21 يونيو 2025

جولة ماورائية في الفلبين

إعداد : كمال غزال
رغم موقعها الجغرافي الذي يوحي بالهدوء الاستوائي والجمال الطبيعي، إلا أن الفلبين تخبئ خلف شواطئها وأدغالها وجزرها الغامضة، عالماً آخر نابضاً بالموروثات الروحية، والكائنات الخارقة، والطقوس الخفية.

بل تكاد تكون الدولة التي ما تزال الأسطورة فيها جزءاً من الحياة اليومية، خاصة في المناطق الريفية والجزر النائية، حيث تتداخل المعتقدات الكاثوليكية مع بقايا السحر المحلي وعبادة الأرواح.

في هذا المقال، نخوض جولة في أغرب الظواهر والكيانات الماورائية في الفلبين، التي رغم غرابتها، ما زالت تحظى بإيمان واسع وتأثير فعلي على الحياة اليومية لكثير من السكان.

1- الأسوانغ Aswang
الـ أسوانغ Aswang هي واحدة من أشهر الكائنات الخارقة في الفلبين، وتُعتبر تجسيداً للشر، وتتنوع أشكالها: منها مصاصة دماء، ومنها مشوّهة تشبه الذئب أو الكلب، أو امرأة جميلة تتحول ليلاً إلى كائن مفترس.

ما يُخيف أكثر هو الاعتقاد السائد أن الأسوانغ تعيش بين الناس نهاراً كأشخاص عاديين، ثم تتحوّل ليلًا لتغذي رغباتها الشيطانية.

تُستخدم هذه القصص لترهيب الأطفال، ولكنها في بعض المناطق تُؤخذ على محمل الجد، ويُعتقد أن منازل معينة يسكنها أحد أفراد هذه الكائنات.

2- المانانانغال: المرأة التي تنقسم إلى نصفين
واحدة من أكثر الأساطير الفلبينية رعباً. هي امرأة جميلة في النهار، لكن في الليل، تنفصل إلى نصفين: الجزء السفلي يبقى في مكانه، أما العلوي فتنبت له أجنحة ضخمة، ويطير بحثاً عن فرائس غالباً نساء حوامل لامتصاص دم الأجنة ، يُقال أن الطريقة الوحيدة لقتلها هي العثور على الجزء السفلي أثناء طيران جزئها العلوي ثم ورشه بالملح أو الثوم أو الرماد المقدس.

3- السحر الشعبي والفلبينيون السحرة
لا يزال السحر الأسود  كولام Kulam يُمارس في أجزاء كثيرة من الفلبين، خاصة في جزر مثل سيكويجور التي تُعرف محلياً بـ"جزيرة السحرة".

السحرة  أو المانغكوكولام Mangkukulam يقدمون خدماتهم لمن يريد الانتقام، كإرسال اللعنات، أو تفريق الأزواج، أو حتى إدخال شخص في مرض غامض ، في المقابل، يوجد نوع آخر من "المعالجين" الروحيين (ألبورايو) Albularyo الذين يُزعم أن لديهم القدرة على فك السحر، وشفاء الأمراض الناتجة عن الأرواح أو الحسد ، أدواتهم تتنوع من رماد الحيوانات، إلى الحبر السحري، إلى الأعشاب الممزوجة بدم الديك.

4- التياناك : أسطورة الطفل الشيطان
في زوايا الغابات الكثيفة أو بين أطلال القرى القديمة في الفلبين، يُقال إنك قد تسمع صوت بكاء طفل في منتصف الليل. لا تتبعه. فقد لا يكون طفلاً حقيقياً، بل "التياناك"، أحد أكثر الكائنات الماورائية رعباً في الموروث الفلبيني.

التياناك يُصوَّر غالباً على هيئة رضيع يُولد ميتاً أو بلا تعميد، فتسكنه روح شريرة، ويُعاد إلى هذا العالم في شكل مسخ يُتقن تقليد بكاء الأطفال ليجذب المارة إلى أعماق الغابة. وما إن يقترب أحدهم بدافع الشفقة، حتى يتحول الكائن فجأة إلى شيطان صغير بوجه غاضب وأنياب حادة، وينقضّ على ضحيته.

تتنوع الروايات: بعضها يقول إن التياناك هو روح طفل مات أثناء الحمل؛ وبعضها يربطه بالسحر الأسود، حيث يُعتقد أن بعض السحرة يستدعون هذه الكائنات لاستخدامها في إيذاء الناس.

في بعض القرى، لا يخرج السكان بعد المغرب، ويضعون أمام الأبواب ثوماً أو رماداً كوسيلة لحماية أنفسهم من "الطفل الذي لم يُدفن بسلام".

التياناك ليس فقط كائناً أسطورياً، بل هو أيضاً تجسيد للخوف من الأرواح الغاضبة والولادات المأساوية، والموت غير المكتمل، وقد لعب دورًا في بناء تقاليد عميقة تتعلق بالدفن، والطقوس الدينية، وحتى الاعتقاد بضرورة تعميد الرضّع سريعاً ، إقرأ المزيد عن التياناك: أسطورة الطفل الشيطان

5-  الإنكانتوس : الأرواح التي تسكن الطبيعة 
الإنكانتوس هم كائنات خفية شبيهة بالبشر، لكنهم أكثر جمالًا وبهاءً، ويُقال إنهم يسكنون الغابات، الأنهار، وأشجار الباليت Balete المقدسة ، من يسيء إليهم - كأن يقطع شجرة يسكنونها - يُصاب بلعنة: مرض مفاجئ، أو اختفاء، أو حالة مسّ تستمر لسنوات ، في بعض القصص، يتم اختطاف البشر من قبل الإنكانتوس ثم يعودوا بعد أيام فاقدي الذاكرة، أو مصابين بصدمة لا تفسير لها.

6- طقوس الجنائز والتعامل مع الأرواح
في الفلبين، الموت ليس نهاية العلاقة مع الشخص المتوفى ، يؤمن كثيرون أن الأرواح تبقى حول المنزل 9 أيام بعد الوفاة، وتُقام لها طقوس تسمى باغباغ  "Pagpag" وهي الخروج من بيت العزاء قبل الذهاب للمنزل لتجنب "جلب الروح معك" ، تُمنع بعض الأطعمة أو الأفعال خلال هذه الفترة، ويُقال إن من يخالف ذلك قد يوقظ الروح الغاضبة.

7- جزيرة سيكويجور – أرض السحر والطب الروحي
تُعد   سيكويجور Siquijor من أشهر المناطق الغامضة في الفلبين، إذ يقصدها الناس إما لطلب الشفاء أو إيذاء الآخرين ، يستخدم المعالجون فيها وصفات سرية تتوارث عبر الأجيال، ويقيمون طقوساً خلال القمر الكامل لتحضير "زيوت سحرية" تستعمل في الربط، الحب، أو الحماية من الجن ، ورغم التقدّم التكنولوجي لا تزال الجزيرة تُعامل كأرض خاصة يجب احترام قوانينها غير المكتوبة.

8- المس والتفسير النفسي الغامض
من اللافت أن الكثير من حالات الصرع أو الانهيار العقلي تُفسّر على أنها مسّ شيطاني أو اختطاف روحي ، وغالباً ما يتم اللجوء إلى (ألبورايو) Albularyo بدل الطبيب، وقد يُجرى طقس يُعرف بـ تاواس Tawas باستخدام الشمع المنصهر في الماء لمعرفة "نوع الروح" المتسببة في الأذى.


9- التحنيط قبل الموت
قد يبدو غريباً بل وصادماً، لكن في بعض القبائل الفلبينية القديمة -  تحديداً بين شعوب الإيبوغال Ibaloi في منطقة بنجويت شمال البلاد  وُجد طقس نادر يُعرف باسم "التحنيط قبل الموت".

في هذا الطقس، حين يدرك الشخص أنه يوشك على الموت، يبدأ أقاربه بتحنيطه وهو لا يزال حياً، عبر إطعامه كميات صغيرة من المشروبات العشبية المملّحة التي تحتوي على مواد حافظة طبيعية، ثم يُترك ليموت تدريجيًا في وضعية الجلوس داخل كرسي من الخيزران.

بعد وفاته، يُدخَّن الجسد فوق نار هادئة لمدة أسابيع أو حتى شهور، ويُمسح بعصارات نباتية عطرية، ثم يُوضع داخل كهف أو تجويف صخري ، والنتيجة جسد محفوظ بشكل مذهل، لا يتحلل، وتبقى ملامح الوجه وتفاصيل اليدين واضحة لعقود طويلة.

الهدف من هذا الطقس لم يكن مجرد الحفاظ على الجثة، بل الاعتقاد بأن الروح لن تعود لإيذاء الأحياء طالما تم تكريم الجسد بطريقة طقسية مقدسة.

اليوم، لا تزال بعض هذه الأجساد موجودة في كهوف كابايان Kabayan، وتُعرف باسم "مومياوات بنجويت"، وهي واحدة من أندر أشكال التحنيط في العالم، حيث يلتقي الموت بالوعي، والجسد بالروح، والأسطورة بالعلم ، أقرأ المزيد عن التحنيط قبل الموت: طقس غامض من قلب الفلبين


وأخيراً ...ما يجعل الفلبين مميزة حقاً هو أن هذه الظواهر ليست محصورة في كتب الأساطير أو متاحف التراث، بل هي حاضرة في الحياة اليومية، تتوارثها العائلات، ويتحدث عنها الناس في قراهم ومدنهم بصوتٍ خافت وحذر ، إنها ليست مجرد خرافات، بل عدسة نادرة نرى من خلالها كيف يتعامل البشر مع المجهول والخوف والموت، وكيف ينسجون حوله قوالب فنية وثقافية ودينية معقدة.


إقرأ أيضاً ...

0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .

 
2019 Paranormal Arabia جميع الحقوق محفوظة لـ