![]() |
إعداد : كمال غزال |
في زاوية مظلمة من الذاكرة البشرية، تقبع كتب ومخطوطات لا تشبه غيرها، كتب أُحاطت بهالة من الغموض والرهبة، بعضها نُسي عمداً، وبعضها ظل عصياً على الفهم رغم مرور القرون ، بين صفحاتها تمتزج الرموز المشفّرة، والطقوس السحرية، والرؤى الخيالية الجامحة، كأنها تنتمي إلى عوالم أخرى غير مألوفة ، كتب قيل إنها تُعلّم كيفية استحضار كائنات خفية، أو تنطوي على تعاليم خيميائية سرية، أو تحتوي رسائل ضاعت مفاتيحها مع زوال حضاراتها الأصلية. بعضها موروث عن القدماء، وبعضها من صنع عقول انفلتت من الواقع.
في هذا المقال، نأخذكم في جولة عبر أغرب 12 كتاباً غامضاً عرفها التاريخ، حيث السحر، والجنون، والرموز، يلتقون في نصوص تتحدى حدود المعرفة.
1 - مخطوطة فوينيتش

تُعد مخطوطة فوينيتش Voynich Manuscript واحدة من أكثر المخطوطات غموضاً وغرابة في التاريخ البشري، وقد أصبحت رمزاً للألغاز التي لم تُحل حتى اليوم، رغم محاولات دامت أكثر من قرن لفك شيفرتها. ما يجعل هذه المخطوطة استثنائية ليس فقط محتواها الغريب، بل أيضاً غياب أي تفسير واضح للغتها أو غرضها.
كُتبت المخطوطة على رقّ (جلد حيواني) عالي الجودة، وتضم أكثر من 240 صفحة، بخط غامض مكتوب بأبجدية لا تشبه أي نظام كتابي معروف. تحتوي على رسوم توضيحية لآلاف النباتات، معظمها لا يُعرف له وجود في الطبيعة، بالإضافة إلى مخططات فلكية وأبراج تُشير إلى نظام رمزي معقّد، ورسوم لمجموعات من النساء العاريات داخل أحواض استحمام أو أنابيب غريبة متصلة ببعضها، ما يُوحي برؤية رمزية أو طقوسية غامضة.
رغم فشل علماء الرياضيات، اللغويين، المؤرخين وحتى خبراء التشفير في تفسير رموزها، إلا أن التحاليل الكربونية الحديثة أكدت أن المخطوطة تعود إلى الفترة ما بين 1404 و1438، أي إلى أواخر العصور الوسطى. أما الاسم "فوينيتش"، فيعود إلى ويلفريد فوينيتش، وهو تاجر كتب بولندي الأصل اشترى المخطوطة عام 1912 من دير في إيطاليا، ومنذ ذلك الحين ارتبط اسمه بها.
الفرضيات حول الغرض من المخطوطة متعددة:
هل هي كتاب في الطب الشعبي أو الأعشاب ؟
هل تمثل نظاماً سرياً فلسفياً أو طقسياً ؟
أم أنها مجرد خدعة متقنة من القرون الوسطى ؟
لكن المثير أن التحليل الإحصائي للنص أظهر أنماطاً لغوية حقيقية، مما يُضعف نظرية الخداع ويُعزز احتمال وجود لغة اصطناعية أو مفقودة لم نفهمها بعد.
اليوم، تحتفظ مكتبة جامعة ييل الأمريكية بالمخطوطة الأصلية، وهي متاحة رقمياً للباحثين، لكنها لا تزال تُقاوم التفسير، تاركةً خلفها سؤالاً مفتوحاً: هل نحن أمام نص سري عميق أم بُنيان من العبث المُتقن ؟
2 - دليل ميونيخ للسحر الشيطاني

دليل ميونيخ للسحر الشيطاني، المعروف أيضاً باسم "مستحضر الأرواح" The Munich Manual of Demonic Magic، هو أحد أخطر وأندر الكتب السحرية التي وصلت إلينا من أوروبا العصور الوسطى، ويُعتقد أنه كُتب في أواخر القرن الخامس عشر على يد ساحر ألماني مجهول الهوية. يُصنّف هذا الكتاب ضمن أدبيات السحر الأسود الخالص، بخلاف العديد من النصوص الباطنية التي تمزج بين الفلسفة والسحر.
الكتاب مكتوب باللاتينية، ويتضمن طقوساً مفصلة لاستحضار الشياطين والأرواح السفلية، بهدف استخدامها في أعمال مختلفة، لا تتعلق بالتطهير أو الشفاء، بل بالهيمنة، والخداع، والسيطرة على البشر. يُقسّم محتواه إلى ثلاثة أنواع رئيسية من السحر:
الوهم Illusions
وتتمثل في خلق رؤى زائفة تُوهم الضحية برؤية قلاع، جيوش، كنوز، أو كائنات خرافية، مما يجعل من الصعب تمييز الواقع عن الخيال.
السيطرة النفسية Psychological Domination
تهدف إلى التأثير العميق في المشاعر والإرادة، مما يمكن الساحر من فرض سلطة نفسية أو سياسية على الآخرين.
العرافة Divination
ويقصد به القدرة على كشف أحداث الماضي أو التنبؤ بالمستقبل من خلال الأرواح الشيطانية أو الرموز الغامضة.
ما يميز هذا الدليل عن غيره من كتب السحر، هو افتقاده لأي نزعة دينية أو فلسفية؛ فهو لا يتوسل بالملائكة أو يدعي الغاية الروحية، بل ينغمس بعمق في استدعاء الكيانات المظلمة، والتعامل مع القوى السفلية لأهداف أنانية وخطرة.
ويحتوي الكتاب على مقاطع تصف تضحيات بكائنات أسطورية، وطقوساً لطرد الأرواح الشريرة التي "تُهيمن على الأمكنة"، ما يكشف عن اعتقاد بأن بعض المواقع تسكنها قوى خفية يمكن تسخيرها أو إزاحتها.
اليوم، توجد النسخة الوحيدة المعروفة من هذا الدليل في مكتبة ولاية بافاريا بمدينة ميونيخ، محفوظة بعناية ضمن المخطوطات النادرة. ويُعتبر "دليل ميونيخ" وثيقة مرعبة ومثيرة، تكشف الجانب المظلم من تراث السحر الأوروبي، حين كان السحرة يسعون للسلطة عبر التحالف مع ما هو خفيّ... وجحيمي.
3 - هيتاميرون

كتاب هيتاميرون Heptameron، واسمه يعني "سبعة أيام" باليونانية، يُعد من أكثر النصوص السحرية غموضاً وأثراً في تقاليد ما يعرف بـ"السحر الكوكبي" في أوروبا القرون الوسطى. غالباً ما يُنسب هذا الكتاب إلى بيترو أبانو Pietro d'Abano، الطبيب والفيلسوف الإيطالي الذي عاش في القرن الثالث عشر، والذي انتهت حياته في السجن بتهمة الهرطقة والإلحاد، بعدما اتُّهم بممارسة السحر واستحضار الأرواح.
يُعتبر "هيتاميرون" نموذجاً مبكراً لما أصبح لاحقاً تقليداً أدبياً وسحرياً في "الديكاميرون"، لكن محتواه يختلف كلياً؛ فهو دليل طقسي سري يُفصل كيفية استحضار ملائكة مختلفة لكل يوم من أيام الأسبوع، من الأحد إلى السبت، من خلال طقوس دقيقة تعتمد على توافق الكواكب، الأبراج، والبخور، وأسماء القوة.
الكتاب لا يتحدث عن الشياطين أو الأرواح الشريرة، بل عن ملائكة كواكب، يُعتقد أن لكل واحد منهم سلطة على مجال معين من الحياة: كالعدالة، الحب، الحرب، الشفاء، وغيرها. ويصنف ضمن فئة "السحر الشعائري"، التي تمزج بين الروحانيات والتنجيم والفلسفة الهرمسية.
رغم أن الكنيسة الكاثوليكية أدانت بيترو أبانو، إلا أن إرثه ظل ملهماً للكثير من السحرة والخيميائيين في عصر النهضة، وخصوصاً أولئك الذين حاولوا ربط المعرفة السماوية بالحكمة الأرضية. ويُنظر إلى "هيتاميرون" بوصفه مرآة لصراع الإنسان بين الإيمان والعقل، بين المحرم والمقدس، بين السعي للمعرفة والخوف من الاتهام.
اليوم، لا يزال "هيتاميرون" يثير الجدل في الأوساط الأكاديمية والباطنية، حيث يُقرأ كوثيقة نادرة تكشف عن جانب خفي من السعي البشري لفهم القوى الكونية عبر أدوات رمزية معقدة، في زمنٍ كانت فيه مثل هذه المحاولات ثمنها السجن... أو الموت.
4 - "غاية الحكيم" أوبيكاتريس

"غاية الحكيم" أو "بيكاتريكس" Picatrix هو واحد من أكثر الكتب غموضاً وتأثيراً في تاريخ السحر والفكر الباطني، تعود أصوله إلى العالم الإسلامي في القرن الحادي عشر، حيث كُتب بالعربية بعنوان "غاية الحكيم في علم النجوم"، ثم تُرجم لاحقاً إلى اللاتينية في إسبانيا، ليصبح لاحقاً مرجعاً أساسياً لعلماء السحر الأوروبيين في العصور الوسطى وعصر النهضة.
الكتاب موسوعة ضخمة تجمع بين الفلك، الفلسفة، الكيمياء، السحر، والتنجيم، ويُعتقد أن مؤلفه هو الحكيم الأندلسي مسلمة المجريطي أو من تلامذته. يتناول "بيكاتريكس" مفاهيم مثيرة مثل كيفية التأثير على الآخرين بالنظر أو النوم، أو استخدام الأبخرة والأبراج لجلب المحبة أو الهروب من السجن، كما يشرح وصفات طقسية غريبة يدخل في تركيبها عناصر بشرية مثل الدم والأدمغة والبول، فيما يبدو مزيجاً بين العلم القديم والسحر الشعائري.
الكتاب يستند إلى رؤية كونية ترى أن النجوم والكواكب تؤثر على عالم المادة والروح، ويؤمن بأن السحر لا يتم إلا بتوافق الإرادة البشرية مع قوى الكواكب. ورغم طابعه الغامض والمثير للقلق، إلا أن تأثيره كان واسعاً على فكر الخيميائيين والفلاسفة الغربيين، وخصوصاً في مدارس التنجيم والكابالا.
5 - التنين الأحمر أو كتاب السحر الأكبر

يُعد "التنين الأحمر"، المعروف أيضاً باسم "كتاب السحر الأكبر" أو حتى "إنجيل الشيطان"، من أكثر الكتب غموضاً ورعباً في التراث الغربي المتعلق بالسحر والتنجيم والشيطنة. وتُحيط بهذا الكتاب هالة كثيفة من الأساطير والتكهنات، خصوصاً مع الزعم بأنه اكتُشف عام 1750 داخل قبر النبي سليمان، وهو ادعاء لا يستند إلى أي دليل أثري، لكنه أضفى على المخطوطة طابعاً أسطورياً غريباً.
الكتاب يتكون من أربعة أجزاء، ويقال إنه مكتوب باللغة العبرية أو الآرامية القديمة، ويتضمن وصفاً تفصيلياً للطقوس الشيطانية، وطرق استحضار الشياطين، وممارسات تتعلق بـ"الاستفزاز الشيطاني"، إلى جانب تمجيد واضح لما يُسمى بـ"عظمة الشيطان"، وهو ما جعله يُصنف في خانة الكتب الملعونة في المخيال الأوروبي.
تعود أصول الكتاب - وفق الأسطورة - إلى كتابات البابا أونوريوس الثالث أو شخص ادعى أنه "أونوريوس"، والذي يُزعم أن الشيطان كان يُملي عليه الوحي، وقد ذُكر هذا الاسم مراراً في أدبيات السحر الأسود في العصور الوسطى، مما يعزز الاعتقاد بأن "التنين الأحمر" يُعد امتداداً لتراث سحري ظل يتناقل سرًّا عبر العصور.
الجانب الأكثر إثارة للريبة أن الكتاب، بحسب بعض المؤرخين، بحوزة الكنيسة الكاثوليكية الرومانية ويقال إنه محفوظ في أرشيف الفاتيكان السري، ولم يُصرّح بعرضه أو ترجمته أو حتى الاطلاع عليه للعامة، مما زاد من الغموض المحيط به. وقد ربط بعض الباحثين رمزيته بلون الدم، والنار، والتمرد الأول الذي ارتبط بإبليس في النصوص الدينية.
ورغم عدم توفر نسخة موثقة أو فحص علمي علني للمخطوطة، فإن أسطورة "التنين الأحمر" لا تزال حية في الكتب والمجلات والمواقع المتخصصة بالغيبيات، وتثير أسئلة فلسفية حول العلاقة بين المعرفة، المحرم، والمقدس، وتضعنا أمام احتمال وجود نصوص قد تزعزع أكثر المعتقدات رسوخاً... إن تجرأ أحد على قراءتها.
6- شمس المعارف الكبرى

كتاب من أصل عربي يعرف أيضا بلطائف العوارف وهو مخطوطة مشهورة تعرف بأعمال السحر والجن وقراءته محرمة في الدين الإسلامي ، وينسب تأليفه إلى أحمد بن علي البوني . تمت طباعته حديثا مع بعض التحريف ولكن ما يزال الكتاب يتناول العديد من أمور السحر غير الواضحة ، ومحتوى الكتاب عبارة عن مزيج غريب من المعلومات المفهومة منها وغير المفهومة للشعوذة وتحضير الجن ، وفيه وصفات خطيرة قد يؤذي تطبيقها دون احتراف إلى الهلاك . ينصح المختصون دائما بعدم قراءة الكتاب بلفظ مسموع ويعتقدون أن لفظ الصيغ المذكورة في الكتاب من الممكن أن يؤدي إلى استحضار كيانات ما ورائية ربما تكون خطرة على الإنسان ، ورغم أن الكتاب يضع نوايا إيجابية للأعمال السحرية إلا أن الأساليب المستخدمة لا تخلو من هرطقة وتجديف ديني ، فهناك نسخ يعتقد أنها تطابق أصل المخطوطة لتضمنها أعمالا سحرية تنال من مقدسات الدين لدى المسلمين لأجل إرضاء كائنات شريرة. إقرأ المزيد عن شمس المعارف الكبرى.
ونختم بقولنا أنه ومما لا يثير الدهشة ، هو أنه لا تزال كتب السحر الأسود والشعوذة تستخدم على نطاق واسع من قبل ممارسي سحر الفودو ، وخاصة في الأمريكتين في ولاية هايتي حيث يطلق عليه (لوفيريتابل دراغون روج) ، كما يشاع أيضاً أن بعض الكتب هي من تأليف الشيطان نفسه كاتباً فيها أسرار السفليات.
7- كتاب مفتاح سليمان
من أكثر الكتب السحرية غموضاً وإثارة للجدل، يبرز "مفتاح سليمان" Clavicula Salomonis، وهو مخطوطة شعائرية تُنسب زوراً للنبي سليمان عليه السلام. يتضمن الكتاب طقوساً وتعويذات وأسماء يُعتقد أنها تستحضر الأرواح وتتحكم في قوى خفية. ورغم تعدد نسخه باللاتينية والعبرية والإيطالية، إلا أن أصوله الحقيقية تعود غالباً إلى أوروبا بين القرنين الرابع عشر والسابع عشر، لا يوجد أي دليل على صلة النبي سليمان بهذا الكتاب، بل يرفض الإسلام صراحةً الربط بينه وبين السحر. يُنظر إلى "مفتاح سليمان" كخليط من المعتقدات السحرية المستوحاة من الكابالا والتقاليد اليونانية واليهودية، وقد بقي رمزاً لاستغلال الهالة الدينية لتبرير الممارسات الباطنية.
إقرأ المزيد عن كتاب "مفتاح سليمان".
8 - مخطوطة روهونك
مخطوطة روهونك Rohnoc Codex هي كتاب غامض ظهر عام 1838 حين تبرعت عائلة "باتياني" بمكتبتها للأكاديمية الهنغارية للعلوم ، يتألف من 448 صفحة مكتوبة بلغة مجهولة تتضمن أكثر من 800 رمز، ويرافقه نحو 100 رسم لمشاهد دينية وعسكرية تجمع بين رموز مسيحية وإسلامية ووثنية. فشل الباحثون في فك لغته أو تحديد أصله، وتعددت النظريات بين كونه خدعة، أو نصاً دينياً سريًا بلغة مصطنعة، أو حتى لغة صورية كالكتابة الصينية. التحليل الرقمي كشف عن أنماط لغوية معقدة تستبعد فرضية العبث. لا يزال الكتاب محفوظًا في بودابست، ويُعد من أعظم الألغاز في عالم المخطوطات ،إقرأ المزيد عن كتاب رونوك.
كتاب أويرا ليندا Oera Linda هو أحد أكثر الكتب إثارة للجدل والغموض في التاريخ الأوروبي، ويُقال إنه يقدم نظرة بديلة لتاريخ البشرية تعود إلى أكثر من 4000 عام. يُزعم أن المخطوطة كُتبت بلغة فرينسية قديمة (Frisian)، وتتضمن سرداً لتاريخ حضارة قديمة، وقوانينها، ومعتقداتها، وحتى إشارات إلى قارة أطلانتس، مما جعل البعض يصفه بـ"الكتاب الذي يحتوي على الحكمة المفقودة للبشرية".
الكتاب ظهر لأول مرة في القرن التاسع عشر، حين أعلن "كورنيليس أوفرفيد" Cornelis Over de Linden، وهو هولندي من فريزلاند، أنه وجد المخطوطة في ممتلكات عائلته، وأثار بذلك اهتماماً واسعاً، خاصة بين بعض القوميين الأوروبيين والباحثين في الأساطير.
هل هو كتاب حقيقي أم خدعة ؟
من الناحية المادية، المخطوطة موجودة فعلاً ومحفوظة في الأرشيفات الهولندية.
لكن من حيث المصداقية التاريخية، فإن أغلب الباحثين واللغويين في العصر الحديث يُجمعون على أنها خدعة أدبية متقنة، كتبت في القرن التاسع عشر باستخدام لغة مصطنعة تتظاهر بأنها لغة فرينسية قديمة.
الرابط بـ "هتلر وهيملر"
في الثلاثينيات من القرن العشرين، أبدى بعض قادة الحزب النازي، وعلى رأسهم هاينريش هيملر، اهتماماً بالغاً بالكتاب، معتبرين أنه يحتوي على "تاريخ آري" بديل يدعم روايات تفوق الجنس الآري وأصوله المقدسة. ويُقال إن هيملر اعتبره نوعاً من "الكتاب المقدس الآري"، مما زاد من هالة الغموض والجدل حوله.
"أويرا ليندا" ليس كتاباً حقيقياً من العصور القديمة، بل هو نص مختلق وُظف لخدمة أجندات أيديولوجية في القرن التاسع عشر والعشرين. ورغم افتقاده للمصداقية العلمية، إلا أنه يُعد مثالاً فريداً على كيف يمكن للأسطورة والخداع أن يكتسبا طابعاً مقدساً في السياق المناسب، ويظل حتى اليوم مثار فضول لعشاق الأساطير والمؤامرات التاريخية.
10 - قصة فتيات فيفان (عالم غير واقعي)

"قصة فتيات فيفان" هي عمل خيالي غير مسبوق في تاريخ الأدب والفن، يُصنف ضمن ما يُعرف بـ"الفن الخام" أو Art Brut، وقد ألفه الكاتب الأمريكي المنعزل هنري دارجر، الذي لم يُعرف كمبدع إلا بعد وفاته عام 1973، عندما عُثر في غرفته الصغيرة على مخطوطة ضخمة ومجهولة.
يحمل العمل اسماً مطولًا وغريباً
"قصة فتيات فيفان، في ما يُعرف بالعوالم غير الواقعية، عن حرب الفلنكو الأنجيلية التي تسببت بها ثورة عبيد الأطفال".
لكن في التداول العام يُختصر بعنوانه الأشهر: "عالم غير واقعي".
المخطوطة تتراوح – بحسب النسخ المكتشفة – حوالي 145 صفحة أساسية، مع عشرات الرسوم التوضيحية اليدوية، الملونة والمركبة بصرياً، والتي تُظهر مناظر طبيعية ساحرة، أزهاراً متفتحة، وأيضاً مشاهد مرعبة لتعذيب الأطفال. تتبع القصة مجموعة من الفتيات الشجاعات (فيفان) اللواتي يتمرّدن على نظام استعبادي مرعب تحكمه الإمبراطورية الفلنكو-أنجيلية، في سردٍ مليء بالفانتازيا والمجاز الديني والعنف الرمزي.
ما يجعل هذا الكتاب استثنائياً ليس فقط محتواه، بل الطريقة التي كُتب بها. إنه عمل عفوي ومعزول، كأن المؤلف كان يبني عالماً سرياً يعيش فيه وحده، بعيداً عن أعين البشر. لم يُنشر في حياته، ولم يُكتب بهدف النشر أصلاً، بل يُعتقد أنه كان جزءاً من عالم داخلي يعيش فيه دارجر كشكل من أشكال العلاج أو الهروب من الواقع.
ورغم بساطة الرسم وأسلوب الكتابة، إلا أن تأثيره كبير على النقّاد والفنانين المعاصرين، إذ يُنظر إليه كوثيقة نادرة تكشف عن قلق الطفولة، والصراع مع السلطة، والحاجة العاطفية العميقة للحماية والخلاص.
اليوم، تُعرض مخطوطة "عالم غير واقعي" وأعمال دارجر الأصلية في معارض ومتاحف كبرى، وتُدرس ضمن سياقات الفن الخارج عن المؤسسة الأكاديمية، كواحدة من أغرب القصص التي لم تُكتب لتُقرأ، بل لتُكتشف.
11 - كوديكس سيرافينيانوس

كوديكس سيرافينيانوس Codex Seraphinianus هو كتاب فريد من نوعه يُعد من أكثر الكتب غموضاً وجنوناً في تاريخ النشر المعاصر، وهو نتاج خيال الفنان والمهندس المعماري الإيطالي لويجي سيرافيني Luigi Serafini، الذي نشره لأول مرة في عام 1981.
الكتاب مكون من أكثر من 360 صفحة مصورة بالكامل، مكتوبة بلغة غير مفهومة بحروف اخترعها المؤلف نفسه، تُشبه الحروف الأبجدية لكنها لا تنتمي إلى أي نظام لغوي معروف، مما جعله يُقارن بمخطوطة فوينيتش، ولكن بروح فنية سريالية معاصرة.
ما يميز "كوديكس سيرافينيانوس" هو محتواه البصري الغرائبي والعبثي:
شاحنات برؤوس بشرية ، هياكل عظمية متصلة بكائنات غير مفهومة، كائنات هجينة بين النبات والحيوان، خرائط وموسوعات غريبة لعوالم لا وجود لها، وحتى رسوم تعليمية لكيفية "الجلوس" أو "الأكل" في عالم لا نعرف قوانينه.
الكتاب يُقسَّم شكلياً إلى فصول، على غرار موسوعات العلوم الطبيعية، لكنه يُقدّم عالماً خيالياً بالكامل، وكأنك تقرأ دليل الحياة على كوكب آخر.
ورغم صدوره في العصر الحديث، إلا أنه اكتسب طابعاً أسطورياً وثقافياً نادراً، حيث اختلف النقاد في تفسيره:
هل هو فن تعبيري محض ؟ أم محاولة ساخرة من العلم والمعرفة ؟ أم محاكاة عبثية لجنون الإنسان المعاصر في فهم ما لا يُفهم ؟
سيرافيني نفسه صرّح أن الهدف من الكتاب هو نقل الإحساس الذي يعيشه الطفل عندما يفتح كتاباً لا يستطيع قراءته بعد، لكنه ينبهر بصوره وألوانه.
اليوم، يُعد "كوديكس سيرافينيانوس" قطعة فنية خالدة ومصدر إلهام للخيال البصري والسردي، تمت إعادة طباعته عدة مرات، وأصبح من مقتنيات محبي الكتب الغريبة، الفن التجريبي، والرمزية السريالية.
12- كتاب العزيف (نيكرونوميكون)
من أكثر الكتب التي أثارت الجدل في العصر الحديث هو ما يُعرف بـ "كتاب العزيف"، أو كما اشتهر في الغرب باسم "نيكرونوميكون" (Necronomicon)، والذي نُسب زوراً إلى شاعر عربي مجنون يُدعى عبد الله الحظرد. يُقال إن هذا الكتاب يتضمن طقوساً لاستحضار كائنات كونية مرعبة، وتعاويذ للاتصال بالـ"آلهة القديمة" من عوالم ما وراء الفهم البشري.
لكن الحقيقة الصادمة أن عبد الله الحظرد لم يكن شخصية حقيقية قط، بل هو اختراع خيالي بالكامل من قبل كاتب الرعب الأمريكي الشهير هوارد فيليبس لافكرافت (H. P. Lovecraft) في أوائل القرن العشرين. لافكرافت استخدم اسم الكتاب "نيكرونوميكون" في عدد من قصصه، وصاغ له تاريخاً زائفاً وتفاصيل دقيقة جعلت القرّاء يظنون أنه كتاب فعلي، ليصبح لاحقًا حجر الأساس في عالم "الرعب الكوني".
رغم أن "نيكرونوميكون" ليس كتاباً حقيقياً، إلا أن تأثيره على الثقافة الشعبية والأدب والفن كان هائلاً، حيث ألهم كُتّاباً ومخرجين وفنانين لابتكار أعمال مستندة إلى عالمه الغرائبي. حتى أن هناك نسخاً مزيفة تم نشرها لاحقاً، زعمت أنها تحوي "نصوصاً أصلية" للكتاب، لكنها مجرد محاولات لمحاكاة الأسطورة.
يُعد "نيكرونوميكون" نموذجاً مذهلاً على كيف يمكن للخيال أن يصنع وهماً أشد تأثيراً من الحقيقة، ويبرهن على قدرة الأدب في خلق رموز غامضة تندمج في الميثولوجيا الحديثة، رغم افتقارها لأي وجود تاريخي موثق.
14 تعليقات:
مقال جميل شكرا لكم بخصوص الكتاب الخامس في اللائحة فاسمه العربي معروف وهو (غاية الحكيم) ولا داعي لترجمته من الانجليزية باسم الهدف من الحكيم. وقد ذكره ابن خلدون في المقدمة فالرجاء التصحيح شكرا
15/01/2018، 7:03:00 م
غير معرف
يقول...عودا حميدا للموقع ..
كتب اراها تدعو للدهشة والتأمل ...
16/01/2018، 4:32:00 ص
غير معرف
يقول...افتقدناك ، مر وقت طويل مذ أن نشرت في الموقع ، أرجو أن تستمر و تهتم بالموقع أكثر
16/01/2018، 8:00:00 م
شعرت بالسرور عندما وجدت مقال جديد ؛ بالتوفيق لكم
18/01/2018، 8:58:00 م
سررت كثيرا عندما شاهدت موضوع جديد بالتوفيق لكم
18/01/2018، 9:00:00 م
في الكتب القديمة نجد انها تحتوي على رموز غريبة وغير مفهومة حيث تختلف من كتاب إلى كتاب ، وذلك راجع لسببين. إما ان أصحابها حين كتبوها كانوا يخشون من سطوة الكنيسة وبطشها ، لأن اي كتاب يخالف توجه الكنيسة يعتبر سحر وهرطقة ومصير أصحابها الحرق على العامود. أو ان هذه الكتب تحتوي على علوم عريقة ضاربة في القدم علوم لحضارات سادت على هذا الكوكب قبل ملايين السنين كالحضارة راما واطلانتس ( ذُكر في المقال كتاب يتحدث عن أطلانتس ) وغيرها من حضارات. هذه العلوم متطورة جداً لذلك عمد أصحاب هذه الكتب على التشفير ووضع الرموز بحيث لا تقع في أيدي الجهلة ، لأن الجاهل لو قرأها لا يفهم منها شي على الإطلاق ويحسبها مجرد رموز ،
اما الحكيم هو من يفهما ويحوز على المعرفة.
بخصوص كتاب شمس المعارف لمؤلفه احمد بن علي البوني مثل ماذكرت عمد في كتابه على الرموز ووضع التشفير حيث يذكر في كتابه آيات قرآنية وعن تحضير الجن ، وهي عبارة عن رموز لأنه كان في وسط بيئة مسلمة. حيث الجاهل حين يقرأ كتابه ويأخذ بالمعاني الظاهرية مثل أن يقرأ الآيات بطريقة معينة أو بعدد معين ، أو أن يذكر أسماء الجن بإعداد معينة ويمارس طقوس وغيرها من خزعبلات وفِي النهاية فعلاً يحصل على نتيجة ويظن المسكين انه بسبب كيان ماورائي أو الجن. لكن في الحقيقة هو أستخدم قوة غامضة بالنسبة لدينا وهي ما نسميها اليوم السحر. حيث كان السحر في العالم القديم علم عريق جداً وخطير ، لذلك تنبه الحكماء لمدى خطورة أن يقع في أيدي الغير مؤهلين روحياً والأشرار ، لذلك أستخدموا لغة التشفير والرموز في جميع كتاباتهم ، لكن مع مرور السنين وصلت إلينا نتيجة التحريف مثل ما نراها اليوم في كتب السحر حيث عبارة عن طلاسم وطقوس مقززة وقرابين تختلف من ثقافة إلى ثقافة.
19/01/2018، 4:02:00 م
بجد مدونه مزهله مشاء الله
22/01/2018، 2:03:00 ص
مدهش
28/01/2018، 9:48:00 ص
👏 شكرا على تعبكم و بصراحه انا كنت اعرف بس كتاب شمس المعارف ومن خلال زيارتي لصفحتكم زاداه معلوماتي عن هيك امور شكرا كتير
12/05/2018، 2:09:00 ص
أخيرآ رجع موقعي المفضل كما عهدناه من قبل ، إستمروا وكل التوفيق لكم
12/06/2018، 6:16:00 ص
غير معرف
يقول...تحية لصاحب المدونة بصراحة لقد كنت أقراء هذه المدونة منذ ان كنت طفل فى 17 عام والان انا 27 ومازلت اتذكر هذه المدونة الرائعة اتمنى ان ترجع تكتب مواضيع جديدة وشيقة لنا من جديد لا اعلم لماذا توقف الموقع عن العمل
06/05/2019، 7:59:00 ص
غير معرف
يقول...Ketab jamil ya7ki 3an 7yat wa9i3ya baboha ka Ketab
3alam ba3da khorj men magharat alghaba li3alam 7a9i9 li mahyat al7ayt ka2ana albab howa mefta7oha
19/07/2023، 11:29:00 م
غير معرف
يقول...الحياة لي ولموت لكي فتيحة دينيني
11/02/2025، 9:05:00 م
غير معرف
يقول...دمتم بخير وصحة وسلامة.. ربي يحفظكم من كل شر وسوء
03/08/2025، 1:35:00 ص
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .