26 يوليو 2025

جمعية الأهرام الروحية : التاريخ الغامض لبوابة الأرواح

جمعية الأهرام الروحية - جلسات استحضار الارواح
إعداد :  كمال غزال

في أعقاب المد الثقافي القادم من الغرب في بدايات القرن العشرين، تأثرت المجتمعات العربية بعدد من الحركات الروحية الأوروبية التي نشطت في استحضار الأرواح، والتخاطر، والتواصل مع عوالم غير مرئية مما ألهم ظهور حركات روحانية محلية حاولت التوفيق بين التراث الصوفي والمفاهيم الميتافيزيقية الحديثة .

وفي قلب القاهرة، وتحت ظلال الأهرامات التي لطالما كانت رمزاً للطاقة والغموض، نشأت في خمسينيات القرن العشرين جمعية تحمل اسماً غير مألوف: "جمعية الأهرام الروحية" ،  لم تكن مجرد جمعية اجتماعية أو علمية بل نافذة غامضة نحو عالم الأرواح ومحاولة جريئة لاقتحام ما وراء المادة والوعي في زمن كانت مصر فيه تموج بين التنوير العقلي والانفتاح على أسرار الروح.

التأسيس 

أسس الجمعية الدكتور علي عبد الجليل راضي أستاذ الفيزياء بكلية العلوم بجامعة عين شمس والذي جمع بين التكوين الأكاديمي الصارم والاهتمام بالروحانيات والميتافيزيقا ،  مزج راضي في طرحه بين العلم التجريبي والبحث في الظواهر غير المرئية، في محاولة لفهم "الطاقة" و"الوعي" و"الروح" من منظور علمي وروحاني معاً.


نشاط الجمعية 


جلسات استحضار الأرواح

كانت تعقد جلسات أسبوعية مغلقة يحضرها أعضاء الجمعية، وكان يُستخدم فيها وسيط روحاني (Medium) لنقل الرسائل من الأرواح ،  كانت تجارب لـ تحضير الأرواح ، وكانت هناك محاولات لتوثيق الاتصالات مع أرواح علماء وفنانين وحتى "أولياء صالحين" ، كان للجمعية علاقة وثيقة بالوسطاء، حيث لعبوا دوراً محورياً في جلسات التحضير ، لم يُنظر إليهم كسحرة بل كـ"قنوات روحية" تفتح المجال للاتصال بين العوالم ، ورغم أن الجمعية كانت تُعرّف نفسها على أنها روحانية علمية، فإن بعض تجاربها وطقوسها تلامس ما يُعرف بـ"السحر الأبيض" من حيث استدعاء الأرواح والاستفادة من الطاقة في العلاج أو الإرشاد دون مقابل مادي أو نوايا ضارة ، إقرأ عن جلسة لوسطاء روحانيين دلت على زلزال القاهرة .


ندوات مغلقة عن أسرار الموت وما بعده

كانت هناك محاضرات تدور حول موضوعات مثل الحياة بعد الموت، و"عالم الأرواح"، و"طاقة الكارما".


أبحاث عن الطاقة الهرمية

أجريت تجارب لقياس تأثير شكل الهرم على الطاقة الحيوية، منها حفظ الطعام، ونمو النباتات، والشفاء الروحي ، ومن الجدير بالذكر أنه في إحدى حلقات برنامج MythBusters "مكافحو الخرافات" ،  اختبر الفريق مزاعم طاقة الهرم مثل حفظ الطعام وشحذ الشفرات، وخلصوا إلى أن شكل الهرم لا يمنح أي تأثير طاقي حقيقي، التجارب العلمية لم تُظهر فروقاً تثبت وجود "طاقة هرمية" خارقة، مما يجعلها أقرب إلى خرافة معاصرة لا تدعمها الأدلة.


كتابات ومخطوطات سرية

تمتلك الجمعية عدداً من المخطوطات الروحية، من بينها ما يُزعم أنه ترجمات رمزية لنقوش هرمية ورسائل مشفرة من العصور القديمة.


فترة النشاط

بدأت الجمعية في خمسينيات القرن العشرين وبغلت ذورة نشاطها في الستينيات وامتدت حتى الثمانينيات ، وكانت نهاية النشاط في التسعينيات حيث توقفت الجمعية عن العمل بعد أكثر من أربعة عقود من الجلسات والتجارب والتوثيق الروحي.

أبرز الشخصيات المنتسبة أو المتأثرة بها

إعضاء الجمعية في  إحدى الجلسات
على عكس الصورة النمطية عن الجمعيات الروحية، لم تكن جمعية الأهرام تضم هواة أو مدعين، بل ضمت أساتذة جامعات ، ضباط شرطة ، رجال أعمال ، صحفيين مرموقين ، ووسطاء روحانيين مدربين (Mediums) ، وقد شكل هذا المزيج نوعاً من "الطبقة الروحانية المثقفة"، ما جعل الجمعية تحظى بقدر من الاحترام والسرية في الوقت نفسه ، في حين لا توجد وثائق عامة رسمية، لكن من بين الأسماء التي وردت في تقارير غير مؤكدة أو في روايات شعبية:

- حامد عبد الله (كاتب وفنان مصري مهتم بالفن الباطني، وذُكر أنه زار الجمعية في شبابه).

- أمين الريحاني (مفكر عربي تأثر بالفكر الصوفي والتيوصوفي، وقد وردت إشارات لاهتمامه بالأهرام والروحانيات).

- د. يوسف عز الدين عيسى – قيل إنه شارك في حوارات مع شخصيات مقربة من الجمعية.

- وسطاء روحانيون مغمورون في حقبة الأربعينات والخمسينات ممن عُرفوا بأسماء مثل "الشيخ الطنطاوي" أو "السيدة فاطمة الهرمية" ، ولا ننسى هنا المعالجة الروحانية الحاجة صفصف التي وسعت شهرتها الآفاق وكان الفنان يوسف وهبي يزورها بهدف العلاج.

تقارير د. فتحي محمود عن الجمعية

التخاطر عن بعد

سجل الكاتب الصحفي فتحي محمود، في كتابه "مشاهداتي في عالم تحضير الأرواح"، حالات حقيقية لأعضاء في الجمعية منهم زوجان يعملان أساتذة جامعيين كانا يتواصلان بـ التخاطر عن بعد دون أي وسيلة مادية، ويتبادلان المعلومات والمشاعر، حتى في ما يتعلق باختيار الملابس قبل لقاءاتهما.

رسائل الأرواح

من أغرب القصص ما رواه فتحي محمود عن موظف بهيئة الإسعاف أنه تلقى أكثر من 140 رسالة من روح سيدنا الحسين (رضي الله عنه) على مدى ست سنوات. هذا الموظف ساعد نحو 15 ألف شخص مجاناً، وكان يُقصد من قبل شخصيات مشهورة في الفن والسياسة والأدب لحل مشكلاتهم الروحية والجسدية.



أثر الجمعية في المجتمع المصري


تأثير ثقافي وفكري

ساهمت في ترسيخ فكرة أن وراء العالم المادي عوالم موازية، وربطت بين الإرث الفرعوني (الهرم) والروحانية الحديثة ، كما ساهم وجود الجمعية في تعزيز فكرة أن "الأهرامات ليست مجرد آثار"، بل هي مصدر لقوة خفية، وقد انعكس ذلك على أدبيات كثيرة مثل روايات صبري موسى أو مقالات أنيس منصور.

الإعلام والصحافة

جذبت الجمعية انتباه بعض الصحف الكبرى مثل "الأهرام"، وظهر عدد من مقالات فتحي محمود فيها، ما ساعد على رفع مستوى النقاش الروحي في الإعلام المصري ، تم تناول أخبار الجمعية أحياناً في الصحف مثل جريدة أخبار اليوم أو آخر ساعة خلال الأربعينات والخمسينات، بشكل ساخر أحياناً وجاد أحياناً أخرى.

وقد ذكر  د. راضي اهتمام الفنان يوسف وهبي بعالم  الأرواح حيث صاغ مقدمة الكتاب  : " يوسف وهبي هو من وضع مقدمه كتابي ( العلاج الوحي) و اوصاني ان الحق صورته علي غلاف الكتاب و معه سيده سويسريه تدعي فان ديكن و هي معالجه روحيه حينذاك و خلال رحله علاجه بالخارج كان يقابل الوسطاء الروحين مثل مقابله الاطباء سواء بسواء"

المد الروحاني في مصر

 ألهمت الجمعية ظهور حركات روحانية مماثلة في القاهرة والإسكندرية في الستينات ومهدت الطريق لحركات روحانية جديدة ظهرت في التسعينات، كمدارس الطاقة والتنمية الذاتية الممزوجة بالفكر الباطني.

نهاية الرحلة

مع بدايات التسعينات، ومع صعود التيارات السلفية وتقلص الهامش المتاح لطرح ماورائي في الإعلام والثقافة، تراجع نشاط جمعية الأهرام الروحية تدريجياً حتى اختفت عن الساحة، تاركة وراءها ذكريات مشوشة ومزيجاً من الحيرة والانبهار والشك.


التأثير الغربي وسيلفر بيرش

لم تنشأ جمعية الأهرام الروحية في فراغ ثقافي، بل جاءت في سياق عالمي كان يشهد تصاعداً ملحوظاً في الحركات الروحية الغربية، خصوصاً تلك التي نشطت في أوروبا وأمريكا منذ أواخر القرن التاسع عشر، وبلغت ذروتها في النصف الأول من القرن العشرين. تأثرت الجمعية بهذا التيار، وخصوصاً بما يعرف بـ"المرشد الروحي" سيلفر بيرش Silver Birch، الذي أصبح رمزاً عالمياً للإلهام الروحي.

من هو سيلفر بيرش ؟

سيلفر بيرش هو اسم أطلق على كيان روحاني كان يتحدث من خلال الوسيط البريطاني موريس باربانل في جلسات "دائرة هانن سوافر الروحية" في لندن. وقد عرفت أحاديثه الروحية بعمقها الفلسفي، وانفتاحها على القيم الكونية، مثل المحبة، والتسامح، ونقاء الروح.

نشأة حركات روحية عربية

في الخمسينيات من القرن العشرين، تعرف المفكر رافع محمد رافع (1903–1970)  وهو ناشط اجتماعي ومعلم روحي مصري  على جلسات روحية كانت تعقد في مصر وتُنقل فيها تعاليم سيلفر بيرش. وقد حضر هذه الجلسات بنفسه وخرج منها بقناعة راسخة بأن التعاليم المنقولة من هذا الكيان الروحي لا تتعارض مع جوهر الإسلام، بل تؤكد رسالته العالمية، وتوسّع أفقها الروحي ، أسس السيد رافع بعدها "الجمعية الإسلامية الروحية" التي جمعت بين الصوفية والتعاليم الروحية الغربية، ثم واصل ابنه علي رافع المسيرة وأعاد تأسيسها باسم "الجمعية المصرية للبحوث الروحية والثقافية" المسجلة رسمياً عام 1980، والتي لا تزال نشطة حتى اليوم عبر موقعها الإلكتروني esscr.org.

تقاطعت جمعية الأهرام الروحية التي أسسها د. علي عبد الجليل راضي مع هذه الحركات في أكثر من نقطة ،  د. راضي نفسه زار جمعية لندن الروحية وسجّل مشاهداته عنها في كتاب مستقل ، تبنت جمعية الأهرام الروحية مفاهيم مشابهة مثل: التخاطر، الوساطة الروحية، الطاقة الكونية، ونقل الرسائل من الأرواح وكان بعض أعضائها على صلة فكرية أو تجريبية بـ"الروح المرشدة" سيلفر بيرش، أو متأثرين بتعالميه.

إلى جانب جمعية الأهرام والجمعية الإسلامية الروحية، نشطت في لبنان حركة دينية-روحانية هي "الداهشية"، أسسها سليم موسى العشي (1909–1984)، الذي ادّعى امتلاكه قدرات خارقة، مثل التحليق والاختفاء، ونقل الرسائل من أرواح الأنبياء. 

وكان "الدكتور داهش" يعتبر نفسه صاحب رسالة روحية تجمع بين المسيحية والإسلام والروحانية، وقد أثارت حركته جدلاً واسعاً بين العلماء والمثقفين، وتم حظرها رسمياً في مراحل عدة، رغم استمرار وجودها كمذهب روحي إلى اليوم ، اعتقدت "الداهشية" مثل جمعية الأهرام الروحية بإمكانية التواصل مع الأرواح، واستخدمت "الوسيط" لنقل المعرفة، وكانت تهدف إلى "تطهير النفس" و"فهم الغيب"، لكنها تميزت ببنية أقرب إلى المذهب الديني الكامل.

لقد شكل سيلفر بيرش، والحركات الروحية الغربية، مصدر إلهام مباشر للحركات الروحية العربية التي برزت في مصر ولبنان وسوريا، وظهر ذلك جلياً في الفكر والمنهج والأدوات. ومع أن بعضها اندثر أو تحول، إلا أن تأثيرها الثقافي ما زال يتردد حتى اليوم في النقاشات حول الروح والميتافيزيقا وعوالم ما وراء.


الروحانية العلمية: بين القبول والتشكيك

رغم محاولات هذه الحركات إضفاء صبغة "علمية" على أنشطتها، مثل استخدام الأشعة تحت الحمراء لتصوير الأرواح، أو تقديم الوسيط كـ"أداة استشعار متقدمة"، فإن كثيراً من العلماء والمؤسسات الدينية نظروا إلى هذه الممارسات باعتبارها ضرباً من الخداع النفسي أو التلبس بالجن، خصوصاً مع لجوء الجمعيات إلى ضوء خافت أو غرف مظلمة، وادعاء تجسد الأرواح بطرق غير قابلة للرصد المباشر.


وفي الختام ، جمعية الأهرام الروحية لم تكن جمعية خرافية أو شعبية، بل مؤسسة غامضة أسسها عالم فيزياء بارز، وضمت صفوة المجتمع، وخاضت تجارب جريئة في استكشاف الروح والوعي والطاقة،  ورغم انتهاء نشاطها، فإن تأثيرها لا يزال يُستشعر في الكتابات الروحانية المصرية والعربية، وفي أذهان أولئك الذين يبحثون عن أجوبة في المجهول.

0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .

 
2019 Paranormal Arabia جميع الحقوق محفوظة لـ