10 يوليو 2025

طقوس الرؤوس المصغرة التي مارستها قبائل الأمازن

إعداد :  كمال غزال

في أعماق غابات الأمازون الكثيفة، وبين القبائل التي لم تندثر معتقداتها منذ آلاف السنين، توجد طقوس تُثير الذهول والرعب على حد سواء، طقوس تكشف كيف يمكن لجسد الإنسان بعد الموت أن يصبح وعاء لقوة روحية خطيرة، وأن يستخدم حرفياً  كأداة للسيطرة والتحكم. 

من بين هذه الطقوس، تبرز عادة تحنيط وتصغير الرؤوس البشرية أو ما يُعرف بـ "تسانتسا" Tsantsa، والتي اشتهرت بها قبائل شوار Shuar وأتشوار Achuar في أعماق الإكوادور والبيرو من أمريكا الجنوبية.

ورغم أن كثيراً من الرؤوس المصغرة المعروضة في المتاحف العالمية ثبت أنها مقلدة أو مزيفة، إلا أن بعضها كان حقيقياً، وشهد على ثقافة فريدة كانت ترى في الرأس البشري أكثر من مجرد عضو جسدي، بل حاويةً لروحين: واحدة تحفّز القتال، وأخرى تسعى للانتقام.


ثنائية الروح: بين "أروتام" و"مويزاك"

وفقاً لمعتقدات قبائل شوار، فإن كل إنسان يمتلك روحين:

- أروتام Arutam: وهي روح القوة والشجاعة، تحفز الإنسان على القتال والمواجهة والغزو.

- مويزاك Muisak: وهي الروح الانتقامية، التي تستيقظ عندما يُقتل الإنسان، وتصبح قوة غامضة تسعى للثأر.

وعندما يُقتل شخص ما، يُعتقد أن روح "الأروتام" تغادر، ولكن "المويزاك" تبقى وتتحول إلى قوة هائلة وخطرة. ولكبح جماح هذه القوة، يقوم أفراد القبيلة بقطع رأس المقتول وتصغيره وفق طقوس محددة، بهدف احتجاز روحه الانتقامية ومنعها من إلحاق الأذى، بل وتحويلها لاحقاً إلى مصدر للبركة والقوة.

طقوس التحنيط والتصغير: كيف يُصنع "تسانتسا" ؟

عملية تصغير الرأس ليست مجرد استعراض دموي، بل هي طقس مهيب يمر بعدة مراحل:

- إزالة الجمجمة: تبدأ العملية بفصل الجلد والشعر عن الجمجمة، التي تُستبعد وتُلقى.

- غلي الجلد: يتم غلي الجلد في محلول نباتي خاص لساعات، لتليينه وتعقيمه.

- حشو الرأس بالرمل الساخن: تُحشى الرأس بمزيج من الرمل الساخن والحجارة الصغيرة، مما يساعد على تقليص الحجم وإعادة تشكيل الملامح.

- خياطة الفم والعينين: يتم خياطة الشفاه والعينين بإحكام، اعتقاداً بأن الروح قد تستمر في "الأكل أو الرؤية" بعد الموت، مما قد يمنحها قوى إضافية لا يمكن السيطرة عليها.

- التبخير والتجفيف: حيث يجري تعريض الرأس للبخار والدخان لفترة طويلة إلى أن يجف ويأخذ شكله النهائي المصغر.

أبعاد رمزية ومعنوية

وبحسب زعيم شوار المعاصر جيفرسون أكاتشو، لم تكن هذه الطقوس مجرد ممارسات انتقامية، بل أيضاً طريقة لتكريم القادة عند وفاتهم. إذ يُصغر رأس الزعيم كنوع من الاحترام، وتُغلق عينيه وفمه بالحياكة ليس فقط لحبس روحه، بل لحمايته من التعدي ولحفظ هيبته بعد الموت.

كما يعتقد أن الرأس المصغر إذا احتجزت فيه روح "مويزاك"، يمكن استخدام قوته لاحقاً من أجل جلب النصر في الحروب، أو زيادة الخصوبة والمحاصيل الزراعية، مما يعطي هذا الطقس بعداً عملياً في حياة القبيلة اليومية.

جدل المتاحف والموروثات

مع تزايد الوعي الثقافي حول الاستعمار وسرقة التراث، بدأت العديد من المتاحف حول العالم، ومنها جامعة أوكسفورد، بإزالة الرؤوس المصغرة من العرض العام. إذ ظهرت تساؤلات حول الطريقة التي تم بها الحصول على هذه القطع، وسياق عرضها، وما إذا كان وجودها في المتاحف يمثل انتهاكاً لقدسية طقوس قبائل الأمازون.

هل تسانتسا مجرد خرافة ؟

على الرغم من بشاعة الطقس عند النظر إليه بعيون حديثة، إلا أن تصغير الرؤوس كان يحمل في طياته معتقداً عميقاً عن الروح الإنسانية، والخلود، والسيطرة على القوى الماورائية. لم يكن الأمر رغبة في الرعب، بل محاولة لاحتواء المجهول، وجعل الموت في خدمة الحياة.


وفي الختام تكشف لنا طقوس تصغير الرؤوس في أمريكا الجنوبية عن عقلية مختلفة تماماً في فهم الموت والروح، وتضعنا أمام أسئلة كبرى عن العلاقة بين الجسد والروح، وعن كيف يمكن للإنسان أن يتعامل مع الموت ليس كخاتمة، بل كبداية لقوى جديدة تُستدعى وتُسيطر عليها ، وربما، في لحظة مواجهة كهذه مع الموت، كان أبناء الأدغال أكثر صدقاً في تعبيرهم عن الخوف، والرهبة، والحكمة الدفينة في ظلال الرؤوس المصغرة.

0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .

 
2019 Paranormal Arabia جميع الحقوق محفوظة لـ