كثيراً ما نتساءل: لماذا يبدو بعض الأشخاص أكثر قابلية لتصديق الظواهر الخارقة، أو يعيشون تجارب "روحية" أو "ماورائية" لا نجد لها تفسيراً موضوعياً ؟
في علم النفس، ثمة ظاهرة تُعرف باسم "سهولة الإنغماس في الخيال" Fantasy Proneness، وهي مفتاح لفهم ذلك الغموض، إنها قدرة عالية على تخيل العوالم والأحداث بشكل حي ومفصل، لدرجة يصعب أحياناً التمييز بين الواقع والوهم.
وقد أظهرت الدراسات أن هذه السمة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بعدد من التجارب الماورائية أو التي تدخل في مجال ما وراء الطبيعة.
ما هي سهولة الإنغماس في الخيال ؟
يشير هذا المصطلح إلى الميل الشديد لدى بعض الأشخاص للانغماس في الخيال، حيث تكون لديهم قدرة فائقة على خلق صور ذهنية حيّة ومعقدة، وأحياناً تندمج هذه الصور في الإدراك الشخصي وكأنها حقيقية ، ومن أبرز خصائص الأشخاص المعرضين لها ، أنهم يملكون أصدقاء تخيليين في الطفولة ، أو يقرؤون الخيال بكثرة أو يعيشون فيه ، او لديهم تجارب حسية غير معتادة (مثل رؤية هالات، أو سماع أصوات) ، أو أكثر عرضة لتجارب الاقتناع بالأحلام كأنها وقائع ، أو لديهم ميل قوي لتصديق الظواهر الخارقة أو امتلاكهم لقدرات خاصة.
كيف ترتبط بالماورائيات ؟
1- رؤية الأشباح والكيانات
الأشخاص ذوو قابلية عالية للخيال قد "يرون" كائنات خارقة في ظروف ضبابية أو مظلمة نتيجة تفاعل خيالاتهم مع بيئتهم المحيطة ، مثال: امرأة تعتقد أنها رأت "جنية" تطير أمامها في الغابة، لكنها تعترف بأنها كانت في حالة استغراق تخيلي بعد قراءة كتب عن الكائنات الأسطورية.
2- التجارب الروحية أو الصوفية Mystical Experiences
يشير الباحثون إلى أن هؤلاء الأشخاص أكثر عرضة لتجربة ما يسمى بالوحدة الكونية، أو الشعور بحضور كيان غير مرئي ، وكانت قد أشارت دراسة منشورة في مجلة الشخصية Journal of Personality التي ساهم فيها نيلسون وباربر في عام 1983 إلى أن الأفراد الذيتن لديهم قابلية مرتفعة في "سهولة التعرض للخيال" سجلوا معدلات أعلى بكثير في اختبارات التجارب الروحية.
3- التخاطر أو الإحساس بوجود أحد
قد يفسر الأشخاص الخياليون الأصوات الغامضة أو المشاعر الغريبة على أنها إشارات من عوالم أخرى ، مثال على ذلك : في مقابلة مع أشخاص يزعمون وجود تواصل مع "كائنات من بعد آخر"، تبين أن معظمهم يمتلك درجات عالية من الخيال التفاعلي وفق اختبار التجارب الإبداعية Creative Experiences Questionnaire.
الجوانب العصبية والنفسية
تشير دراسات التصوير الدماغي إلى أن الأشخاص الذين يسجلون معدلات عالية في هذا الجانب يظهرون نشاطاً مكثفاً في مناطق الدماغ المسؤولة عن التصور العقلي، العاطفة، واستحضار الذاكرة وهي الفص الجبهي والجهاز الحوفي ، كما يبدو أن الأشخاص الخياليين أكثر عرضة للإيحاء النفسي والتنويم المغناطيسي، وهي سمة يشترك فيها أيضاً أولئك الذين يزعمون تجارب غريبة ، وقد وجدت دراسة أجرتها مدرسة هارفادر الطبية Harvard Medical School أن الأشخاص ذوي القابلية الخيالية المرتفعة كانوا أكثر تجاوباً مع جلسات التنويم المغناطيسي وكانوا أكثر عرضة لاختلاق "ذكريات زائفة".
الفرق بين الخيال والاضطراب
من المهم التفريق بين "الخيال التفاعلي العالي" والهلاوس المرضية فالخيال في هذه الحالة ليس مرضاً، بل سمة معرفية طبيعية تصبح مؤثرة عندما تفقد ارتباطها بالواقع، أو يتم تغذيتها عبر العزلة أو الضغط النفسي ، كما أن هذه الحالة ليست سلبية بالضرورة بل هي وقود الإبداع الفني والكتابة والموسيقى وحتى بعض الابتكارات العلمية، لكنها تصبح مصدراً للتأويلات الخاطئة عندما تترجم الخيالات الداخلية على أنها وقائع خارجية.
تكشف هذه الحالة عن مدى هشاشة الحدود بين الواقع والخيال في ذهن الإنسان ، وهي تفسر الكثير من المعتقدات والتجارب الماورائية دون الحاجة إلى خوارق فعلية ، إنها ليست حالة مرضية، بل ميزة عقلية ذات حدين: أحدهما للإبداع، والآخر للغموض والتأويل ، ومع فهمها يمكننا أن نعيد قراءة الكثير من "الظواهر الخارقة" على أنها أصداء لأعماق وعينا لا أكثر.
إقرأ أيضاً ...
- الهلوسة النومية Hypnagogic Hallucinations
- الإستغراق Absorption
- الجنون المعدي Folie à Deux
- الإحساس بوجود أحد ما Sense of Presence
- الحرمان الحسي Diminished Input
- تجسد الصورة الذاتية Autoscopy
- الهلوسة
0 تعليقات:
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .