![]() |
إعداد : كمال غزال |
في عالم الظواهر الخارقة واللقاءات مع الأجسام الطائرة المجهولة (اليوفو UFOs)، تتمايز بعض القصص عن سواها بجرأتها، تشعبها، والأثر الذي تتركه في وعي المهتمين بهذا المجال. واحدة من أكثر تلك القصص إثارة للجدل والتأمل هي قضية اختطاف كاثي ديفيس، وهي امرأة أميركية زعم الباحث الشهير بود هوبكنز أنها كانت محور مشروع فضائي طويل الأمد له أبعاد "وراثية". تتقاطع هذه القضية مع الطب النفسي، التنويم المغناطيسي، والجدل حول حدود الإدراك البشري.
رسالة من سيدة
في صيف عام 1983، وصلت إلى بود هوبكنز، أحد أبرز الباحثين في ظاهرة الـ UFO، رسالة من سيدة تُقيم في إحدى ضواحي إنديانابوليس، طلبت عدم الكشف عن هويتها، فسماها لاحقاً في مؤلفاته باسم كاثي ديفيس. تقول الرسالة إن ضوءاً غريباً هبط فوق حديقة منزلها الخلفية، وخلف وراءه بُقعة محترقة على العشب تشبه الحروق الإشعاعية. عند معاينة المكان، قام هوبكنز بأخذ عينات تربة لتحليلها لاحقاً.
ما بدأ كحادثة غريبة واحدة، تطور بسرعة إلى ما سيصبح واحداً من أشهر ملفات الاختطاف في تاريخ الدراسات الماورائية، مدعوماً بسرديات متراكمة، وجلسات تنويم مغناطيسي، وتفاصيل جسدية مزعومة يصعب تجاهلها.
جلسات التنويم: الكشف عن الذاكرة الغائبة
![]() |
كاثي ديفيس |
لاحقاً، وفي جلسات متقدمة، زعمت أنها رأت جنيناً هجيناً، وطفلة نصفها بشري ونصفها غريب، وُصفت بأنها ذات بشرة شاحبة وعيون زرقاء ضخمة.
هذه الاعترافات دفعت هوبكنز للاعتقاد بأن كاثي لم تكن ضحية حادثة اختطاف واحدة، بل جزء من برنامج تهجين مشترك بين البشر والفضائيين.
العائلة أيضاً اختُطفت
وفقاً لما أورده هوبكنز في كتابه Intruders: The Incredible Visitations at Copley Woods (1987)، لم تكن كاثي الوحيدة المعنية بالحادثة. فقد تحدث عن أن أفراد عائلتها، بمن فيهم والدتها، أختها، وطفليها، قد مروا بتجارب مشابهة، منها ظهور أضواء غريبة، فقدان للوقت، وأحلام متكررة تتضمن رموزاً وكائنات غير بشرية.
أشارت كاثي في إحدى الجلسات إلى أن هناك تجارب طفولة مبكرة مع هذه الكائنات، مما يُرجّح أن الاتصال لم يكن عارضاً بل مستمراً لعقود.
دليل جسدي… أم خدعة ذهنية ؟
استند هوبكنز في دعمه للقضية إلى: صور للبقعة المحروقة في الحديقة وتقارير ذكرت فيها كاثي أعراض جسدية غامضة ظهرت عقب الحادثة (حروق طفيفة، تورمات، نزيف أنفي) ، وأسفرت نتائج اختبارات كشف الكذب التي أجرتها ديفيس عن أنها " لم تُظهر كذباً صريحاً ".
لكن، هل كانت هذه أدلة كافية ؟ هنا يبدأ الجدل الحقيقي.
سيل من الانتقادات: ما بين العلم والباراسيكولوجيا
تعرّضت القضية، رغم شهرتها، لانتقادات شديدة من عدة جهات علمية وأكاديمية :
1- مصداقية التنويم المغناطيسي
خبراء علم النفس، ومنهم باحثون في جامعة هارفارد، أكدوا أن التنويم لا يُعيد "ذاكرة حقيقية"، بل قد يخلق ذكريات زائفة بفعل الإيحاء أو الأسئلة الموجهة. أي أن كاثي قد لا تكون كاذبة، لكنها قد تكون مُقتنعة تمامًا بما هو وهم.
2- التحقيقات غير المحايدة
انتقد فيليب كلاس (من أبرز المشككين في ظواهر الـ UFO) الأسلوب الذي اتبعه هوبكنز، وقال إن جلسات التنويم كانت موجهة بوضوح لدفع الرواية نحو نظرية التهجين. وأشار إلى أن الباحث لم يتبنّ أي احتمال بديل، مثل الصدمة النفسية أو الذكريات الكاذبة.
3- أثر الثقافة الشعبية
أواخر السبعينيات والثمانينيات، شهدت الولايات المتحدة موجة من الأفلام والمسلسلات التي تتناول الكائنات الفضائية مثل Close Encounters of the Third Kind، مما جعل بعض النقاد يرون أن هذه القصة تغذت من الخيال الشعبي أكثر مما غذّته.
4- الآثار الجسدية البديلة
خبراء في علوم الأرض شككوا في تفسير "بقعة الحرق"، وقالوا إنها قد تنتج عن مواد كيميائية، أو نشاط حراري عادي، دون الحاجة لإقحام فرضية الهبوط الفضائي.
لماذا ظلت القصة مشهورة رغم الشكوك ؟
رغم كل الشكوك، بقيت قضية كاثي ديفيس ذات تأثير طويل في ثقافة الاختطاف الفضائي، والسبب يعود إلى عدة عوامل: قوة السرد وتفاصيله التشريحية والنفسية الدقيقة ودعم بود هوبكنز، الذي كان يعتبر أحد أعمدة هذا المجال ورمزية القصة ، فهي تمثل ليس فقط تجربة استثنائية، بل فكرة فقدان السيطرة على الجسد والذاكرة، ما يجعلها قابلة للتأويل السيكولوجي العميق.
كما تحوّلت القصة إلى عمل تلفزيوني وفيلم ومسلسل قصير بعنوان Intruders، مما منحها بُعداً درامياً وأبقاها في ذاكرة الجمهور.
بين الإيمان والبحث
هل كانت كاثي ديفيس حقاً شاهدة على تجربة خارقة ؟ أم ضحية وهم صنعه التنويم والإيحاء الثقافي ؟ لا يمكن الجزم بالحقيقة، لكن المؤكد أن قصتها أصبحت واحدة من المحطات الأساسية في ملف الاختطاف الفضائي، ورمزاً للصراع المستمر بين الخيال والواقع، بين الإيمان المطلق بوجود "الآخر"، والتفسير العلمي الحذر الذي يبحث عن خيوط المنطق وسط متاهة الكوابيس.
إقرأ أيضاً ...
- الملامح المشتركة لتجارب الإختطاف من قبل المخلوقات الفضائية
- الإختطاف من قبل المخلوقات الفضائية : بين الحقيقة والخيال
- ملفات الاختطاف الفضائي : أنطونيو فيلاس - البرازيل 1957
- ملفات الاختطاف الفضائي : جيسي لونغ - الولايات المتحدة 1957
- ملفات الاختطاف الفضائي: باتريسيا - الولايات المتحدة 1969
- ملفات الاختطاف الفضائي : باسكاجولا- الولايات المتحدة 1973
- ملفات الاختطاف الفضائي : ترافيس والتون - الولايات المتحدة 1975
- ملفات الاختطاف الفضائي : غونتر وولف - ألمانيا 1976
- ملفات الاختطاف الفضائي : أي 70 - اسكتلندا 1992
0 تعليقات:
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .