في علم النفس الثقافي، تُعرف الاضطرابات المرتبطة بالثقافة والمعتقد Cultural-Bound Syndromes بأنها أنماط من الاضطرابات النفسية أو الجسدية التي تظهر ضمن مجتمع أو ثقافة معينة، وتكون مفهومة في سياق المعتقدات الاجتماعية والدينية لتلك الثقافة. وتشمل هذه الحالات أعراضاً تُفسر غالباً ضمن إطار ماورائي أو ديني، دون أن تتطابق بالضرورة مع تصنيفات الطب النفسي الغربي.
علاقة وثيقة بالماورائيات
في كثير من الثقافات التقليدية ومنها المجتمعات العربية والإفريقية والآسيوية لا يتم تفسير التجارب النفسية غير المفهومة مثل الهلوسة، أو نوبات الهلع، أو الشلل أثناء النوم، كأعراض طبية بل غالباً ما تُفسر على أنها تجارب ماورائية: مثل المسّ الشيطاني، أو سكنى الجن، أو الحسد، أو العين، أو حتى التواصل مع الأرواح.
وهنا، يلعب الموروث الثقافي دوراً حاسماً في تأطير التفسير، وتحويل الظاهرة من إطار طبي إلى ماورائي.
أمثلة من معتقدات العالم
المسّ أو التلبس
في كثير من الدول العربية، يُفسّر التغير السلوكي الحاد أو اضطرابات الوعي أو الاكتئاب العميق على أنه " تلبّس من الجن"، وهو مفهوم ثقافي بامتياز، يستند إلى روايات تراثية دينية وفولكلورية ، إقرأ المزيد عن الماورائيات في العالم العربي: بين أسر التفسير الديني وغياب المنهج العقلي .
أموك Amok
ينتشر هذا الاعتقاد في ماليزيا وإندونيسيا ، وهي نوبة من الهيجان المفاجئ والعنف، تفسّر في السياق المحلي كدخول روح شريرة أو كسرٍ لمحرمات روحية.
سستو Susto
ينتشر هذا الإعتقاد في أمريكا اللاتينية وهي حالة من الصدمة النفسية العميقة بعد حادث مفاجئ، تفسّر بأنها فقدان "الروح" أو صدمة روحية.
كورو Koro
ينتشر هذا الاعتقاد في شرق آسيا وهو اعتقاد مرضي بأن العضو التناسلي ينكمش وسينسحب إلى داخل الجسد، مرتبط بأفكار عقابية ماورائية.
الجاثوم أو شلل النوم
يُفسر شلل النوم في الثقافات الإسلامية غالباً كـ"جاثوم" أو كيان شيطاني يجثم على الصدر، مع أن الطب يفسره كحالة فسيولوجية تحدث في مرحلة حركة العين السريعة REM من النوم، إقرأ المزيد عن شلل النوم أو الجاثوم .
وجهة نظر علم النفس
يرى علماء النفس أن هذه الاضطرابات لا تُفهم بمعزل عن ثقافة الفرد، وأن العقل يستخدم الثقافة كـ"عدسة تفسير" لما يختبره ، وعندما تكون الثقافة مشبعة بمفاهيم ماورائية فإن الدماغ - تحت ضغط نفسي أو صدمة - يستدعي تلك المفاهيم لتفسير التجربة، فيسقط ما هو نفسي على ما هو فوق طبيعي.
ويشير علم النفس المعرفي إلى أن التصورات المسبقة والمخاوف الثقافية المتوارثة تساهم في بناء وهم الماورائيات كوسيلة دفاعية للهروب من صدمة الواقع أو فقدان السيطرة.
العقلانية دون تقويض الإيمان
لا يعني تناول هذه الحالات نفسياً أننا نلغي البعد الروحي أو الإيماني من حياة الناس بل إن فهم هذه الظواهر يفتح الباب أمام مقاربة مزدوجة: علاج نفسي علمي، مع احترام الإطار الإيماني للفرد.
العلاج والوعي
تكمن الخطورة في أن هذه التفسيرات الماورائية قد تُستخدم لتبرير العنف (مثل الضرب بدعوى "استخراج الجن") أو تأخير الوصول إلى العلاج الطبي الصحيح ، المطلوب هو دمج المعرفة النفسية مع حساسية ثقافية، بحيث يمكن توعية الناس، دون صدمة ثقافية، أن ما يعتقدونه "مساً" قد يكون اكتئاباً شديداً أو اضطراباً انفصالياً.
إنّ الاضطرابات المرتبطة بالثقافة والمعتقد تكشف عن مدى قوة تأثير الإطار الثقافي والديني في تشكيل تفسيرنا للواقع، خاصة في حالات الهشاشة النفسية وحين نفهم هذه الظواهر كجزء من تفاعل معقّد بين الدماغ والمعتقد، نقترب أكثر من فهم إنساني شمولي، لا يلغي الغيب، بل يعيد تفسيره بلغة النفس والعقل.
إقرأ أيضاً ...
- الشلل النومي ( الجاثوم ) Sleep Paralysis
- الهلوسة النومية Hypnagogic Hallucinations
- الإستغراق Absorption
- الجنون المعدي Folie à Deux
- الإحساس بوجود أحد ما Sense of Presence
- الحرمان الحسي Diminished Input
- تجسد الصورة الذاتية Autoscopy
- إنفصام الشخصية Dissociation of the Personality
0 تعليقات:
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .