جولة ماورائية في فرنسا

إعداد : كمال غزال

في قلب أوروبا الغربية، حيث تتعانق الثقافة العريقة مع الجمال الطبيعي، لا تكمن فرنسا فقط في معالمها الباريسية وقلاعها التاريخية، بل في عوالم خفية تسكن الظل…عالم من الأشباح والكائنات الأسطورية، الغابات المسحورة، والأماكن المسكونة، يُنسج منذ قرون في ذاكرة الشعب الفرنسي.

هذه جولة ماورائية في بلد لم تفارقه الأرواح القديمة، مهما تغيرت أزياؤه.

كائنات ماورائية في الفلكلور الفرنسي

الماتاغو – القط الأسود الساحر

في جنوب فرنسا، يُعتقد أن هذا القط Le Matagot هو روح سحرية، يجلب الثروة إذا أُكرم بالحليب والطعام كل ليلة، لكنه ينقلب شراً إن أُهمل ، في بعض الأساطير، هو وسيط بين عالم الأحياء والأرواح.

اللوب غارو – المستذئب الفرنسي

أكثر كائن أسطوري شهرة ، الرجل الذي يتحول إلى ذئب Le Loup-Garou، لا فقط في البدر، بل في لحظات الغضب أو اللعنة ، القصص تنتشر في مناطق النورماندي وبروج، ويحكى أن اللوب غارو لا يُشفى إلا بصيام 7 سنوات متتالية !

البيليودا – الوحش المشعر

في منطقة لافيرتي-برنار، سُجلت رؤى لوحش غريب يدعى البيليودا La Peluda مغطى بالشعر الكثيف وله ذيل أفعى، يهاجم البشر والمزارع. قيل أن أحد الفرسان طعنه في عنقه، فاختفى إلى الأبد.

الليبيرو – لعنة بيريغورد

الليبيرو Le Lébérou هو رجل يعيش نهاراً بشكل طبيعي، ويتحول ليلاً إلى مخلوق بري يتنقل بين الحقول والغابات، يُطارد صوت امرأة ماتت مقتولة.

الكلوبري – تنين فوكلوز

الكلوبري Le Coulobre هو تنين مائي هائل عاش قرب ينابيع فوكلوز، وطُرد على يد القديس فيران. ظل جزءاً من تراث بروفانس الشفهي حتى اليوم.

أماكن مسكونة ومواقع غامضة

قصر فرساي

يقال إن روح الملكة ماري أنطوانيت تظهر في الحدائق، مرتدية ثوبها الأبيض، خصوصاً قرب معبد الحب. حادثة شهيرة عام 1901 سجلت شهادات لأستاذتين بريطانيتين رأتا ملامح "انتقال زمني" داخل القصر.

دير مورتمر Abbaye de Mortemer

في نورماندي، يُقال إن "السيدة البيضاء"، وهي إحدى بنات الملك هنري الأول، تظهر ليلاً في الردهات والبحيرة المجاورة. صرخاتها تخترق صمت الأديرة الحجرية.

غابة بروسيلياند (Brocéliande) – غابة ميرلين

في منطقة بريتاني، ترتبط بالغموض الملك آرثر والساحر ميرلين، حيث توجد "ينبوع الشباب"، و"حجرة الجنيات"، ويقال إن الأرواح تخرج للرقص هناك ليلة منتصف الصيف.

أنفاق باريس (Les Catacombes)

شبكة مقابر بطول 300 كم تحت العاصمة، تضم ملايين الجماجم، وقد سُجلت ظواهر صوتية واختفاءات غامضة. ممنوع دخولها عشوائياً، لكن المغامرين يسمعون أصوات تراتيل وتمتمات.

قرية أورادور سور غلان

مدينة أشباح مجمدة منذ مذبحة النازيين عام 1944، تُركت على حالها بأمر من ديغول، ويقول بعض الزوار إنهم شعروا بتغيرات حرارة، وسمعوا بكاء أطفال… رغم الصمت الكامل.

الطقوس والسحر في فرنسا

طقوس سحرية قديمة

كانت فرنسا مركزاً لمحاكم التفتيش ضد السحر في القرون الوسطى ، وفي الألزاس وبريتاني، ما تزال تُمارس طقوس “الدوائر السحرية” و”إبعاد الشر” باستخدام الأعشاب وصلبان من القش أما في الريف ما يزال الناس يستشيرون "الحكيمات" أو "النساء العجائز" للعلاج من الحسد أو لعودة الحبيب.

السحر الحديث

تشير التقديرات إلى وجود آلاف الوسطاء والعارفين في فرنسا اليوم، بعضهم يظهر على القنوات التلفزيونية ويوجد سوق واسع لـ كتب التاروت، وتعاليم الويكا، والعرافة بالأحجار.

أساطير شعبية حسب المناطق

بريتاني : هي موطن الجنيات والأرواح البحرية. تنتشر أسطورة “أنكو” وهي روح الموتى التي تأتي لتحذير من اقترب أجله.

الألزاس: معقل ساحرات العواصف، يُقال إن عاصفة مفاجئة قد تعني مرور “ساحرة غاضبة”.

بروفانس: تنتشر أسطورة "الماندراك"، وهو نبات مسحور يُقال إنه يصرخ عند اقتلاعه.

جبال الألب: تحكي الأساطير عن رجال الثلج المتحولين، الذين يظهرون قبل الكوارث.

الماورائيات في فرنسا المعاصرة

برامج مثل "Voyance en direct" تستقطب ملايين المشاهدين، حيث يُجرى الكشف عن الغيب عبر البث المباشر.

السياحة الماورائية: توجد جولات أشباح في باريس، وورشات استحضار أرواح في قلاع بروفانس.

اليوتيوبرز الفرنسيون ينشطون في توثيق رحلات إلى الأديرة المهجورة، ويزعم البعض التقاط أصوات لأرواح.

الكنيسة والسحر: تاريخ من التصادم

واجهت الكنيسة الكاثوليكية الفرنسية في العصور الوسطى انتشار الهرطقات والعبادات الوثنية، ما أدى إلى حملات عنيفة ضد السحرة ، وحتى اليوم ما يزال بعض القساوسة يُحذّرون من التاروت والويكا واليوغا "بوصفها أدوات لفتح بوابات الأرواح" ، في المقابل، هناك ممارسات مثل طرد الأرواح الشريرة Exorcisme ما تزال قائمة.

فرنسا… وطن الجمال والظلال

ليست فرنسا فقط بلد المتاحف والفنادق الفاخرة… بل أيضاً مسرحاً لقصص لم تُحكَ بعد ، ففي زوايا قلاعها وتحت ترابها وبين أشجار غاباتها يعيش تراث غني من الماورائيات.

هل تجرؤ على القيام بهذه الجولة ؟

ربما كانت الشمعة التي تضيء ليلك… ليست لك وحدك.