الكابوس ليس مجرد حلم سيئ؛ بل هو نوع خاص من الأحلام يتسم بشدة الواقعية والعاطفة والخوف الذي يوقظ النائم غالباً في منتصف الليل .
منذ أن وُجد الإنسان وهو يحاول فهم ما يراه في نومه، خاصة تلك الأحلام المظلمة التي توقظه ، في الثقافات القديمة، كانت الكوابيس تُنسب إلى كائنات خفية تجثم على صدر النائم، أو إلى رسائل تأتي من العوالم الأخرى.
أما اليوم، فيرى العلم أن وراءها عوامل يمكن قياسها وتفسيرها ، يصفه علماء النفس بأنه استجابة عقلية لاضطراب جسدي أو نفسي، فيما تراه الثقافات القديمة بوصفه تجسيداً لقوى خفية تزور الإنسان أثناء نومه.
لكن بين هذين العالمين ، عالم الطب والنفس، وعالم الغيب والروح ، ما زالت مساحة رمادية واسعة تثير التساؤل: هل الكوابيس مجرد اضطراب فيزيولوجي؟ أم نوافذ مؤقتة على واقع آخر لا نراه بيقظتنا ؟
الغذاء وتأثيره الخفي على الأحلام
من المدهش أن ما نأكله قبل النوم يمكن أن يتحول إلى مشاهد في أحلامنا ، فقد وجدت دراسة كندية حديثة أن منتجات الألبان، خصوصاً لدى من يعانون من عدم تحمّل اللاكتوز، ترتبط بزيادة الأحلام المزعجة.
الانزعاج الهضمي الليلي يوقظ الدماغ ويزيد من تفاعله في مرحلة الأحلام (REM)، فتتحول المشاعر الجسدية إلى صور مرعبة في الحلم.
كذلك، أشارت أبحاث أخرى إلى أن الأطعمة الحارة أو السكرية قبل النوم ترفع من حرارة الجسم ونشاط الدماغ، مما يؤدي إلى كوابيس أكثر حدة.
أما الذين يتناولون أطعمة صحية غنية بالمغنيسيوم والتربتوفان، مثل الموز أو الحليب الدافئ، فغالباً ما ينامون بعمق ويستيقظون بأحلام أقل اضطراباً.
التكنولوجيا واضطراب الإيقاع الحيوي
الشاشات التي لا تفارق أيدينا صارت أعداء النوم الهادئ ، الضوء الأزرق المنبعث من الهواتف والأجهزة اللوحية يثبط إفراز هرمون الميلاتونين، فيؤخر النوم ويقلل جودته ، ومع اضطراب دورة النوم، تصبح الأحلام أكثر فوضوية.
بل إن بعض الدراسات وجدت أن مشاهدة المحتوى العنيف أو المرعب قبل النوم – أفلام الرعب أو ألعاب الفيديو – ترتبط مباشرة بازدياد الكوابيس، خصوصاً لدى الأطفال والمراهقين.
وفي خلفية كل هذا، ثمة سؤال لم يُحسم بعد: هل تؤثر المجالات الكهرومغناطيسية المنبعثة من الأجهزة المحيطة بسريرنا في نشاط الدماغ ؟ بعض الباحثين يلمّح إلى وجود علاقة، وآخرون ينفونها، لكن المسألة لا تزال مفتوحة للبحث.
القلق والاضطراب النفسي
الكوابيس مرآة العقل الباطن ، فعندما تتراكم التوترات اليومية، يعيد الدماغ تمثيلها في صورة رمزية أثناء النوم ، القلق، والاكتئاب، والضغوط المستمرة تجعل الدماغ أكثر يقظة أثناء النوم، فتتحول مرحلة الأحلام إلى ساحة قتال بين الذاكرة والعاطفة.
أما الذين مروا بتجارب صادمة - حرب، فقد، حادث، أو عنف - فهم أكثر عرضة لما يُعرف بـ كوابيس ما بعد الصدمة، حيث يعيد العقل الحدث مراراً بواقعية مؤلمة.
لكن من زاوية أخرى، يرى بعض الباحثين في الروحانيات أن الكوابيس ليست دائماً انعكاساً داخلياً، بل ربما تكون التقاء عابراً بين وعي الإنسان وترددات أخرى للطاقة أو الذاكرة الكونية، ما يجعلها أحياناً تحمل رموزاً لا يمكن تفسيرها نفسياً فحسب.
الاضطرابات الصحية
بعض الحالات الطبية تُعد أرضاً خصبة للكوابيس، مثل:
- انقطاع التنفس أثناء النوم، حيث تتكرر لحظات الاختناق فيوقظ الدماغ من الحلم فجأة.
- اضطراب حركة العين السريعة (REM Behavior Disorder)، الذي يجعل الجسد يتفاعل فعلياً مع ما يراه في الحلم.
- الحمى والأمراض العصبية، التي ترفع نشاط الدماغ وتشوه إيقاع النوم.
وفي المقابل، نجد في الطب الشعبي إشارات متكررة إلى أن الحمى الشديدة قد تفتح “بوابات الرؤيا”، وهي فكرة قديمة ربما تحمل بذرة علمية لم تُفكك بعد: فالحرارة المفرطة تغير فعلاً نشاط الدماغ فيجعله يرى صور هلوسات أقرب للأحلام المكثفة.
الأدوية والمنبهات
بعض العقاقير التي تؤثر على كيمياء الدماغ قد تغير طبيعة الأحلام ، تشمل هذه مضادات الاكتئاب، أدوية ضغط الدم (حاصرات بيتا)، الكورتيكوستيرويدات، ورقع النيكوتين ، تعمل هذه الأدوية على النواقل العصبية مثل السيروتونين والدوبامين، ما قد يخلق أحلاماً غريبة أو مزعجة.
كذلك، فإن الإفراط في الكافيين أو مشروبات الطاقة أو التدخين قبل النوم يرفع من تنبّه الدماغ ويمنعه من الدخول في نوم عميق.
البيئة المحيطة والمجالات الخفية
قد لا ندرك أن درجة حرارة الغرفة، والإضاءة الخافتة، والضوضاء كلها تؤثر في طبيعة النوم ، فالنوم في بيئة خانقة أو غير مريحة يجعل الدماغ في حالة دفاع مستمرة.
أما عن المجالات المغناطيسية الأرضية، فقد أشارت بعض الدراسات الأولية إلى علاقة بين اضطرابها وبين زيادة الأحلام الغريبة، وكأن الدماغ يلتقط إشارات من مجال أوسع مما نظنه.
هل يمكن أن تكون الكوابيس استجابة لطاقة غير مرئية ؟ ربما العلم لم ينفِ هذا بعد، لكنه لم يثبتها أيضاً.
أهم العوامل التي تعزز الكوابيس
- تناول أطعمة ثقيلة أو حارة أو سكرية قبل النوم
- الحساسية الغذائية وعدم تحمّل اللاكتوز
- السهر وقلة النوم أو اضطراب مواعيده
- مشاهدة المحتوى العنيف قبل النوم
- القلق، الاكتئاب، والصدمات النفسية
- اضطرابات النوم مثل انقطاع التنفس أو الخدار
- الأدوية المؤثرة على الجهاز العصبي أو الهرمونات
- الإفراط في الكافيين أو النيكوتين
- النوم في بيئة مزعجة أو قريبة من الأجهزة الإلكترونية
وفي الختام ، ليست الكوابيس مجرد نتاج كيمياء مضطربة، ولا هي دوماً رسائل من وراء الحجاب؛ إنها نقطة التقاء بين الدماغ المادي والعالم غير المرئي.
العلم يفسر الأسباب الظاهرة - من الغذاء إلى الهرمونات - لكنه لا ينكر أن هناك مساحة رمادية من الخبرة البشرية لم تُفهم بعد، حيث يمتزج النفسي بالطاقي، والمادي بالروحي.
وربما لهذا السبب تحديداً، تبقى الكوابيس - رغم كل التقدم العلمي - أكثر ظواهر النوم غموضاً وسحراً، تذكرنا دائماً بأننا ، حتى في نومنا ، نطل على عوالم لم تُكتشف بعد.
نبذة عن كمال غزال
باحث سوري في عالم ما وراء الطبيعة (الماورائيات) من مواليد عام 1971، ومؤسس موقع ما وراء الطبيعة Paranormal Arabia، أول منصة عربية متخصصة في هذا المجال الفريد منذ عام 2008 ، أعد وترجم وبحث وأسهم في مئات المواضيع التي تنقسم إلى أكثر من 30 فئة، بين مقالات بانورامية شاملة وتحقيقات لكشف الزيف، إضافة إلى تحليلات لتجارب واقعية تلقاها من العالم العربي، ورصد أخبار مرتبطة بالماورائيات ، تعتمد منهجيته على دراسة الظواهر الغامضة من منظور أنثروبولوجي مع تحليل منظومات المعتقدات والتراث الشعبي وربطها بتفسيرات نفسية وعصبية، إلى جانب استكشاف الأساطير حول العالم ، كما ألّف قصصاً قصيرة مستوحاة مما قرأ وسمع وشاهد، ويسعى نحو أضخم موسوعة عربية عن ما وراء الطبيعة ، الظواهر الخارقة، الباراسيكولوجية، والميتافيزيقية رافعاً شعار الموقع: "عين على المجهول"، ومؤكداً مقولته: "نعم للتفكير، ولا للتكفير".

0 تعليقات:
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .