31 أكتوبر 2025

ماورائيات من اندونيسيا

ماورائيات وأماكن مسكونة وطقوس وكائنات أسطورية من اندونيسيا
إعداد : كمال غزال
تُعد إندونيسيا، ذلك الأرخبيل الممتد بين المحيطين الهندي والهادئ، من أغنى بقاع الأرض بالتنوع الثقافي والديني واللغوي.

غير أن هذا التنوع لم يقتصر على الإنسان فحسب، بل امتد إلى ما وراء الحس؛ إلى عالم الأرواح والكيانات الخفية والمعتقدات السحرية التي ما زالت تنسج خيوطها في نسيج المجتمع الإندونيسي حتى اليوم.

في كل جزيرة من جزرها، حكاية تختلف عن الأخرى: أرواح لا تجد السلام، كائنات غامضة تتجول في الغابات، وسحرة يمارسون طقوساً متوارثة منذ قرون.

في هذه الجولة نستعرض أبرز الكائنات والأساطير والممارسات السحرية والأماكن المسكونة التي شكلت عالم الماورائيات في إندونيسيا، بترتيب بانورامي يجمع بين الميثولوجيا والتاريخ والمعتقد الشعبي.

الكائنات الأسطورية والأرواح

1- ذات الثقب

تُعد صاندال بولونغ Sundel Bolong من أكثر الأرواح رعباً في الموروث الجاوي. هي روح امرأة ماتت في النفاس بعد أن حملت خارج الزواج، تظهر بثوب أبيض وشعر طويلٍ ينسدل ليخفي فجوة في ظهرها.

يُقال إنها تنتقم من الرجال الذين يستغلون النساء، ومن الأطفال المهملين، وقد تحولت في السينما الإندونيسية إلى أيقونة للرعب الشعبي وللخطيئة المجتمعية التي لا تغتفر ، خلف هذه الأسطورة يكمن نقد اجتماعي مرير لمكانة المرأة في مجتمع يربط بين الشرف والموت. إقرأ المزيد عن أسطورة ذات الثقب.




2- ذو الكفن

من أكثر الأشباح انتشاراً في القصص الشعبية الإندونيسية. البوكونغ Pocong روح إنسان لم تُفك عقدة كفنه بعد الدفن، فيقوم من قبره مقيداً، يتنقل قافزاً بسبب العقدة السفلى في الكفن.

يظهر عادة عند المقابر أو في ممرات القرى، ويحمل رسالة واحدة: أن الميت لم يُدفن كما يجب. لهذا ارتبط ظهوره في الوعي الشعبي بفكرة “الدفن الناقص”، وصار رمزاً للعدالة المفقودة حتى بعد الموت ، إقرأ المزيد عن أسطورة ذو الكفن.




3-  خاطفة الأطفال الجاوية

أسطورة  ويويه غومبيل Wewe Gombel تمزج بين الرعب والرأفة ، يُعتقد أنها روح امرأة حُرمت من الأمومة بعد خيانة زوجها، فتحولت إلى كائن يخطف الأطفال من الآباء القاسين أو المهملين.

لكنها لا تؤذيهم؛ بل تؤويهم في عالمها حتى يدرك أهلهم قيمتهم. إنها انعكاس لوجدان أمومي مظلوم تحول إلى عدالة غيبية تسعى لإنصاف المظلومين بطريقتها الخاصة، إقرأ المزيد عن أسطورة خاطفة الأطفال الجاوية .



4-  الغول الجاوي

في غابات جاوة المظلمة يتوارى غينديرو Genderuwo، كائن ضخم كثيف الشعر، بعينين حمراوين وصوت أجش. يقال إنه يتخذ أشكالاً بشرية لخداع الناس، أو يغوي النساء، أو يسكن البيوت القديمة.

يمثل هذا الكائن صورة رمزية للخوف من الطبيعة والليل والغريزة المجهولة، وقد جُسد في المسرح والسينما الإندونيسية بوصفه مزيجاً من الرعب والتهكم الشعبي.


5-  الدمية الحية

الجينغلوت Jenglot كائن صغير بحجم كف اليد، مغطى بالشعر، يُقال إنه يعيش داخل تمثال أو دمية تُستخدم في الطقوس السحرية،  يُعتقد أنه يتغذى على الدم الذي يُقدم له قرباناً في طقوس غامضة.

الاعتقاد بوجود هذه الكائنات بلغ حد الاحتفاظ بها في المنازل لجلب الحظ أو الحماية، وقد عُرض بعضها في متاحف جاكرتا، وسط جدل حول ما إذا كانت بقايا محنطة أم صناعة سحرية غريبة.
وقد سبق لموقع ما وراء الطبيعة أن نشر قصة واقعية عن تلك الدمية بعنوان شيطان الصندوق.



6-  روح الانتقام من الشرق الإندونيسي

في جزر مولوكو وبابوا الشرقية تسكن أسطورة سوانغي Suanggi، وهي روح امرأة قُتلت ظلماً فعادت لتنتقم من قاتليها. تُتهم النساء اللواتي يتعرضن لحوادث غريبة بأن فيهن “روح السوانغي”، وقد تؤدي هذه التهمة إلى طرد أو قتل جماعي.

تُظهر هذه الأسطورة كيف تمتزج الماورائيات هناك بالسلطة الاجتماعية، حيث يُستغل الخوف من الأرواح لتبرير العنف أو فرض السيطرة على الفئات الضعيفة.

الطقوس والممارسات السحرية

1-  الساحر أو الشامان

الـدوكن  Dukun شخصية محورية في الثقافة الإندونيسية، فهو المعالج الشعبي والعراف والمستشار الروحي في آنٍ واحد ، يمارس طقوساً تعتمد على تلاوة المانترا (Mantra أو Jampi) واستدعاء الأرواح، وتُصنف أعماله بين الخير والشر بحسب غايته. 

فهناك من يستخدم قواه للشفاء، وآخرون يمارسون السحر الأسود المعروف باسم سانتت  Santet أو Teluh أو Tenung لإلحاق الأذى بالخصوم من بعيد ، للمزيد إقرأ بالتفصيل عن طقوس السحر في أندونيسيا.



2- سحر الحب والهيمنة

هي طقوس تهدف إلى جذب شخص أو السيطرة عليه عاطفياً. يستخدم فيها الساحر رماد الأظافر أو شعر المستهدف أو صورته مع تلاوة تعاويذ خفية ، قد يبدأ هذا السحر برياء المحبة وينتهي بالهوس أو الجنون، حتى صار جزءاً من القصص التي تحذر من العبث بالمشاعر عن طريق القوى الخفية.

3- إبرة الجمال السحرية

طقس مدهش وغامض، تُغرس فيه إبر صغيرة من الذهب أو الفضة تحت جلد الوجه أو الجسد، ويُقال إنها تمنح حاملها جاذبية وسحراً لا يُقاوم.

يُعتقد أن فعالية سحر سوسوك Susuk تعتمد على الالتزام بطقوس روحية دقيقة، وأي خرق لها قد يُسبب نحساً أو تشوهاً في الجسد، لذا تُعد من أخطر أشكال السحر الجمالي في جنوب شرق آسيا.

4– استحضار الأرواح عبر السلة

طقس جايلانغكنغ Jailangkung شهير يشبه لعبة «ويجا»، حيث تُصنع دمية من سلة خيزران يُلبسها المشاركون قميصاً وصليباً خشبياً، وتُوضع أمامها ورقة وقلم.

ثم يُشعل البخور وتُتلى التعويذات لتهبط الروح داخل الدمية وتبدأ بالإجابة عبر حركة القلم. هذا الطقس الذي وصفه الكاتب المصري الشهير أنيس منصور بدقة في رحلاته إلى جاوة، يُمارس حتى اليوم بين المراهقين والباحثين عن الغموض.

5-  خنجر الروح

الكيريس Keris خنجر مقدس له نصل متموج، ويمثل في المعتقد الإندونيسي أكثر من مجرد سلاح. يُقال إن لكل كيريس روحاً أو “سيداً” يرافق صاحبه، يمنحه الحماية إن كان طيباً، أو المصائب إن أُهين ، كثير من الدوكن يستعملون الكريس في الطقوس كرمز للسلطة الروحية، فيما يُعرض في المعابد كتعويذة تجمع بين الفن والقداسة.

6- ثمن الثراء الملعون

في بعض مناطق جاوة، يُقال إن من يطلب الثراء السريع يمكنه عقد صفقة مع الأرواح عبر طقس بيسوغيهان Pesugihan، حيث يقدم قرباناً -  أحياناً أحد أفراد عائلته -  مقابل الثروة.

أما بابي نغيبيت Babi Ngepet فهو كائن يُستحضر بالسحر الأسود يتحول إلى خنزير سارق يجلب المال لصاحبه كل ليلة، شرط أن يظل هذا الأخير عارياً ومتأملاً في الظلام أثناء الطقس. إنها صورة رمزية للجشع الإنساني الذي يبيع نفسه للظلمة.


7- طقوس توراجا مع الموتى

في منطقة تانا توراجا بجزيرة سولاويسي، يعتقد السكان أن الموت ليس نهاية بل مرحلة انتقالية. حين يموت أحدهم، يُحتفظ بجثمانه في البيت أسابيع أو شهوراً حتى تُجمع تكاليف الجنازة، ويُعامل كأنه “مريض”.

في طقس يدعى مانينه Ma’nene، يُخرج الأهالي جثامين موتاهم كل عام، ينظفونها ويبدلون ملابسها ويجولون بها في القرية، وكأن الموتى يسيرون بين الأحياء. للمزيد إقرأ عن زومبي شعب توراجا

هذه الممارسة الفريدة تُظهر كيف تمتزج الفكرة الماورائية عن “عودة الروح” بالمحبة العائلية والاعتراف بديمومة الصلة بين العالمين.





الأماكن المسكونة والغرائب الأرضية

1- مقبرة القس المقطوع الرأس

في جنوب جاكرتا، تمتد مقبرة جيروك بوروت Jeruk Purut وسط أشجار كثيفة وصمت خانق. الأسطورة تقول إن قساً دُفن خطأ في مقبرة المسلمين، فعاد شبحه يحمل رأسه بين يديه ويقوده كلب أسود.

يُقال إنه يظهر فقط لمجموعة من الزوار يكون عددهم فردياً، مما جعل المقبرة وجهة لعشاق الإثارة الروحية. حتى اليوم، يعتبرها الإندونيسيون من أكثر المواقع رهبة في العاصمة ، للمزيد إقرأ عن ظواهر مقبرة جيروك بوروت.

2- القصر ذو الألف باب

في مدينة سيمارانغ يقف مبنى لاوانغ سو Lawang Sewu، تحفة معمارية استعمارية شُيدت في عهد الهولنديين، ثم تحولت في الحرب العالمية الثانية إلى معتقل وموقع تعذيب على يد اليابانيين ، تروي الشهادات أن أنين الأسرى يُسمع في أقبية المبنى ليلاً، وأن ظلال الجنود لا تزال تمر عبر “أبوابه الألف” ، تحول هذا المكان إلى رمز لذاكرة مؤلمة تمتزج فيها المأساة بالتجليات الماورائية.




3-  معبد وادي الأرواح في بالي

في جزيرة بالي يقبع معبد غوننغ كاوي Gunung Kawi المنحوت في الصخور منذ القرن الحادي عشر، تحيط به الشلالات والضباب وأصوات الغابة.

يُقال إن أرواح الملوك القدامى تحرس المقابر الصخرية هناك، وإن من يقترب ليلاً يسمع همسات وصلوات غير بشرية.

هذا المعبد مثال حي على التداخل بين الديانة الهندوسية البالية والروحانية الإندونيسية التي ترى في كل جبل كائناً حياً نابضاً بالطاقة المقدسة.


وفي الختام ، إندونيسيا ليست مجرد أرخبيل من الجزر، بل أرخبيل من العوالم الماورائية المتقاطعة: عالم تسكنه أرواح تبحث عن عدالة وأخرى هائمة مقيدة بين الحياة والموت، وطقوس تمزج الطب بالسحر، ومقابر وقصور ومعابد تُنذر بأن للأرض ذاكرة لا تنام.

إن ماورائيات هذا البلد تكشف عن وجه آخر للحضارة الإندونيسية؛ وجه لا يقل عمقاً عن فنونها ومعابدها، بل يعبر عن إنسان لم ينقطع بعد عن خيطه الغيبي، يرى في الموت حياة، وفي الغيب علماً، وفي الأسطورة مرآة للواقع.

نبذة عن كمال غزال

باحث سوري في عالم ما وراء الطبيعة (الماورائيات) من مواليد عام 1971، ومؤسس موقع ما وراء الطبيعة Paranormal Arabia، أول منصة عربية متخصصة في هذا المجال الفريد منذ عام 2008 ، أعد وترجم وبحث وأسهم في مئات المواضيع التي تنقسم إلى أكثر من 30 فئة، بين مقالات بانورامية شاملة وتحقيقات لكشف الزيف، إضافة إلى تحليلات لتجارب واقعية تلقاها من العالم العربي، ورصد أخبار مرتبطة بالماورائيات ، تعتمد منهجيته على دراسة الظواهر الغامضة من منظور أنثروبولوجي مع تحليل منظومات المعتقدات والتراث الشعبي وربطها بتفسيرات نفسية وعصبية، إلى جانب استكشاف الأساطير حول العالم ، كما ألّف قصصاً قصيرة مستوحاة مما قرأ وسمع وشاهد، ويسعى نحو أضخم موسوعة عربية عن ما وراء الطبيعة ، الظواهر الخارقة، الباراسيكولوجية، والميتافيزيقية رافعاً شعار الموقع: "عين على المجهول"، ومؤكداً مقولته: "نعم للتفكير، ولا للتكفير".

إقرأ أيضاً ...

ماورائيات من إيران
ماورائيات من روسيا
- ماورائيات من فرنسا

0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .

 
2019 Paranormal Arabia جميع الحقوق محفوظة لـ