التفسيرات الأثرية التقليدية، وهو ما أثار جدلاً بين العلماء والمؤرخين حول التلاعب بالتراث الإنساني لصالح سرديات فضائية غامضة.
استضافة جو روغان لـ زاهي حواسفي مايو 2025، استضاف جو روغان، أحد أبرز الأصوات الإعلامية في الولايات المتحدة، عالم الآثار المصري الدكتور زاهي حواس في حلقة من برنامجه الشهير "The Joe Rogan Experience" (الحلقة رقم 2321). شهدت هذه الحلقة جدلاً واسعاً، حيث ناقش روغان وحواس موضوع بناء الأهرامات، مع تركيز خاص على النظريات التي تربطها بتدخل كائنات فضائية.
خلال الحوار، أصر حواس على أن الأهرامات بُنيت بأيدٍ مصرية خالصة، مستنداً إلى أدلة أثرية مثل برديات وادي الجرف التي توثق أعمال بناء الهرم الأكبر. في المقابل، أبدى روغان اهتماماً بالنظريات البديلة التي تشير إلى تدخل حضارات متقدمة أو كائنات فضائية في بناء هذه المعالم.
أثار هذا النقاش تفاعلاً كبيراً على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث انقسم الجمهور بين مؤيد لرؤية حواس التقليدية ومناصر لنظريات "الفضائيين القدماء" Ancient Aliens . وقد وصف روغان الحلقة بأنها من أصعب الحلقات التي قدمها، مشيراً إلى التوتر الذي ساد الحوار.
تُظهر هذه الحلقة كيف أن الإعلام الأمريكي، من خلال شخصيات مؤثرة مثل جو روغان، يساهم في إبقاء نظريات الكائنات الفضائية في دائرة الضوء، مما يعزز من انتشارها وتأثيرها على الرأي العام.
أمريكا ليست الوحيدة، لكنها الأكثر صخباً وتنظيماً
الحوادث لا تحدث فقط في أمريكا. ولكن الفرق أن أمريكا تتحدث، توثق، تبحث، تنشر، وتخلق سردية حول ما يحدث. بينما في دول كثيرة أخرى، يُطلب من الشاهد أن "يصمت"، أو يُسخر منه، أو لا يجد أصلاً جهة يستودع لديها شهادته.
وحتى نفهم الصورة كاملة، لا يجب أن نسأل: " لماذا أمريكا فقط ؟ "، بل نسأل: " لماذا لا نملك نحن بيئة تساعد على توثيق وفهم الظواهر الغامضة ؟ "
0 تعليقات:
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .