19 يونيو 2025

جولة ماورائية في غانا

إعداد : كمال غزال
حين تذكر القارة الإفريقية في أذهان الناس، غالباً ما تُستحضر صور الطبيعة البرية، والغابات الكثيفة، والمجتمعات المتنوعة بثقافاتها وعاداتها ، لكن في قلب هذه الأرض القديمة، وبين طيات الأساطير والواقع، تنبض غانا بسرٍّ مختلف... إنها بلاد يتداخل فيها السحر مع الدين، والموت مع الحياة، والحلم مع النبوءة. بلادٌ ما زالت تحافظ على موروثاتها الروحية، حيث لا تزال الأرواح تطير في السماء، والأشجار تتحدث، والأنبياء يرون رؤى لا تفسير لها.

في هذا المقال، نأخذكم إلى جولة ماورائية داخل غانا... حيث تتجسد الأساطير على هيئة بشر، وتتحول الغابات والمقابر إلى بواباتٍ للعوالم الأخرى.

1- السحرة الطيارون
في قرى شمال غانا، ينتشر اعتقاد قديم بأن بعض النساء، خصوصاً العجائز، يمتلكن قدرة خفية تُمكّنهن من التحليق في السماء ليلاً دون أن يراهن أحد. هؤلاء يُطلق عليهن لقب "الساحرات الطيارات" ، ويُقال إن هذه القدرة ليست جسدية، بل روحانية بالكامل: إذ تترك الساحرة جسدها النائم، وتسافر بروحها عبر السماء لحضور طقوس سرّية تُعرف بـ "سابات" Sabbat، وهي اجتماعات تُعقد بين الأرواح، يُعتقد أنها تجري تحت ضوء القمر، في أماكن نائية لا يمكن للبشر العاديين دخولها.

تكثر الشهادات التي يدّعي أصحابها رؤيتهم ظلاً بشرياً يحوم في السماء، أو رؤوساً طائرة بلا أجساد، وأحياناً يُقال عن سماع صوت ضحك غريب فجأة فوق المنازل. رغم غياب الأدلة العلمية، فإن هذه الروايات محفورة في الذاكرة الشعبية، وتسببت عبر الزمن في اتهام كثير من النساء بالسحر والطيران… بل وحتى تعرّض بعضهن للنبذ أو الأذى.


2-  الأطفال الأشباح
من أكثر الظواهر المثيرة للجدل في غانا هي أسطورة ما يُعرف بـ "Spirit Children"  أي الأطفال الأرواح ، حيث يؤمن بعض أفراد المجتمعات الريفية بأن الأطفال الذين يُولدون بتشوهات خلقية، أو يعانون من أمراض لا تفسير لها، ليسوا بشراً بل كائنات من عالم آخر، أُرسلت لتُعاقب عائلاتهم أو تجلب لهم النحس.

ويُقال إن هذه الكائنات قادرة على التحدث بلغة غريبة ليلاً، أو التسبب في مصائب مفاجئة في البيت. وفي بعض الحالات القصوى، يتم إخضاع الطفل لطقوس طرد الأرواح، وقد تشمل تلك الطقوس أفعالاً مؤذية تحت إشراف "كاهن محلي" أو "صائد أرواح".

ورغم أن الحكومة الغانية ومنظمات حقوق الإنسان تعمل على إنهاء هذه الممارسات، إلا أن الخوف الشعبي من هذه "الكيانات" ما يزال حياً في بعض المناطق، ويغذّيه الجهل والأساطير المتوارثة.



3- غابة أسوكوما
تقع في إحدى مناطق الجنوب الغربي من غانا غابة غامضة تُدعى "أسوكوما"، والتي أصبحت خلال العقود الماضية مصدراً للرعب المحلي والأساطير الشعبية. يقول السكان إن الغابة مأهولة بأرواح لا تنتمي لهذا العالم، أرواح موتى لم يجدوا الراحة، تتجول فيها ليلاً، وتقتص من كل من يجرؤ على دخولها ، أكثر ما يثير الغرابة هو روايات أشخاص دخلوا الغابة ولم يعودوا أبداً، أو عادوا وقد أصيبوا بـ الجنون المفاجئ، مدّعين أنهم "رأوا كائنات لا وجه لها"، أو سمعوا أصوات بكاء متواصل قادم من الأشجار نفسها ، البعض يعتقد أن الغابة ليست مجرد مساحة طبيعية، بل بوابة بين العوالم، من يمرّ بها في ظروف معينة يُمكن أن "ينتقل" إلى ما بعد الحياة دون أن يموت جسدياً.

4- مقابر الفودو
في مناطق متفرقة من جنوب شرق غانا، خصوصاً في مجتمعات تتبع ديانات فودو التقليدية، توجد مقابر خاصة تُدفن فيها الجثث مصحوبة بتمائم سحرية، ورموز معقّدة، وأحياناً أشياء شخصية غريبة كالدمى أو العظام ، يُقال إن هذه المقابر ليست للراحة، بل هي أماكن تستخدمها الأرواح لمواصلة تواصلها مع الأحياء. بعض الزوار أبلغوا عن مشاهدتهم لألسنة لهب تخرج من الأرض دون سبب، أو رمال تتحرك في الليل، أو تغيّرات في المناخ اللحظي عند الاقتراب من القبور.

في بعض الحالات، يدّعي السكان أن الأرواح المدفونة بهذه الطريقة تعود للظهور في الأحلام، أو تحاول إيصال رسائل لمن خانهم في الحياة. البعض يُحذر من زيارة هذه المقابر، حتى في النهار، خوفاً من "العدوى الروحية".

5- أنبياء الأحلام
بعض الكنائس الحديثة في غانا، خصوصاً تلك التي تمزج بين المسيحية والمعتقدات التقليدية، أصبحت تعرف بـ "كنائس النبوءة"، حيث يدّعي القادة الروحيون امتلاكهم قدرات خارقة بفضل الأحلام والرؤى ، واحد من أشهر هؤلاء يُعرف باسم "الأنبياء النائمين"، يزعم أنه يتلقى الرسائل من الله أثناء النوم، وأحياناً يقابل فيها كائنات ليست بشرية: أرواح، ملائكة سوداء، أو كيانات من "العالم السفلي" حسب وصفه.

تُستخدم هذه الرؤى لتفسير الأمراض، تحديد السحر، وحتى التنبؤ بالمستقبل السياسي والاجتماعي ، لكن بعض الشهادات المخيفة تقول إن بعض "الأنبياء" هؤلاء قد تحدثوا بلغات غير معروفة أثناء طقوسهم، أو ظهرت على أجسادهم علامات غريبة بعد صلوات ليلية.

في زمنٍ يركض فيه العالم نحو العلم والتكنولوجيا، لا تزال هناك أماكن مثل غانا، تحتفظ بجمرٍ خافت من الماضي... جمرٍ يُنير الظلام لمن يملك الجرأة على النظر في المجهول.

سواء صدّقنا أو أنكرنا، تبقى هذه الظواهر والطقوس مرآةً تعكس مخاوف الإنسان العميقة، ورغبته الأزلية في تفسير ما لا يُفسَّر وما بين الحقيقة والأسطورة، تبقى الأسئلة معلّقة:

هل نحن من يصنع هذه الأرواح ؟  أم أن الأرواح هي من تختار من يؤمن بها ؟

غانا ليست فقط أرض الذهب... بل أرض الظلّ والهمس... أرض الأرواح التي لم ترحل بعد.

إقرأ أيضاً ...

0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .

 
2019 Paranormal Arabia جميع الحقوق محفوظة لـ