![]() |
إعداد : كمال غزال |
في قلب الموروث الإنساني تنبض رغبةٌ عميقةٌ في أن يستمرُّ الحبُّ بعد الفناء، فتظهر طقوسٌ استثنائيةٌ تكرّس رابطةً بين الأحياء والأموات. من اليابان إلى نيجيريا، ومن فرنسا إلى هاييتي، تشهد معابدٌ وساحاتُ مقابرٍ حول العالم مراسم زفافٍ لا يكتمل فيها العرس إلا بوجود المتوفى؛ كأن الحبَّ الحقيقي لا ينطفئ بموت الجسد.
نستعرض في هذا المقال أبرز هذه الطقوس الغريبة والرمزية، ونكشف عن ممارساتٍ جديدةٍ تليق بمدى اختلاف الثقافات وثرائها.
نستعرض في هذا المقال أبرز هذه الطقوس الغريبة والرمزية، ونكشف عن ممارساتٍ جديدةٍ تليق بمدى اختلاف الثقافات وثرائها.
1- زواج الأشباح في الصين وتايوان
رغم ندرته اليوم، يستمرُّ في بعض الأرياف الصينيّة طقسُ " زواج الأشباح" (لفظياً: هونغ ماي). تهدف مراسمه إلى منح الأرواح اليتيمة شريكاً في الحياة الآخرة. وفي حالاتٍ استثنائية، يسرق بعض اللصوص جثثاً حديثةَ الوفاة ليبيعوها للعائلات الراغبة في مراسم رسمية، بينما تلجأ الأسر ذات الدخل المحدود إلى دمىٍ من الطين أو حتى خبزٍ مشكّل بعيونٍ من الفاصولياء.
2- طقس الزواج الرمزي في هاييتي (فودو)
في ديانة الفودو الهايتيّة، يمكن للمؤمنين أن " يتزوجوا " من إحدى الأرواح العليا (لوا) لـحظوةٍ بالحماية والبركة. تشمل المراسم خاتمًا وكعكةً وطقوسَ تنصيبٍ يقودها كاهن فودو. ويشترط في هذا الزواج الالتزام بالامتناع الجنسي خلال أعيادٍ معيّنة، تكريمًا للروح الشريكة.
3- الزواج الروحي في الحركات الروحانية الغربية
خلال القرن التاسع عشر، شهدت الحركة الروحانية في أوروبا وأمريكا حالاتٍ من " الزواج الروحي " مع الأرواح عبر وسطاءٍ روحانيين. أقيمت طقوسٌ شبيهة بالزفاف، انتشرت لدى بعض المتصوفين كوسيلةٍ لإقامة رابط أبدِي مع روح محبوبٍ غادر الحياة.
4- زفاف الدمية في اليابان
نشأت هذه الممارسة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، حينما قضى شابٌّ في ساحة القتال قبل يوم زفافه. فتزوجته عائلته من "عروس دمية" تمثل روحَه في العالم الآخر. تقام المراسم في معبد بوذي، حيث توضع الدمية إلى جانب صورة الشاب داخل صندوقٍ مُقدّس، ويُقرأ عليها قراءاتٌ دينية لتعزيز الرابطة بين روحه والعروس الرمزية.
5- الزفاف الإجباري قبل الدفن في نيجيريا
في مقاطعة إيبوني بجنوب شرق نيجيريا، يفرض تقاليدٌ محلية ضرورةَ إتمام عقد الزواج قبل أن يُدفن المتوفى. في حادثة عام 2016، توفيت خطيبة رجل أثناء الولادة، وأصرت عائلتها على زفافٍ رسميٍّ قبل إطلاق مراسم الدفن، مطالبين بمهرٍ ماليّ وطقوسٍ تقليدية، ما وضع العريس في مأزقٍ بين التكريم العائلي والضائقة المالية.
6- الزواج القانوني للمَيّت في فرنسا
من خلال قانون استثنائي صدر عام 1959، أصبح بإمكان الفرنسيّات أن يتزوجن خطيبهن المتوفى قضى في كارثةٍ أو حادثٍ مفجع. بدأت الفكرة حين طلبت شابةان الزواج بعد وفاة خطيبها في فيضان سدٍّ، فأجازها الرئيس ديغول، وصدر القانون لإضفاء صفة رسمية على هذه الزيجات، التي تُمنح بعد استيفاء إجراءات قضائية معقّدة.
7- الزواج بعد الوفاة في كوريا الجنوبية
عام 1982، توفي الملاكم الشاب كيم دوك كو متأثراً بإصابات معركة ملاكمة. خطيبته الحامل آنذاك أعلنت رغبتها في عقد " زفاف روحي " معه، قائلة إنه السبيل الوحيد لتعزية روحه والوفاء بذكرى حبهما، رغم أن المراسم لم تكتمل رسمياً.
طقوس أخرى مرتبطة بالموت والزواج
رغم أن موضوع المقال يتمحور حول زيجات تُعقد فعلياً مع المتوفين أو لأجل أرواحهم، إلا أن هناك طقوساً ومعتقداتٍ أخرى ترتبط بالموت والزواج لكنها لا تُصنَّف ضمن "زفاف الأموات" بالمعنى الحرفي، وإن كانت تستحق الذكر لتقاطعها الرمزي مع الموضوع:
1- السّاتي في الهند: احتراق العروس وفاءً للزوج
الـ"ساتي" طقس قديم اندثر رسمياً منذ القرن التاسع عشر، وكان يُجبر المرأة على إحراق نفسها على محرقة زوجها. وعلى الرغم من تجريمه في الهند عام 1829، وتفعيله قانونياً عام 1987، لا تزال بعض المجتمعات تمجّده بشكل غير معلن، مثل مجمع "راني ساتي" الذي يشيد بـ"بطلات" أحرقن أنفسهن في الماضي، ويُتهم بإحياء الفكرة في طقوس سرية.
2- زواج "الليبّيريت" في اليهودية: بين الطقوس والإعفاء بالحذاء
في التقاليد اليهودية، تُعرف "الليبّيريت" أو "اليبوم" بأنها زواج أرملة من شقيق زوجها المتوفى إذا لم يكن له أولاد. وإذا رفض الأخ الزواج، تُؤدى طقوس " الحلصة " حيث يرتدي أخ الزوج صندلاً خاصاً يُعدّ طقسياً ، ثم تقف الأرملة أمام المحكمة الدينية، وتخلع نعل الرجل أمام الحضور ، وبعد خلع النعل تبصق على الأرض (وليس عليه مباشرة)، في اتجاهه، كتعبير رمزي عن الرفض ، ثم تقول الأرملة بصوت مسموع : " هكذا يُفعل بالرجل الذي لا يبني بيت أخيه." ، معلنة بذلك أنه تخلّى عن مسؤوليته ، رغم ندرة هذا التقليد اليوم، لا تزال بعض الجماعات الأرثوذكسية تطبقه. وهو يهدف للحفاظ على نسل العائلة.
3- زواج رفضه الشيطان: تشارلز مانسون وخداع العروس
في قصة غريبة من نوع آخر، حصلت شابة على رخصة زواج من السفّاح الأمريكي تشارلز مانسون عام 2007 أثناء وجوده في السجن، لكنها لم تكن تسعى للحب، بل أرادت استخدام جثته بعد وفاته كمعلم سياحي ، وحين اكتشف مانسون نواياها، رفض الزواج، لتبقى قصته مثالًا على الارتباط المريض بين الموت والشهرة والمال.
تبيّن هذه الأمثلة أن الموت لا يُنهي دائماً قصص الحب؛ بل يحوّلها إلى طقوسٍ ورموزٍ تتجاوز حدود العالم المادي. ففي شتى بقاع الأرض، تُقام حفلاتٌ يختلط فيها الحزن بالاحتفال، وتُنسَج خيوط الأمل من رحم الفقدان. هذه الممارسات تُذكّرنا بأن الإرث الثقافيّ يتغيّر عبر الأزمنة، وأن الحاجة إلى الربط بين "العالمين" ترسخ في النفوس أشكالًا من الإيمان والرومانسية لم يعُد القبر حدوداً لها.
إقرأ أيضاً ...
0 تعليقات:
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .