3 يونيو 2025

لماذا نحلم ؟

إعداد: كمال غزال

منذ آلاف السنين، ظلت الأحلام لغزاً عصياً على التفسير، تتكرر كل ليلة في عقولنا دون أن نعرف على وجه اليقين لماذا تحدث.

فبينما نغرق في النوم، يبدأ العقل بعرض مشاهد وسيناريوهات قد تكون مألوفة أو خارقة، منطقية أو عبثية، حزينة أو ساحرة ولكنها دوماً تحمل شيئاً غامضاً.

" لماذا نحلم ؟ "  حيّر هذا السؤال الفلاسفة القدماء، وأربك علماء النفس، وتحدّى علماء الأعصاب حتى يومنا هذا ، إنه واحد من أعظم أسرار العقل البشري، حيث تتقاطع فيه البيولوجيا مع الوعي، والرمز مع العاطفة، والعلم مع الماورائيات.

فهل الأحلام مجرد نشاط عصبي عشوائي ؟ أم رسائل من العقل الباطن ؟ أم أنها نوافذ تطلّ على عوالم أخرى، ربما أكثر عمقاً مما نتصوّر ؟

في هذا المقال، نغوص في أعماق هذا السؤال، مستعرضين أبرز الفرضيات العلمية، والتحليلات النفسية، والاحتمالات الباراسيكولوجية التي تحاول تفسير هذا اللغز القديم: لماذا نحلم ؟



أولاً : الفرضيات العلمية لأسباب الأحلام

1- نظرية معالجة المعلومات وتنظيم الذاكرة
يعتقد علماء الأعصاب أن الأحلام تساعد في تنظيم، تثبيت، ونقل المعلومات الجديدة من الذاكرة القصيرة إلى الذاكرة الطويلة ، يعزز النوم وخاصة مرحلة حركة العين السريعة - REM  تثبيت الذكريات حيث يجري تنشيط الحُصين Hippocampus في الدماغ  بشدة، وهو المسؤول عن الذاكرة ، فالحلم طريقة دماغية لـ "إعادة تشغيل" الأحداث وتحويلها إلى تجارب مخزنة.


2- نظرية المعالجة العاطفية
الأحلام تساعدنا على التعامل مع مشاعر معقدة مثل الخوف، الحزن، والقلق ، والدليل على ذلك أن الأحلام غالباً ما تحتوي على سيناريوهات مشحونة عاطفياً ، حيث أظهرت دراسة منشورة في العلوم العصبية  Nature Reviews Neuroscience (2011)  أن الأحلام  تقلل استجابة الدماغ للذكريات المؤلمة ، بطريقة تجعل الدماغ يعيد تمثيل مشاعرنا بطريقة رمزية ليخفف من حدتها.


3- فرضية التنظيف البيولوجي Activation-Synthesis Model
الحلم هنا مجرد ناتج ثانوي لنشاط دماغي عشوائي أثناء النوم، يحاول الدماغ تفسيره من خلال سرد قصص ، هي نظرية قدمها "آلان هوبسون" و"روبرت مكارلي" عام 1977، وتقول إن الحلم مجرد نتيجة لمحاولات الدماغ تفسير نشاط عشوائي في جذع الدماغ أثناء النوم ، أي أن الأحلام - وفق هذه النظرية - لا معنى لها بذاتها، بل هي "قصص" يختلقها العقل لتفسير الإشارات العصبية،  فقط "تفسير" فوضوي لنشاط كهربائي.


4- الفرضية التطورية في محاكاة التهديد Threat Simulation Theory
الأحلام جاءت تطوراً كمحاكاة لتجارب تهديد محتملة، كي نكون مستعدين لها في الواقع والدليل على ذلك أن كثيراً من الأحلام تتضمن الهروب، السقوط، أو الملاحقة وهي سيناريوهات خطر ، وتكون الأحلام "تمارين بقاء" للدماغ ، دعم هذه النظرية عالم الأعصاب الفنلندي Antti Revonsuo  بناءً على دراسة أحلام الأطفال في البيئات القاسية.



ثانياً: الفرضيات النفسية

1-  التحليل النفسي (سيغموند فرويد)
الأحلام تعكس رغبات لاواعية، غالباً ذات طابع جنسي أو عدواني، تظهر في رموز ، مثال: رؤية أبواب مغلقة أو ممرات ضيقة قد ترمز لمشاعر مكبوتة ، لدى فرويد يكون المحتوى الظاهر (ما نراه) الذي يخبئ المحتوى الكامن (ما نرغب به فعلاً) ، أي أن الحلم "صمام أمان" لرغبات لا يسمح بها الواقع.

2- نظرية كارل يونغ
يرى عالم النفس كارل يونغ أن الأحلام ليست مجرد تفريغ نفسي، بل وسيلة عميقة لرحلة داخلية نحو التكامل النفسي Individuation، أي تحقيق التوازن بين جوانب الشخصية المختلفة ، في الحلم نواجه:

الظل: الجانب المظلم أو المكبوت فينا.

الأنيموس/أنيمـا: الجانب المذكر في الأنثى والأنثوي في الذكر.

الذات العليا: صورة النفس الكاملة التي نسعى لتحقيقها.

الحلم - عند يونغ - هو حوار داخلي بين أجزاء النفس التي لا ننتبه لها في اليقظة.


 3-  فرضية دمج الذات والهوية
الأحلام تساعد على تكوين الإحساس بالهوية عبر مراجعة الذات وصراعاتها الداخلية، والدليل على ذلك أن الكثير من الأحلام تتعلق بالذات، العلاقات، والمواقف الاجتماعية ، أي أن الحلم يساعدنا على "فهم أنفسنا" ، وكأن الحلم مساحة آمنة نراجع فيها أنفسنا بصدق لا يسمح به الواقع.


ثالثاً: الأحلام التحذيرية والتنبؤية – هل هي ممكنة علمياً ؟

هل يمكن للعقل أن "يتنبأ" بشيء ؟
في بعض الحالات، يسجل الناس أحلامًا تحققت لاحقًا، مثل وفاة شخص أو وقوع كارثة. لكن العلم يفسر هذه الظاهرة غالباً كالتالي:

1- التفسير الإدراكي Cognitive Bias
نميل لتذكر الأحلام التي تحققت وننسى آلاف الأحلام التي لم تتحقق ويُعرف هذا بـ "انحياز التأكيد" Confirmation Bias.

2- المعالجة اللاواعية للواقع
العقل يلتقط إشارات لا شعورية (كعلامات على مرض أحدهم)، ويحولها إلى حلم.

مثال: شخص يحلم بوفاة صديقه، ويتضح لاحقاً أن صديقه كان مريضاً دون علمه الواعي.

3- فرضية الوصول إلى الذاكرة المستقبلية 
نظرية غير مثبتة علمياً، لكنها تظهر في أبحاث الباراسيكولوجيا، مثل تجارب J.W. Dunne في كتابه "An Experiment with Time".


رابعاً: لقاء كيانات وأرواح في الحلم
 ما التفسير العلمي للقاء "أرواح" أو "كيانات غير بشرية" أثناء النوم ؟

1- شلل النوم Sleep Paralysis
قد يرى الشخص كيانات غريبة وهو عاجز عن الحركة ، يفسر علمياً كخلل في الانتقال بين مراحل النوم واليقظة، حيث يحدث حلم يقظ مشوش. إقرأ عن شلل النوم.

2-  الإسقاط النجمي Astral Projection 
يقول بعض المعتقدين إنهم "يخرجون من الجسد" خلال الحلم، ويتنقلون في عوالم غريبة ، لا يوجد دليل علمي على صحة هذه الفكرة، لكن التجارب الذاتية كثيرة.  إقرأ عن الخروج من الجسد.

3- نظرية الأحلام الجلية Lucid Dreaming
عندما يدرك الشخص أنه يحلم، قد يتحكم في حلمه ويلتقي "كيانات" تبدو وكأنها مستقلة ، بعض الباحثين يرون أن هذه الكيانات قد تمثل أجزاء من النفس أو ذاكرة مجسدة. اقرأ عن الأحلام الجلية

خامساً: الأحلام كرحلات خيالية 

1- الدماغ محرَّر من المنطق
أثناء النوم، تنخفض فعالية القشرة الجبهية frontal cortex، وهي المسؤولة عن المنطق ، نتيجة لذلك، يصبح الدماغ أكثر "إبداعاً"، ويخلق عوالم لا تخضع لقوانين الفيزياء.

2-  الحلم كأداة سردية
العقل يُعيد تشكيل أفكار وصور من الطفولة، من الأدب، وحتى من لاوعي الجمعي، لبناء قصص غريبة ، علماء مثل مارك سولمز Mark Solms يصفون الأحلام بأنها "آليات سرد ذاتي Subconscious Narrative Mechanisms.

بين العلم واللا تفسير
في النهاية، لا يوجد تفسير قاطع للأحلام. بعضها يمكن فهمه من خلال علم النفس أو الأعصاب، وبعضها الآخر يظل لغزاً مفتوحاً أمام احتمالات الباراسيكولوجيا والروحانيات. 

الأحلام، سواء كانت تحذيراً، رؤية، أو مجرد خيال، هي جزء من التجربة البشرية العميقة.

"الحلم هو الرسالة التي يرسلها جزء منا لا يستطيع الكلام."


0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .

 
2019 Paranormal Arabia جميع الحقوق محفوظة لـ