![]() |
إعداد : كمال غزال |
في العالم العربي، غالبا ما يُختزل كل ما هو غير مُفسَّر في إطار "الجن" أو "السحر" أو "العين"، في إسقاط مباشر للمفاهيم الإسلامية على المجهول ،ومع أن ذلك نابع من تراث راسخ ومقدَّس، إلا أن هذا النمط من التفكير أضعف المحاولة الموضوعية لفهم الماورائيات بوصفها ظواهر تحتاج إلى فحص معرفي متعدد الأدوات ، في المقابل، اعتمدت المجتمعات الغربية على نماذج باراسيكولوجية وتجريبية لا تتعارض بالضرورة مع الإيمان، لكنها تسعى لتفسير الظاهرة بدل تسطيحها.
التفسير الغيبي المطلق
أ- المفاهيم السائدة
- أي صوت غامض؟ جن
- أي حلم غريب ؟ رسالة روح.
- أي لعنة أو سلسلة مصائب ؟ حسد أو سحر.
- أي شذوذ نفسي ؟ مس شيطاني أو تلبّس.
ب- المشكلة المنهجية
- انعدام التفكيك: الظاهرة لا تُفكك إلى عناصرها (المكان، الشخص، السياق، التكرار، البيئة)، بل تُسلّم للغيب.
- غياب التراكم المعرفي: لا توجد دراسات عربية جادة تقارن مثلاً بين حالات التلبّس المفترضة وظواهر الانفصام العقلي أو اضطراب الهوية الانفصامية.
ج- تأصيل نقدي
رغم أن الإسلام لم يُقصِ العقل، فإن الممارسة المجتمعية اختزلت الغيب في "قوالب دينية جاهزة"، مما أوقف التفكير عند نقطة التفسير دون بحث أو اختبار.
الماورائيات في الغرب: فضول علمي رغم الشك
أ- تعدد المقاربات
هناك مجالات متعددة يمكن استخدامها كمقاربات :
- التحليل النفسي : يونغ Jung وفرويد Freud.
- علم الأعصاب والتفسير البيولوجي للهلاوس.
- الباراسيكولوجيا: دراسات ESP، التلباثي (التخاطر)، الاستبصار، تجارب الاقتراب من الموت.
- الفيزياء الحديثة: فرضيات الأكوان الموازية، نظرية الأوتار، الطاقات غير المرئية.
ب- القبول بشيء وسط
الغرب لا يصدّق كل شيء، لكنه لا يرفض البحث ، يرى في الغامض تحدياً معرفياً، لا مسألة محسومة بالغيبيات.
الفرق في البنية المعرفية بين الغرب والعالم العربي
نناقش هنا فروقات البينة المعرفية من خلال اربع نقاط : المرجعية ، هدف التفسير ، أدوات التفسير ، والنقد والتشكيك.
المرجعية الأولى
- عند العرب : دينية – غالباً إسلامية.
- عند الغرب : علمية – تجريبية أو فلسفية.
هدف التفسير
- عند العرب : تسكين المجهول (ردّه للجن، السحر...)
- عند الغرب : تفكيك المجهول وبحث نمط تكراره
أدوات التفسير
- عند العرب : نصوص دينية + فتوى أو راقٍ شرعي
عند الغرب : تجارب مخبرية + مقاييس نفسية وسلوكية
النقد والتشكيك
- عند العرب : محظور أو يُعد ضعف إيمان .
- عند الغرب : مُحفّز للبحث والتوسّع المعرفي.
لماذا لا يتطور علم الماورائيات عربياً ؟
أ- هيمنة خطاب الوعظ على خطاب البحث
المجتمع يذهب إلى الراقي بدل الباحث، إلى الشيخ لا إلى الطبيب النفسي، مما يعمّق الخرافة تحت غطاء الدين.
ب- الخوف من "التكفير" أو التشكيك
الاقتراب العلمي من بعض الظواهر يُفهم غالباً كتهديد للعقيدة، رغم أن العلم لا يناقض الدين بالضرورة، بل يناقض الجهل.
ج- انعدام المبادرات البحثية المحلية
لا يوجد "مركز عربي لدراسة الباراسيكولوجيا" مثلاً، ولا دعم أكاديمي لمن يبحث في الظواهر الغامضة بشكل تجريبي.
دعوة للتوازن
ليس المطلوب نسف الموروث، بل تحريره من سلطته المطلقة على كل تفسير. يمكن أن نجمع بين العقيدة والعقل، بين النص والتجريب، لنفهم أن "الماورائيات" حقل يستحق الدراسة، لا مجرد الرجم بالغيب أو الحرق بالرقية.
نحو نهضة معرفية ماورائية
الظواهر الماورائية ليست ملكاً للغيب وحده، ولا حكراً على تراث الغرب. هي مجال خصب لعلم جديد، عربي الهوية، عقلاني المنهج، لا يُقصي الدين لكنه لا يتقيد بالخرافة ، إذا أردنا أن نبني جسراً معرفياً حقيقياً، علينا أن ننتقل من الفتوى إلى الفرضية، ومن الرقية إلى المعمل، ومن التلقين إلى التساؤل.
إقرأ أيضاً ...
- تأملات باحث في الماورائيات بعد سنوات من التيه
- الأبواب : من الحاجز المادي إلى المعبر الماورائي
- هل ترغب بدارسة الماورائيات : جامعات تقدم برامج متخصصة فيها
- العلم والماورائيات : هل يمكنك أن تثق بعقلك ؟
- جولة لرصد الماورائيات في قرية مغربية
- هل يزيد الزلزال من النشاط الماورائي ؟
- أوجه إختلاف الإعتقاد بالماورائيات بين الجنسين
- أبحاث في أثر العقل على المادة: تلاقي العلم مع الماورائيات
- ماورائيات إسلامية : جن نصيبين
- التحقيق في الماوارئيات : مضيعة للوقت أم فهم للعقل ؟
- ماورائيات إسلامية : تأثير الأرواح في المنام
- ماورائيات إسلامية : السير على الماء
- ما وراء الطبيعة: الدليل الشامل لفهم الظواهر الخارقة
0 تعليقات:
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .