![]() |
إعداد : كمال غزال |
لطالما راود الإنسان سؤال غامض ومحير: " من أنا ؟ وهل كنت شيئاً أو أحداً قبل أن أولد ؟ "
هذا التساؤل هو جوهر معتقد تناسخ الأرواح، الذي يرى أن الروح تنتقل من جسد إلى آخر عبر حيوات متتالية، حاملةً معها خبراتٍ، وندوباً، ومواهب، وأحياناً آلاماً قديمة. ورغم عدم وجود إثبات علمي لهذا الاعتقاد، إلا أن ملايين البشر حول العالم يعتقدون به، ويبحثون بجدية أو بفضول عن إجابة سؤال: " كيف أعرف من كنت في حياة سابقة ؟ "
في هذا المقال، نستعرض العلامات والدلائل التي يعتمد عليها المؤمنون بالتناسخ، ونُقابل كل منها بتفسير علمي أو نفسي، في محاولة لفهم أعمق لهذا المعتقد وما يثيره من جدل.
1- الأحلام المتكررة والغريبة
يُعتقد أن بعض الأحلام المتكررة، خاصةً تلك التي تحمل طابعاً تاريخياً أو درامياً، تمثل ذكريات غير واعية من حياة سابقة.
مثلاً: شخص يحلم مراراً بأنه جندي في معركة قديمة، أو يعيش في ثقافة لا يعرف عنها شيئاً، يشعر بأن تلك المشاهد أكثر من مجرد خيال.
التفسير العلمي
يرى علماء النفس أن الأحلام المتكررة غالباً ما تكون نتيجة ضغوط نفسية أو صراعات داخلية لم تُحل ، ويُعتقد أن الدماغ يستخدم الحلم كآلية للتعامل مع المشاعر أو التجارب المكبوتة ، كما أن العقل الباطن يركّب المشاهد من خيال الشخص، تجاربه، وحتى مما رآه في الأفلام أو قرأه دون أن يعي ذلك.
2- الفوبيا غير المفسرة
الفوبيا أو الرهاب مثل رهاب الماء، المرتفعات، النار، أو الاختناق دون سبب منطقي في هذه الحياة، قد يُفسَّر بأنه أثر من وفاة مأساوية في حياة سابقة حيث يرى المؤمنون أن الروح تحتفظ بذاكرة الصدمة حتى إن نُسي السياق.
الفوبيا أو الرهاب مثل رهاب الماء، المرتفعات، النار، أو الاختناق دون سبب منطقي في هذه الحياة، قد يُفسَّر بأنه أثر من وفاة مأساوية في حياة سابقة حيث يرى المؤمنون أن الروح تحتفظ بذاكرة الصدمة حتى إن نُسي السياق.
التفسير العلمي
يعزو علماء الأعصاب الفوبيا إلى مزيج من العوامل الوراثية، التجارب المبكرة، وآليات الدماغ ، وأحياناً تنشأ المخاوف دون محفز مباشر، وقد يكون لها أساس تطوري (كالخوف من الظلام أو الحيوانات المفترسة) لحماية الإنسان من الخطر.
3- شعور غريب تجاه أماكن أو أشخاص
يعتقد البعض أن مشاعر الانجذاب أو النفور الفوري تجاه شخص غريب، أو الإحساس العميق بالألفة في مكان لم تزره من قبل، ناتجة عن خبرات من حيوات سابقة ويُفسّر البعض ظاهرة الديجافو déjà vu (شوهد من قبل) على أنها تذكر لحظي لحياة سابقة.
التفسير العلمي
هنا يجري تفسير ظاهرة ديجافو déjà vu تُفسَّر بأنها خلل طفيف في عمل الذاكرة، حين يُخزَّن موقف جديد كأنه مألوف.
أما مشاعر الانجذاب أو النفور فقد تكون نتيجة استجابات غير واعية للغة الجسد، نبرة الصوت، أو حتى تشابه شخص جديد مع آخر في الذاكرة اللاواعية.
4- المواهب الفطرية المفاجئة
يُقال إن بعض الأشخاص، خاصة الأطفال، يظهرون مواهب مذهلة دون تدريب كالعزف، التحدث بلغات غريبة، أو الحساب الذهني لأنها مهارات اكتسبوها في حياة سابقة.
التفسير العلمي
تُفسَّر هذه الظواهر بأنها نتيجة تركيبة جينية نادرة، بيئة محفّزة، وذاكرة استثنائية ، مثلاً، يملك الأطفال العباقرة غالباً ذاكرة عاملة خارقة، أو يكون لديهم استعداد وراثي نادر، أو نشأوا في بيئة مشبعة بالموسيقى أو الفن، حتى لو لم يتلقوا تدريباً رسمياً.
5- العلامات الجسدية والوحمة الغريبة
يؤمن البعض بأن الروح قد تنقل أثر الإصابات الجسدية من الحياة السابقة إلى الجسد الجديد، فيظهر ذلك كـ وحمة أو ندبة في موضع مميز.
التفسير العلمي
الطب الحديث يفسر الوحمات بأنها تجمعات غير عادية من الخلايا أثناء النمو الجنيني، ولا علاقة لها بتجارب سابقة.
كما أن معظم الناس لديهم علامات جلدية مختلفة، وظهورها في مكان ما ليس دليلًا على حادث سابق بل عملية بيولوجية عشوائية.
6- ذكريات الطفولة عن "حياة أخرى"
الأطفال الذين يتحدثون فجأة عن أسماء وأماكن وأحداث لا يمكن أن يعرفوها، قد يُنظر إليهم على أنهم يتذكرون حياة سابقة بوضوح.
وقد تم توثيق عشرات الحالات حول العالم، حيث تطابقت روايات الأطفال مع تفاصيل لأشخاص ماتوا قبل ولادتهم.
التفسير العلمي
يرى علماء النفس أن الأطفال في سن مبكرة يمتلكون خيالاً خصباً، وذاكرة مرنة ، قد يلتقط الطفل معلومات من المحيط دون وعي، ويقوم عقله بتركيب قصة كما أن البيئة الإيحائية، أو التوقعات العائلية، قد تعزز الرواية وتمنحها مصداقية غير مقصودة.
7- إحساس بالانتماء لعصر مختلف
بعض الأشخاص يشعرون وكأنهم " وُلدوا في الزمن الخطأ"، ويرتبطون بشدة بفترة معينة (العصور الوسطى، الحرب العالمية الثانية، مصر القديمة...)، مما يُفسَّر لديهم على أنه إرث روحي من حياة ماضية.
التفسير العلمي
هذه الحالة تُفَسَّر نفسياً بأنها إسقاط نفسي أو رومانسية تاريخية، حيث ينجذب الشخص لما يراه جميلًا أو مثالياً في ذلك الزمن.
كما أن التعرض المبكر لمحتوى ثقافي معيّن (قصص، أفلام، وثائقيات) قد يخلق هذا الشعور دون وعي.
هل تحافظ الحياة على نفس جنسها في الحياة السابقة ؟
بحسب معتقد تناسخ الارواح هناك رأيان :
1- الرأي السائد: الروح لا جنس لها
كثير من المعتقدات الروحية ترى أن الروح كيان غير مادي، وبالتالي غير خاضع للثنائية البيولوجية (ذكر/أنثى) ، يُعتقد أن الروح قد تتجسد مرة كرجل، ومرة كامرأة، بحسب ما تحتاجه لتطورها أو لتعلم دروس مختلفة في كل حياة ، الهدف في بعض الفلسفات (كالتيبتية أو في التيارات الروحية الحديثة) هو الوصول إلى النضج الكامل للروح، ولهذا يُفترض أنها تعيش تجارب من كلا الجانبين.
2- لكن بعض التيارات تؤمن بالثبات النسبي
هناك معتقدات أقل شيوعاً ترى أن بعض الأرواح تميل إلى التجسد بنفس الجنس مرات متكررة، إما لأن ذلك يتماشى مع طبيعتها أو لأنها لم تُكمل تجربتها في ذلك السياق بعد وفي بعض القصص المروية، يُقال إن الطفل الذي يتحدث عن حياة سابقة يتذكر نفسه بنفس جنسه الحالي.
فرضية انتقال الذاكرة دون تناسخ
بعيدًا عن فكرة التناسخ التقليدي التي تفترض انتقال الروح كاملة من جسد إلى آخر، هناك فرضية أكثر حذراً تطرح سؤالاً مثيراً:
هل من الممكن أن تنتقل ذاكرة شخص آخر إلى عقل إنسان حديث بطريقة ما، دون أن تنتقل الروح نفسها ؟
بعض النظريات غير المثبتة والمتداولة في الأوساط الروحانية والباراسيكولوجية تفترض وجود نوع من الأثر الطاقي أو المعلوماتي يظل عالقًا في المجال المحيط بشخصٍ ما بعد موته. هذه "الطاقة" أو "الذاكرة اللاجسدية" قد تنتقل إلى شخص آخر، لا بالروح بل بـ"الاحتكاك الطاقي" أو عن طريق ما يسميه بعضهم بـ"ذاكرة الحقل" أو الذاكرة الجمعية Collective Memory Field.
وفق هذا التصور، قد "يحمّل" عقل طفل صغير، عند ولادته أو في سنواته الأولى، بصمة من ذكريات شخص ميت قريباً منه في الزمان أو المكان، دون أن تكون روحه قد تجسدت فيه.
البعض يربط هذا بمفهوم "القرين" في التراث الإسلامي والروحي؛ حيث يُعتقد أن للإنسان قريناً من الجن يلازمه طوال حياته. وإذا لم يهلك بوفاته، فقد يُظَن أن قرين الميت ينتقل أو يتصل بإنسان آخر (غالباً طفلاً)، ويبدأ في غرس ذكريات وهمية أو مشاهد غير مفهومة في ذهنه، مما يجعل هذا الإنسان يظن - خطأً - أنه عاش حياة سابقة.
هذه الفرضية، رغم كونها غير مثبتة علمياً، تُطرح كبديل عن مفهوم التناسخ الكامل، وتُعطي تفسيراً لمظاهر مثل:
- تذكّر طفل لأحداث دقيقة من حياة شخص لم يقابله قط
- شعور مفاجئ بأنك "تعرف" شيئًا لا تفسير له
- أحلام متكررة بتجارب لا تمت لواقعك الشخصي بصلة
علمياً، هذه الأفكار تُصنَّف ضمن الباراسيكولوجيا أو العلوم الحدّية، ولا توجد دراسات موثقة تؤكد انتقال الذكريات من شخص إلى آخر خارج الإطار الوراثي أو الثقافي. لكن بعض الباحثين في مجالات الوعي غير النمطي يشيرون إلى أن الدماغ قد يكون أكثر تقبلًا للمعلومات اللاواعية من البيئة مما نعتقد، وقد يدمج "إشارات" خارجية ضمن بنيته الإدراكية.
في النهاية، يظل هذا الطرح منطقة رمادية بين العلم والمعتقد، لا يُثبت وجود حياة سابقة، لكنه يحاول تفسير كيف ولماذا قد يظن بعض الناس - بصدق - أنهم عاشوا من قبل، حتى وإن لم تكن أرواحهم هي التي عادت.
لماذا يرفض الإسلام معتقد تناسخ الأرواح ؟
الإسلام يقدّم تصوراً متكاملاً عن حياة الإنسان قبل ولادته، حياته في الدنيا، وما بعد موته، ولا يتضمن هذا التصور أي فكرة عن عودة الروح إلى جسدٍ آخر بعد الموت.
1- الروح لا تعود إلى الدنيا بعد الموت
قال تعالى: " كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ، وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ..." (آل عمران: 185)
هذا يدل على أن النفس تموت مرة واحدة، وتُبعث للجزاء لا لتجربة أخرى.
2- بعد الموت: برزخ لا رجعة فيه
قال تعالى: "حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ٱرْجِعُونِ لَعَلِّيٓ أَعْمَلُ صَٰلِحٗا فِيمَا تَرَكۡتُ ۚ كَلَّآ ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا ۖ وَمِن وَرَآئِهِم بَرۡزَخٌ إِلَىٰ يَوۡمِ يُبۡعَثُونَ" (المؤمنون: 99-100)
النص يرفض فكرة العودة إلى الدنيا، ويؤكد أن هناك برزخًا حتى يوم القيامة.
3- كل إنسان له نفس واحدة وحياة واحدة
قال الله تعالى: "وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلطُّورِ إِذۡ نَادَيۡنَاۖ" (القصص: 46)
يُفهم من ذلك أن الله يخلق كل نفس في زمن محدد، وأن لكل إنسان نشأة واحدة في الدنيا.
لماذا يُعتبر التناسخ باطلًا عقائدياً ؟
ينفي مسؤولية الإنسان: فلو عاد الشخص في جسد جديد، فمن يتحمّل أفعاله ؟ هو أم "تجسيده" السابق ؟
وهو يناقض البعث والحساب: الإسلام يربط البعث بيوم القيامة فقط، لا بأدوار زمنية متكررة.
يفتح باب الخرافة والضلال: ربط بعض الناس بين الفوبيا أو الأحلام والروح السابقة قد يضلهم عن التوبة والعمل في هذه الحياة.
الإسلام يؤمن بأن الروح تُخلق مرة واحدة، تُبتلى في هذه الحياة، ثم تُحاسب على عملها يوم القيامة ، وأي تصور يقول إن الروح تعود مراراً بأجساد مختلفة يناقض هذا الإيمان، ويُعد بدعة أو كفراً صريحاً إذا تبناه الشخص كعقيدة.
هل نحن فعلاً أكثر من حياة واحدة ؟
بين سرديات الأرواح القديمة، وشهادات الأطفال المدهشة، والأحلام التي تشبه الأفلام، يتردد سؤال التناسخ بين الحقيقة والمجاز.
من يؤمن به، يرى في كل ومضة مألوفة دليلاً على استمرارية الروح. ومن لا يؤمن، يفسّرها ببساطة كآليات ذهنية ونفسية تعكس عالمنا الداخلي.
في النهاية، قد لا نجد إجابة علمية قاطعة على سؤال: " من كنت في حياة سابقة ؟ "
لكن يبقى هذا السؤال محفزاً على التأمل، البحث، وربما التواضع أمام اتساع لغز الذات.
إقرأ أيضاً ...
- غاوغوين و تيكامب: حالة تقمص أم مصادفة غريبة ؟!
- عالم الذر : حياة ما قبل الولادة
- إستحضار ذكريات الحياة الماضية
- العلامات التسعة لمعتقد الحياة الماضية أو تناسخ الأرواح
- في حضرة الكارما… لا شيء يُنسى
- روائح من اللامكان... هل هي رسائل خفية من عالم الغيب ؟
- القرين
- التقمص : هل هو نوع من المس الشيطاني ؟!
0 تعليقات:
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .