16 أغسطس 2025

دور العقل في الماورائيات 14 : أبوفنيا - البحث عن معنى وسط الفوضى

الأبوفينيا - نزعة للبحث عن المعنى وسط الفوضى
إعداد :  كمال غزال

صاغ عالم النفس الألماني كلاوس كونراد مصطلح الأبوفنيا Apophenia عام 1958 أثناء دراسته للذهان والفصام ويُقصد به الميل العقلي لدى الإنسان لرؤية أنماط ومعانٍ في أشياء عشوائية لا علاقة لها ببعضها البعض ، مثال ذلك: رؤية وجه في الغيوم، سماع رسالة خفية في ضوضاء الراديو، أو ربط أحداث متفرقة على أنها إشارات مقصودة.

الأبوفنيا ليست مرضاً بحد ذاتها، بل هي نزعة طبيعية في الإدراك البشري، وهي جزء من آلية الدماغ للبحث عن المعنى والنظام في الفوضى. هذه القدرة التطورية ساعدت الإنسان قديماً على النجاة (تمييز أنماط في البيئة: مثل آثار حيوان مفترس في الغابة)، لكنها قد تقوده أحياناً إلى استنتاجات خاطئة أو أوهام.

الأبوفنيا والماورائيات

لطالما كانت الأبوفنيا أرضاً خصبة لظهور المعتقدات الماورائية إذ يمكن تفسير الكثير من الظواهر الغامضة من خلالها:

الأشباح والأصوات الغامضة

عند سماع أصوات عشوائية في الليل (حفيف أوراق، صرير خشب)، قد يربطها العقل مباشرة بوجود كيان غير مرئي. هنا يحول الدماغ الضوضاء إلى "إشارة مقصودة"، رغم أنها مجرد أصوات طبيعية.

الرموز والصدف المتكررة

كثيرون يرون أن تكرار رقم معين (مثل 11:11) هو "رسالة كونية"، بينما يمكن تفسيره بالأبوفنيا: الدماغ يركز على النمط بعد ملاحظته فيعيد ربطه بالمصادفة مراراً، إقرأ المزيد عن متلازمة الأرقام المتكررة

الظواهر البصرية Pareidolia

الباريدوليا فرع من الأبوفنيا، حيث يرى الإنسان وجوهاً أو أشكالاً مألوفة في الجمادات: وجه في القمر، أو صورة قديس في بقعة ماء على الجدار، هذه الظاهرة شائعة جداً وتغذي الإيمان بالمعجزات والظهورات الروحية.

الاتصال بالأرواح والطقوس السحرية

خلال جلسات تحضير الأرواح، قد يفسر المشاركون أصوات الطاولة أو اهتزاز الكوب كإشارات مقصودة من كيان غير مرئي. في الحقيقة قد تكون مجرد حركات لا إرادية أو ضوضاء بيئية، لكن العقل يبحث عن معنى وراءها.

الأبوفنيا وقراءة الفنجان

في قراءة الفنجان تظهر الأبوفنيا بوضوح، إذ يميل العقل البشري إلى رؤية أشكال مألوفة ومعانٍ في بقع القهوة العشوائية على جدار الفنجان ، فقد يرى الشخص وجهاً أو طريقاً أو حيوانًا، ويمنحها القارئ تفسيراً يتصل بمستقبله أو حالته النفسية،  هنا لا يكون المعنى في البقع نفسها بل في بحث الدماغ عن أنماط وسط الفوضى ، هذا الميل الطبيعي يمنح قراءة الفنجان قوة إقناعية، لأنها توهم المتلقي بوجود رسائل مقصودة أو قدر مكتوب، بينما في الحقيقة ما يحدث هو إسقاط داخلي للمعنى أكثر من كونه كشفاً خارجياً.

التفسير العقلي

من منظور علم النفس المعرفي، الأبوفنيا تعكس انحياز الدماغ نحو المعنى فالعقل البشري يفضل الخطأ في جانب "إيجاد معنى غير موجود" على أن يفوّت معلومة قد تكون مهمة للبقاء.
لكن عندما يبالغ العقل في هذه الآلية، يتحول الأمر إلى أوهام دينية أو ماورائية.

وقد أظهرت الدراسات أن:

- مستوى الدوبامين في الدماغ له علاقة بزيادة الميل لرؤية أنماط خاطئة.

- الأشخاص الأكثر ميلاً للإبداع أو الروحانية قد يكونون أكثر عرضة للأبوفنيا.

- في الحالات المرضية مثل الفصام، تتحول الأبوفنيا إلى أوهام متكاملة يراها المريض كحقائق مطلقة.


الأبوفنيا كجسر بين العلم والماورائيات


يمكن النظر إلى الأبوفنيا على أنها الجسر النفسي بين العالم الواقعي والعالم الماورائي. فهي تفسر لماذا :

- يرى الناس "إشارات من القدر" في أحداث عشوائية.

- يؤمنون بتأثير الطلاسم والرموز رغم عدم وجود دليل مادي.

- تنتشر روايات "رؤية الأشباح" والظهورات المقدسة في كل الثقافات.

وفي المقابل، لا يلغي ذلك قيمة التجارب الشخصية أو الإيمان الغيبي، لكنه يضعها في إطار أوسع: حيث يختلط الإدراك النفسي بالثقافة الدينية والميول الروحية.


الأبوفنيا هي نزعة بشرية طبيعية للبحث عن المعنى وسط الفوضى ، لكنها حين تتجاوز حدودها تصبح وقوداً للماورائيات والأساطير والتجارب الروحية.

بينما يراها المؤمنون "إشارات كونية"، يفسرها العلم بأنها انحياز إدراكي في الدماغ. وهكذا تبقى الأبوفنيا مفتاحاً لفهم الكثير من الغموض الذي يربط البشر بالماوراء، بين التفسير العقلي والنزعة الروحية.

إقرأ أيضاً ...

0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .

 
2019 Paranormal Arabia جميع الحقوق محفوظة لـ