14 يوليو 2025

أسئلة عن الأشباح : لماذا يظهرون بملابسهم ؟ وأين يختفون ؟

إعداد :  كمال غزال

رغم تطور العلم والتكنولوجيا، لا تزال ظاهرة الأشباح تثير فضولاً واسعاً وتساؤلات لا تنتهي. فهل هي حقاً أرواح هائمة، أم مجرد إسقاطات نفسية نابعة من الخوف والتوقع ؟ ومن بين أكثر الأسئلة إحراجاً التي يطرحها الجمهور عن الأشباح:

لماذا تظهر بملابسها ؟  ولماذا تختفي من ساحات الموت الجماعي ؟ ولماذا لا نراها إلا عند التحديق في صورة لاحقاً ؟

في هذا التحقيق، نحاول تفكيك هذه الأسئلة المحرجة، مستندين إلى دراسات نفسية، لنفهم إن كانت الأشباح حقيقة خارقة أم وهماً بصرياً يحمل بصمة عقلنا البشري.


 لماذا تظهر الأشباح بملابس ؟

التفسير الشعبي: "الروح تستنسخ المظهر المألوف"

وفقاً للثقافة الشعبية في الغرب، خصوصاً في الأدب القوطي والقصص الفيكتورية، يُعتقد أن الأشباح تحتفظ بمظهرها في اللحظة التي ماتت فيها، بما في ذلك الملابس التي كانت ترتديها ، ويرى بعض الروحانيين أن ما يظهر ليس "الروح" فقط بل طبعة طاقية أو ذاكرة مكانية تضم كامل صورة الشخص، وليس الجسد فقط.

طرح الباحث بيتر أندروود في كتابه "صائدو الأشباح"  The Ghost Hunters عام  1971  فكرة "الانعكاس الطاقي" الذي يعيد تشكيل الإنسان في صورته الكاملة، حتى بملابسه، كأثر متكرر في الزمان والمكان.

التفسير النفسي: "العقل يملأ الفراغات"

يرى علماء النفس أن رؤية الأشباح ترتبط بما يُعرف بظاهرة الباريدوليا البصرية (Pareidolia)، حيث يميل العقل البشري إلى تأويل الظلال أو الانعكاسات أو الأصوات على أنها كيانات مألوفة، مثل شخص يرتدي عباءة أو قبعة قديمة.

إذ أكدت دراسة نُشرت في مجلة الباراسيكولوجي  The Journal of Parapsychology عام 2002  أن الدماغ يستخدم "أنماط الذاكرة" لبناء صورة الشبح، بما فيها الملابس، استناداً لتوقعات المشاهد وسياق المكان.

سؤال منطقي: لماذا لا يظهر الأشباح عراة ؟

غالباً ما يطرح المشككون هذا السؤال باعتباره تحدياً للمصداقية: " إذا كانت الروح غير مادية، فلماذا تُرى بملابس ؟ وهل للملابس أرواح أيضاً ؟" ، ويستخدم هذا الطرح كوسيلة لنقد الروايات غير المتسقة منطقياً.

ويبين مقال نقدي حمل عنوان " هل يلبس الأشباح ؟ "   Do Ghosts Wear Clothes كان قد نشر في موقع إنترنت  "استفسارات المشككين"  Skeptical Inquirer عام 2014  أن هذا التناقض ينمّ عن إسقاط ثقافي وليس ظاهرة روحية فعلية.

لماذا لا تظهر الأشباح في مواقع الحروب والكوارث ؟


قلة الشهادات لا تعني قلة "الطاقة"

رغم أن كوارث مثل ضحايا تسونامي أو حروباً مثل حرب غزة أو معسكرات الإبادة النازية مثل أوشفيتز Auschwitz أو ساحات معارك مثل السوم Somme شهدت أعداداً ضخمة من الوفيات، فإن تقارير الأشباح من هذه المواقع أقل من المتوقع. هذا يناقض النظريات التي تقول إن "الموت العنيف" هو سبب رئيسي لظهور الأشباح.

في دراسة أجراها الباحث  ريتشار وايزمان من جامعة هيرفوردشاير (وهو أحد أبرز المتشككين في الظواهر الخارقة)  في عام  2003 على مواقع يزعم أنها مسكونة، خلُص إلى أن الإيحاء وسياق المكان يلعبان دوراً أكبر في عدد "الظهورات الشبحية" من عدد الضحايا.

التفسير السلوكي: "التوقع هو المحفز الأول"

الناس لا يتوقعون رؤية شبح في موقع تاريخي مفتوح، بل في أماكن مغلقة ذات طابع درامي (قبو، مستشفى، منزل مهجور). لذلك، تنخفض احتمالات الرصد في مواقع الكوارث المفتوحة، ليس لأنها "خالٍية من الأشباح"، بل لأن البشر لا يتوقعون ظهورها هناك.

أظهرت دراسة نُشرت في عام  2011 في مجلة المعارف العلمية Cognitive Science Journal   أن الإيحاء المكاني والسرد المسبق يؤثران في إدراك الظواهر الغامضة أكثر من الوقائع التاريخية.

البعد الثقافي والإعلامي

المنازل القديمة والمستشفيات والمصحات النفسية السابقة تحظى بتركيز إعلامي وتلفزيوني (كما في برامج مغامرات شبحية Ghost Adventures)، بينما تُترك مواقع الحروب دون استغلال درامي، ما يقلل من تراكم القصص والحكايات حولها.

وهذا ما بينته دراسة إعلامية من جامعة ستانفورد الأمريكية  في عام 2018  عن تأثير الأفلام والمسلسلات على خريطة "المواقع المسكونة".

هل للإيمان دور في رؤية الأشباح ؟

ستكون الإجابة المختصرة: نعم، ولكن بشكل غير مباشر ، فالأشخاص المؤمنون بالظواهر الروحية أكثر عرضة لتفسير الأحداث الغامضة على أنها نشاط شبحي ، الإيمان لا "يخلق" الشبح، لكن يُشكّل التفسير الذهني للمثيرات الحسية.

ففي دراسة نفسية أجرتها جامعة لندن عام 2010 على 240 مشاركاً، تبين أن من يؤمنون بالأشباح كانوا أكثر عرضة لرؤية "كيانات" في بيئات منخفضة الإضاءة، حتى إن لم يكن هناك شيء حقيقي.

لماذا لا تظهر الأشباح إلا بعد التحديق في الصورة ؟ 

كثير من شهود العيان أو ملتقطي الصور يصرّحون بأنهم لم يروا أي شيء غريب وقت التقاط الصورة، لكنهم لاحظوا "شبحاً" أو طيفاً مجهولاً عند مراجعتها لاحقاً. هذه الظاهرة ليست نادرة، وقد حظيت باهتمام خاص في دراسات علم النفس الإدراكي وعلم الخدع البصرية، ويُحتمل أن تُفسّر من خلال تأثير الباريدوليا Pareidolia.

الباريدوليا هي آلية نفسية طبيعية تجعل الدماغ يفسّر المحفزات الغامضة (كالظلال، أو تراكمات الأثاث، أو الستائر المطوية) على أنها أشكال مألوفة، كوجوه البشر أو الأجسام ، فعندما يحدّق الشخص في صورة غير واضحة، خاصة تحت ظروف إضاءة خافتة أو خلفية مضطربة، يبدأ دماغه - بفعل الباريدوليا -  في ملء الفجوات البصرية، مما يجعله "يرى" طيفًا بشرياً أو وجهاً في غير موضعه.

عوامل تزيد من احتمالية ذلك:
- وجود عناصر غير مرتبة أو متدلية في الصورة (معطف على الحائط، ظل ناتج عن مصباح، لعبة موضوعة بشكل غريب).

- إضاءة ضعيفة أو متقطعة تؤدي إلى تباينات ضوئية تنتج أوهاماً بصرية ، للمزيد من التفاصيل إقرأ عن تفسير ظهور الأشباح في الصور .


- السياق النفسي المسبق: إذا التُقطت الصورة في مكان "مسكون" بحسب الاعتقاد، يزداد استعداد الدماغ لتفسير أي شكل غامض على أنه "شبح".

في دراسة نشرت عام 2017 ومان عنوانها :  الأبحاث المعرفية: المبادئ والآثار المترتبة Cognitive Research: Principles and Implications، وجد الباحثون أن الأفراد المعرضين لتصديق الخوارق كانوا أكثر عرضة لرؤية "وجوه" أو "أطياف" في صور غير واضحة، مقارنة بغير المؤمنين بها.

هل هذا يعني أن كل "شبح في صورة" هو مجرد وهم ؟

ليس بالضرورة. فبعض الصور تظل غير مفسّرة رغم التحليل، لكن الغالبية العظمى منها يمكن أن تُعزى إلى الباريدوليا + الإيحاء الذهني +  التصوير الرديء.

وختاماً ، سواء كنت من المؤمنين بالأشباح أو من المتشككين بها، فإن ما يبدو مؤكداً هو أن الإدراك البشري لا يعمل في فراغ، بل يتأثر بتوقعاتنا وثقافتنا وسياق المكان واللحظة. الأشباح قد تكون موجودة في عقولنا بقدر ما نظن أنها تتجول في الظلال. وبينما تظل بعض القصص غامضة بلا تفسير، فإن الكثير من الظهورات يمكن تتبعها إلى مزيج من الباريدوليا، الإيحاء، وسوء الفهم البصري.

وربما يبقى السؤال الأهم ليس "هل الأشباح حقيقية ؟"، بل " لماذا نراها بالطريقة التي نراها بها" ؟

0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .

 
2019 Paranormal Arabia جميع الحقوق محفوظة لـ