من الطبيعي أن يخاف الإنسان من المجهول، لكن حين يتحول هذا الخوف إلى هوس دائم بالتهديدات غير المرئية، ورغبة لا يمكن مقاومتها في مراقبة كل شيء من حوله، نكون أمام حالة نفسية تُعرف باسم البارانويا أو جنون الارتياب ، ما يثير الدهشة أن هذه الحالة كثيراً ما تتقاطع بشكل لافت مع المعتقدات الماورائية: الجن، العيون التي تراقب، المؤامرات الكونية، الكائنات الخفية، وحتى "التحكم العقلي" من قوى غامضة ، فهل البارانويا تفتح بوابة نحو عالم الماورائيات ؟ أم أن الإيمان بالماورائيات هو ما يغذّي هذه الحالة النفسية ؟
في هذا المقال، سنغوص في أعماق البارانويا من منظور علم النفس، ونرصد تقاطعاتها المدهشة مع عوالم ما وراء الطبيعة.
ما هي البارانويا ؟
البارانويا Paranoia هي اضطراب نفسي يتميّز بتفكير غير منطقي ومشاعر دائمة بالريبة وانعدام الثقة بالآخرين، دون أساس واقعي ، من أبرز أشكالها:
- البارانويا الاضطهادية: اعتقاد ثابت بأن هناك من يتجسس أو يخطط لإيذاء الشخص.
- جنون العظمة (Delusional Grandeur): قناعة بأن الشخص يملك قدرات خارقة أو أنه مختار لمهمة كونية.
- الشك المرضي: الظن المتكرر بأن الآخرين يخونونه أو يراقبونه حتى من دون دليل.
وتُعد البارانويا أحياناً عرضاً لحالات أكثر تعقيداً مثل:
- اضطراب ارتياب الشخصية Paranoid Personality Disorder
- الفصام Schizophrenia
- اضطرابات الهذيان Delusional Disorders
البارانويا والماورائيات: التقاء العقل بالمجهول
أحد أبرز أوجه البارانويا هو الشعور بأن هناك "من يراقب"، حتى من خلف الجدران ، وهنا يظهر الربط الماورائي: فالبعض يعزو تلك المشاعر إلى عيون الجِن، أو الكائنات الخفية، أو الكاميرات السرية المدعومة من كيانات غير بشرية .
إذا قابلنا شخص مصاب بتلك الحالة فإن لسان حاله يقول : " أشعر أن هناك من يراقبني دائماً، لكن لا أحد في الغرفة حتى عندما أغلق الستائر… أعرف أنهم يرونني ! " .
هذا النموذج شائع بين من يعانون من اضطرابات الارتياب، لكنه أيضاً يفسر ما يُعرف بـ "البيت المسكون" أو "الجن الساكن" في الثقافات الشعبية ، كما يشعر بعض المصابين بالبارانويا أن أفكارهم ليست لهم، وأن هناك من "يبثها في عقولهم" وتفسيراتهم قد تتنوّع ما بين التحكم عبر موجات كونية ، سيطرة الجن أو الشياطين على الدماغ ، أو حتى أجهزة مزروعة من قبل كائنات فضائية أو منظمات سرية ، وفي الموروثات الشعبية لطالما ساد الاعتقاد أن الجِن قد "يتلبس" الإنسان ويجبره على أفعال أو أفكار غريبة ، وهناك مثال من الواقع يحكي عن إحدى السيدات التي كانت ترفض النوم لأنها تشعر أن "جِناً يضع أفكاراً في رأسها كلما أغلقت عينيها".
إذا قابلنا شخص مصاب بتلك الحالة فإن لسان حاله يقول : " أشعر أن هناك من يراقبني دائماً، لكن لا أحد في الغرفة حتى عندما أغلق الستائر… أعرف أنهم يرونني ! " .
هذا النموذج شائع بين من يعانون من اضطرابات الارتياب، لكنه أيضاً يفسر ما يُعرف بـ "البيت المسكون" أو "الجن الساكن" في الثقافات الشعبية ، كما يشعر بعض المصابين بالبارانويا أن أفكارهم ليست لهم، وأن هناك من "يبثها في عقولهم" وتفسيراتهم قد تتنوّع ما بين التحكم عبر موجات كونية ، سيطرة الجن أو الشياطين على الدماغ ، أو حتى أجهزة مزروعة من قبل كائنات فضائية أو منظمات سرية ، وفي الموروثات الشعبية لطالما ساد الاعتقاد أن الجِن قد "يتلبس" الإنسان ويجبره على أفعال أو أفكار غريبة ، وهناك مثال من الواقع يحكي عن إحدى السيدات التي كانت ترفض النوم لأنها تشعر أن "جِناً يضع أفكاراً في رأسها كلما أغلقت عينيها".
المؤامرات الكونية
البارانويا قد تفضي إلى نظريات المؤامرة المعقدة حيث يعتقد الفرد أن العالم كله يتحرك ضده ، هذه الميول قد ترتبط بـ : الماسونية، النظام العالمي الجديد، المتنورين Illuminati ، أرواح شريرة تتحكم بالحكومات ، اتفاقات سرية بين البشر والجن ، وفي هذا السياق، نجد أن بعض الأشخاص قد يفسرون كل ما يجري في حياتهم من مآس على أنه نتيجة "لعين أو سحر أو لعنة قديمة" وهو تفسير شائع في المجتمعات الشرقية ويغذي نظرة ارتياب نموذجية للعالم. إقرأ عن : لماذا يؤمن الناس بنظريات المؤامرة ؟
ما الذي يجعل الشخص يربط بين البارانويا والماورائيات ؟
هناك عدة عوامل تفسر هذا الربط:
- البيئة الثقافية: المجتمعات التي تؤمن بالجن والسحر والعين تشجع المصاب على تفسير الأعراض بهذه الطريقة ، إقرأ عن إضطراب الثقافة والمعتقد.
- التجارب الشخصية: التعرض لصدمة شديدة قد يؤدي إلى تفسيرات ماورائية لتجنب الألم العقلي.
- الميول الدينية أو الروحانية: قد تدفع الشخص إلى الاعتقاد بأن معاناته اختبار أو عقوبة من قوى خفية.
- وسائل الإعلام والقصص الشعبية: تسهم في تثبيت صورة "التحكم الغيبي" بالأفراد، كما في الأفلام والروايات التي تمزج المرض العقلي بالقوى الخارقة.
ماورائي أم نفسي بحت ؟
ليس كل مَن يؤمن بالماورائيات يعاني من اضطراب نفسي، فالإيمان بالمجهول جزء من الطبيعة البشرية لكن حين تترافق هذه المعتقدات مع تدهور في الأداء اليومي ، انعزال اجتماعي ، نوبات غضب ، شك مرضي دائم ، تجارب حسية (هلاوس بصرية أو سمعية) عندها يجب التوجه للتقييم النفسي، وعدم الاكتفاء بالتفسيرات الروحية فقط.
إقرأ أيضاً ...
- الشلل النومي ( الجاثوم ) Sleep Paralysis
- الهلوسة النومية Hypnagogic Hallucinations
- الإستغراق Absorption
- الجنون المعدي Folie à Deux
- الإحساس بوجود أحد ما Sense of Presence
- الحرمان الحسي Diminished Input
- تجسد الصورة الذاتية Autoscopy
- إنفصام الشخصية Dissociation of the Personality
- إضطراب الثقافة والمعتقد
- الماورائيات في العالم العربي: بين أسر التفسير الديني وغياب المنهج العقلي
- إضطراب الثقافة والمعتقد
- الماورائيات في العالم العربي: بين أسر التفسير الديني وغياب المنهج العقلي
0 تعليقات:
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .