28 أغسطس 2025

غابرييل أمورث : الكاهن الذي تحدى الشيطان

طرد أرواح - غابرييل أمورث
إعداد :  كمال غزال

وُلد غابرييل أمورث في مدينة مودينا الإيطالية عام 1925، في عائلة كاثوليكية محافظة، شارك في المقاومة الإيطالية ضد الاحتلال النازي خلال الحرب العالمية الثانية ، ونال وساماً تكريمياً على شجاعته، بعد انتهاء الحرب درس القانون وعمل في الصحافة والسياسة، حتى أصبح قيادياً في جناح الشباب بحزب الديمقراطيين المسيحيين.

لكن دعوته الروحية غلبت الطموحات المدنية، فدخل سلك الكهنوت وسُمي كاهناً عام 1954 لكن في عام 1986 تلقى اتصالاً غير متوقع ليساعد الأب كانديدو أمانتيني، كبير طاردي الأرواح في أبرشية روما، منذ تلك اللحظة بدأ مسار حياته يتبدل؛ إذ انتقل من حياة الكاهن العادي إلى مواجهة مباشرة مع عالم الأرواح الشريرة.

كبير طاردي الأرواح في روما

بعد وفاة أمانتيني عام 1992، تولى أمورث المهمة رسمياً ليصبح كبير طاردي الأرواح في الفاتيكان، لم يكن مجرد كاهن يؤدي طقوساً محدودة، بل صار أشهر وجه كنسي في العالم في مجال طرد الأرواح.

يُقدّر أنه أشرف خلال حياته على أكثر من 60 ألف حالة، بعضها جلسات قصيرة للتحرر الروحي، وبعضها الآخر جلسات طويلة ومعقدة يصفها بأنها «حروب حقيقية مع الشيطان».

لم يحتفظ بخبرته لنفسه؛ ففي عام 1990 أسس الرابطة الدولية لطاردي الأرواح لتبادل الخبرات بين الكهنة، وسعى لإقناع الفاتيكان بأن تعيّن كل أبرشية كاثوليكية كاهناً متخصصاً في هذا المجال.

طقوسه ومنهجيته

كان أمورث مخلصاً للطقس الروماني التقليدي في طرد الأرواح، مؤمناً بأن الصلوات باللاتينية تحوي قوة خاصة ، لكنه في الوقت نفسه شدد على التمييز بين المرض النفسي والمس الروحي: « من بين الآلاف الذين جاءوا إليّ، لم يكن الممسوسون الحقيقيون سوى مئة فقط ، يجب دائماً مراجعة الطبيب أولاً قبل التفكير في الطرد ».

كان يرى أن علامات المسّ تتجلى في أمور غير طبيعية: قوة جسدية خارقة، نفور من الصليب والماء المقدس، صعوبة في النطق باسم المسيح، أو صدور أصوات غريبة بلغات لم يعرفها الشخص من قبل.

ورغم خطورة المواقف التي واجهها، احتفظ بروح دعابة مميزة، حين سُئل إن كان يخشى الشيطان قال ساخراً:

« أنا لا أخاف الشيطان... بل هو الذي يوسّخ سرواله عندما يراني!».

تجارب واقعية صادمة

دوّن الأب أمورث في كتبه ومقابلاته مجموعة من القصص التي شكلت إرثه الروحي.

أول مواجهة

في أول جلسة له مع أمانتيني، عرف الروح الشرير نفسه قائلًا «أنا لوسيفر». بالنسبة لشاب مبتدئ في الطرد، كانت البداية أقرب إلى الصدمة.

الطفلة القوية

يذكر أن فتاة في الحادية عشرة احتاجت إلى أربعة رجال لإمساكها أثناء الطقوس، إذ أظهرت قوة غير بشرية.

القيء الغامض

من أغرب ما شاهده أن بعض الممسوسين تقيأوا مسامير ومفاتيح معدنية وقطعًا غريبة لا يمكن تفسير وجودها داخل الجسد. احتفظ بمجموعة منها كدليل على الظاهرة.

اللغات المجهولة

شهد حالات بدأ فيها أشخاص عاديون يتحدثون فجأة باللاتينية أو بلغات لم يتعلموها قط.

السحر الأسود

اعتبر أن أصعب الحالات هي ضحايا السحر، خصوصًا ما يُعرف في البرازيل بـ«ماكومبا». هذه الحالات كانت تستلزم شهورًا طويلة من الطقوس المتكررة حتى ينفك عنها الأثر.

مواقفه المثيرة للجدل

لم يكن الأب أمورث بعيداً عن الأضواء الإعلامية، بل كتب كتباً مؤثرة مثل « طارد الأرواح يحكي قصته » و«الشيطان يخاف مني»، حيث تحدث فيها بلا مواربة عن الشيطان في حياتنا المعاصرة.

صرّح بأن هتلر وستالين كانا ممسوسين، واعتبر أن اليوغا وقراءة هاري بوتر قد تفتح أبواباً للشيطان، ما أثار انتقادات واسعة داخل وخارج الكنيسة.

ومع ذلك، كان يؤكد أنه لا يسعى لتخويف الناس بل لتنبيههم: « الشر حقيقة، لكن الإيمان يحميكم. الله أقوى من أي شيطان ».

بين الواقع والسينما

في سنواته الأخيرة، صُوّرت جلسة من طقوسه في وثائقي بعنوان «الشيطان والأب أمورث» (2017)، حيث ظهر جالساً بجوار ممسوسة يقرأ عليها الصلوات بينما يتغير صوتها.
كما ألهمت شخصيته فيلم «طارد أرواح البابا» (2023) من بطولة راسل كرو ، ورغم المبالغات السينمائية، ظل اسمه حاضرًا كأيقونة عالمية في ميدان طرد الأرواح.

الإرث والانطباع الأخير

توفي الأب غابرييل أمورث عام 2016 عن عمر ناهز 91 عاماً. عند وفاته، وصفه كثيرون بأنه «محارب الروح الأخير»، رجل وقف بوجه قوى الظلام في زمن باتت فيه الكنيسة أكثر عقلانية وحذراً.

كان يرى نفسه مجرد أداة بيد الله: « أنا لا أطرد الأرواح الشريرة بقوتي، بل المسيح هو الذي يفعل ذلك على لساني ».

لا يقتصر إرثه على آلاف الجلسات التي أجراها، بل يشمل أيضاً إعادة إحياء تقليد كنسي عريق، وتذكير المؤمنين بأن الشر - مهما كان غامضاً - لا يمكن أن ينتصر على نور الإيمان.

لم يكن الأب غابرييل أمورث مجرد كاهن، بل رمز لحقبة كاملة من المواجهة بين الإيمان والشر ، قصصه ، سواء آمناً بها أو تشككنا ، تظل مادة شيقة تكشف عن جانب مظلم ومثير للجدل في تاريخ الكنيسة المعاصر.

إقرأ أيضاً ...

0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .

 
2019 Paranormal Arabia جميع الحقوق محفوظة لـ