9 أغسطس 2025

رائحة الكبريت: هل هي توقيع الكيانات الغامضة ؟

رائحة الكبريت - كيانات - ماورائيات
إعداد :  كمال غزال

منذ قرون، ارتبطت رائحة الكبريت في المخيلة البشرية بكل ما هو شيطاني أو ماورائي، هي الرائحة التي يقولون إنها تسبق ظهور كائن غامض، أو تنبعث فجأة في غرفة باردة قبل أن تتساقط الأغراض من تلقاء نفسها، أو تملأ أنفاسك في غابة مظلمة قبل أن ترى ضوءاً غريباً يلمع بين الأشجار،  من مشاهدات "مخلوقات" غريبة في أماكن نائية إلى قصص طرد الأرواح الحديثة تظل هذه الرائحة علامة غامضة يرويها شهود العيان وكأنها توقيع كيميائي للغيب.


لكن ماذا لو كانت هذه الرائحة نفسها تحمل مفتاحاً لفهم بعض تلك التجارب ؟

قصص واقعية


طقوس طرد الأرواح

في شهادات متكررة من مختلف البلدان، يصف القائمون على الطرد أن الغرفة تمتلئ فجأة برائحة كبريت خانقة، يفسرونها على أنها "إشارة" على مقاومة الروح الشريرة ، وبغض النظر عن صحة التفسير، تبقى الرائحة جزءاً ثابتاً من المشهد ، ولا ننسى هنا أن الجسم قد يفرز روائح كبريتية لحالات مرضية أو نشاط بكتيري يظهر على الجلد أو تكون روائح نمن البيئة المحيطة.

حضور الشيطان في السابات

في أوصاف اجتماعات القداس السابات في الفلكلور الأوروبي، يُقال إن الشيطان قد يظهر إما بهيئة كائن برأس ماعز وجسد أحمر قاتم، أو بهيئة شاب أسود العينين بالكامل، مرتدياً ملابس من جلود الحيوانات، وتفوح منه رائحة كبريتية نفاذة، تُعتبر في المعتقدات علامة على حضوره أو اقتراب قوى شيطانية.

حائل والجن

منطقة حائل في المملكة العربية السعودية التي تتميز بطبيعة جيولوجية بركانية غنية بالآبار الكبريتية والتجاويف الأرضية، ما يجعل بعض مواقعها، مثل آبار لينة وبئر الوجاج، تصدر أحياناً روائح غازات بركانية تشبه الكبريت. هذه الروائح، مع العزلة والظلام، عززت في المخيلة الشعبية ارتباط المكان بالجن، خصوصًا في مناطق مثل قاع الصير المعروفة بـ"قرية الجن". 

وقد تكررت في شهادات الأهالي وقصصهم عن بيوت مهجورة أو حوادث غريبة، أن الجو امتلأ برائحة كبريتية نفاذة قبل أو أثناء وقوع الظاهرة، سواء كانت أصواتاً أو حرائق مجهولة المصدر أو تحركات غير مفسّرة. الجمع بين الرائحة الحادة والبيئة الموحشة جعل من الكبريت عنصراً حاضراً في تفسيرهم لهذه الأحداث على أنها دليل على نشاط كيانات غامضة.

إقرأ المزيد عن غرائب حائل ورؤى الجن

 مشاهدة جسم طائر مجهول

في حادثة بحيرة فالكون عام 1967، شاهد ستيفن ميكالاك جسماً طائراً مجهولاً يهبط على صخرة تبعد عنه نحو 46 متراً، بينما ابتعد جسم آخر مشابه في السماء مغيراً ألوانه حتى اختفى. أثناء مراقبته للمركبة الهابطة، لاحظ أنواراً أرجوانية شديدة السطوع تصدر من فتحات أمامية، وبدأ يشم رائحة كبريتية نفاذة تزكم أنفه، مصحوبة بصوت هسهسة متواصل. هذه المؤشرات، إلى جانب شكل الجسم ولونه المعدني المتوهج، جعلته يعتقد أنه أمام مركبة جاءت من عالم آخر.

تجربة مشعوذ مغربي

هناك حادثة موثقة جزئياً في أرشيف الصحف المغربية أواخر سبعينيات القرن الماضي عن مشعوذ في مدينة فاس كان يدّعي قدرته على استحضار "ملوك الجن" ، وفقاً للتقرير، استأجر المشعوذ بيتاً قديماً وأحاط نفسه بمجموعة من التابعين، ثم بدأ طقساً ليلياً استخدم فيه بخوراً وأعشاباً غير معروفة، ورسم طلاسم على الأر ،  بعد نحو نصف ساعة، أفاد الحاضرون أنهم شعروا بحرارة شديدة في الغرفة رغم أن الجو كان بارداً، وبدأ الهواء يمتلئ برائحة نفاذة تشبه البيض الفاسد أو الكبريت المحترق، حتى إن بعضهم أصيب بالغثيان.

الشهود قالوا إن المشعوذ زعم أن الرائحة "إشارة على حضور الملك الأحمر" الذي يستدعيه، بينما فسر لاحقاً أحد المختصين أن البخور الذي استخدمه قد يكون أطلق غازات كبريتية نتيجة احتراق مكوناته، ما سبب الإحساس الحاد بالرائحة والأعراض الجسدية.

وحش فلاتوودز

في مساء 12 سبتمبر 1952، شهدت بلدة فلاتوودز الصغيرة في ولاية فرجينيا الغربية واحدة من أكثر الحوادث غرابة في تاريخ الظواهر المجهولة. بعد أن لمح مجموعة من الأطفال ضوءًا أحمر متوهجًا يهبط خلف تلة قريبة، هرعوا مع سيدة من البلدة وجندي من الحرس الوطني لاستكشاف الأمر. وما إن اقتربوا من الموقع حتى لاحظوا ضبابًا كثيفًا ورائحة خانقة تشبه البيض الفاسد أو الكبريت المحترق، كانت تحرق الحلق وتدمع العيون.

وسط الظلام، ظهر لهم كائن هائل القامة، رأسه دائري محاط بغطاء يشبه "أس البستوني"، وجسمه داكن ينساب كالفستان المعدني. الكائن بدا وكأنه يطفو فوق الأرض وأصدر صوت فحيح، مما أثار رعب المجموعة ودفعهم للهرب وهم يعانون من الغثيان والدوار، فيما ظل الغموض يلف طبيعة ذلك الكائن ورائحة الكبريت التي غمرت المكان.


المشاهد الطبيعية الغامضة

في الظلام والضباب قد تترافق هذه الروائح مع مشاهد ضوء أو أصوات غريبة لتشكل قصة مثالية عن "حضور غير مرئي" خصوصاً في المناطق البركانية أو قرب الفوهات الحرارية حيث يذكر السكان أن الهواء أحياناً يحمل روائح كبريتية قوية مع تغير اتجاه الرياح أو النشاط الجوفي.


التفسير العلمي: ماذا نشم حقاً ؟

الرائحة التي نصفها بالكبريت غالباً ليست من الكبريت العنصري، بل من مركباته الغازية النفاذة مثل :

- كبريتيد الهيدروجين (H₂S): رائحة البيض الفاسد، ينتج عن تحلل المواد العضوية في بيئات فقيرة بالأكسجين (مستنقعات، مجاري، تربة رطبة) إذ تحتوي على بكتيريا مختزلة للكبريت تنتج H₂S.

- ثاني أكسيد الكبريت (SO₂): انبعاثات طبيعية متقطعة أو مستمرة وهي روائح لاذعة تكثر في النشاطات البركانية أو النشاط الحراري الأرضي.

-  غازات شديدة النفاذ تتكون طبيعياً من التحلل العضوي كأن تكون صادرة عن شبكات الصرف والمدافن ، أو تحلل النفايات والمياه الملوثة.

- مركبات كبريتية تُضاف عمداً بكميات ضئيلة للغازات عديمة الرائحة لتكشف عن أي تسرب غازي في المنزل.

الروائح كبريتية التي تنبعث من جسم الإنسان 

بعض البكتيريا اللاهوائية الموجودة على الجلد أو في الفم والجهاز الهضمي تنتج مركبات كبريتية متطايرة مثل كبريتيد الهيدروجين والميثانثيول، وهي السبب في بعض حالات رائحة الفم أو العرق النفاذة. كما أن أمراضاً مزمنة في الكبد أو الكلى قد تؤدي إلى تراكم هذه المركبات في الدم وخروجها مع التنفس أو العرق، بينما يمكن للنظام الغذائي الغني بالكبريت -  مثل تناول الثوم والبصل والملفوف -  أن يضفي رائحة مميزة على الجسم. وهناك أيضاً اضطرابات نادرة في التمثيل الغذائي تجعل الجسم يفرز روائح نفاذة شبيهة بالكبريت أو المواد الكيماوية، ما يفسر إمكانية صدور هذه الرائحة من الإنسان نفسه دون وجود أي مصدر بيئي ظاهر.

رائحة الكبريت والتلبس بالجن

في الموروث الشعبي، وخاصة في سياق جلسات الرقية الشرعية أو الطقوس الروحية، كثيراً ما يعتبر المعالجون أن انبعاث رائحة نفاذة تشبه الكبريت من شخص ما هو إشارة مؤكدة على تلبسه بالجن أو حضوره كيان غير مرئي. هذه الرائحة توصف بأنها تخرج فجأة، حتى في غرف مغلقة، وغالبًا ما تتزامن مع أعراض أخرى مثل الصراخ أو التشنجات أو تغيّر الصوت. لكن التفسير العلمي لا يستبعد أن يكون مصدر هذه الرائحة داخليًا من الجسم نفسه؛ إذ يمكن للبكتيريا اللاهوائية في الفم أو الجهاز الهضمي أو الجلد أن تنتج مركبات كبريتية متطايرة، كما قد تتسبب أمراض الكبد أو الكلى في تراكم هذه المركبات وخروجها مع التنفس أو العرق، أو حتى يكون السبب غذاء غني بالكبريت تم تناوله قبل فترة قصيرة. وعندما تتزامن هذه العوامل الجسدية مع موقف مشحون نفسياً أو جلسة علاج روحي، يصبح من السهل على الحاضرين تأويل الرائحة على أنها دليل ماورائي، في حين أنها قد تكون نتاجًا بيولوجياً بحتاً. وبهذا يمكن فهم أن كل حالات "رائحة الكبريت" التي تُروى في سياق التلبس ليست بالضرورة خارقة للطبيعة، بل قد تكون امتدادًا لاستجابة جسدية تلتقي صدفة مع إطار ثقافي يفسرها بكونها نشاطًا للجن.

هل يمكن أن تسبب هذه الغازات هلوسة أو إحساساً بالماورائيات ؟

في ثقافات كثيرة، ترمز رائحة الكبريت إلى "الشيطان"، وهذا الارتباط يجعل الدماغ مهيأ لتفسير أي منبه غامض على أنه تجربة خارقة ، أي بمثابة إيحاء ثقافي ، مع ذلك يجب أن لا ننكر أن لتلك الغازات أثر عصبي عند التعرض بتركيزات عالية، إذ يمكن لـ  كبريتيد الهيدروجين H₂S أن يسبب دواراً، ارتباكاً، تشوشاً بصرياً، وفي حالات نادرة هلوسات ، كما أن تزاحم هذه الغازات الكبريتية الثقيلة مع غاز الأكسجين في الأماكن المغلقة يؤثر على الدماغ ويخلق "صوراً" أو "إحساساً" بحضور كيان”.


لماذا تظهر الرائحة فجأة  ؟

هذا عائد إلى جملة أسباب مثل :
- تغيّر ضغط أو حرارة التربة قد يحرر جيوباً غازية.

- جفاف مصائد المياه في مواسير الصرف يسمح بعودة غازات المجاري.

- هبّات الرياح قد تنقل الغازات من مصدر بعيد إلى المكان فجأة.

- النشاط البركاني أو التحلل العضوي تحت الأرض يمكن أن يطلق انبعاثات متقطعة.

وفي الختام ، سواء كانت رائحة الكبريت علامة من عالم آخر أو مجرد تفاعل طبيعي بين الأرض والهواء، تبقى إحدى أكثر العناصر إثارة للخيال في قصص الماورائيات،  يوضح العلم أن الغازات الكبريتية موجودة في بيئات عديدة، وأن تأثيرها على الجسد والعقل يمكن أن يكون ملموساً—بل ومربكاً،  لكن حتى لو فُسرت بعض التجارب بالبيئة والكيمياء، يظل وقع تلك اللحظة على صاحب التجربة قوياً، ويستمر الكبريت كجسر غامض يربط بين أسطورة قديمة وتفسير حديث… وبين المعلوم والمجهول.

0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .

 
2019 Paranormal Arabia جميع الحقوق محفوظة لـ