![]() |
إعداد : أليسا سعيد |
في إحدى ليالي شتاء عام 2013، وصلت الطالبة الكندية ذات الأصول الصينية إليسا لام إلى فندق سيسل الشهير بمدينة لوس أنجلوس الأمريكية، ذلك الفندق المعروف بتاريخه الدموي المليء بجرائم القتل والظواهر الغامضة.
وما إن دخلت إليه حتى اختفت بلا أثر، ولم يبقى سوى مقطع فيديو غامض التقطته كاميرات المراقبة في المصعد، قبل أن يتم العثور على جثتها لاحقا في خزان مياه الفندق، في واقعة حيرت المحققين وأثارت اهتمام العالم بأسره خصوصا لتشابه تفاصيلها الغريبة مع أحداث فيلم المياه المظلمة Dark Water.
بداية الغموض
في يوم 28 يناير من عام 2013، نزلت إليسا لام في فندق سيسل بعد يومين من تاريخ وصولها الأصلي إلى مدينة لوس أنجلوس.
في البداية، كان من المفترض من إليسا مشاركة الغرفة مع نزلاء آخرين، لكن لم تمضِ سوى أيام قليلة حتى قدم هؤلاء النزلاء شكاوى عدة لإدارة الفندق، واصفين سلوك الفتاة بالغريب.
خصيصا بعد تركها ملاحظات مريبة تحمل رسائل مثيرة للقلق، مثل " عودوا إلى المنزل" ، " اذهبوا بعيدا " . لكن تصرفاتها الغريبة لم تتوقف عند هذا الحد فقط، بل بدأت بإغلاق باب الغرفة المشتركة من الداخل وطلب كلمة مرور من النزلاء الآخرين للدخول. مما دفع إدارة الفندق إلى نقلها إلى غرفة منفردة قبل اختفائها الغامض بأيام قليلة.
تفاصيل الواقعة
كانت إليسا لام على تواصل يومي مع والديها منذ بداية رحلتها، ولكن هذا تغير في اليوم الذي كان من المفترض أن تغادر فيه الفندق حيث انقطعت أخبارها فجأة رغم محاولات والديها بالتواصل معها لكن دون جدوى مما دفعهم إلى تبليغ شرطة لوس أنجلوس عن اختفائها ثم السفر فورا إلى المدينة للمساعدة في البحث عن ابنتهم المفقودة.
خلال التحقيقات التي أجرتها الشرطة بخصوص الواقعة، ذكر موظفو فندق سيسل أنه تمت رؤيتها للمرة الاخيرة بمفردها في اليوم الذي كان من المفترض أن تغادر فيه المكان. لكن رواية أخرى ظهرت من خارج الفندق والتي ساهمت في ظهور بعض الفرضيات الجديدة؛ فقد ذكرت مديرة إحدى المكتبات القريبة أنها التقت بإليسا في ذلك اليوم، ووصفتها بأنها كانت لطيفة بشكل لافت، حيث قامت بشراء بعض الهدايا لعائلتها في كندا. هذه الشهادة منحت القضية بعدا أكثر غموضا، إذ بدت إليسا على النقيض من شهادات النزلاء السابقة، طبيعية ومستقرة نفسيا.
بذلت الشرطة جهودا جبارة ومكثفة في محاولة العثور على إليسا لام. فبعد اختفائها الغامض، جرت عمليات تفتيش واسعة في غرف النزلاء والأماكن المحيطة بالفندق دون أي نتيجة. حتى أنه تمت الاستعانة بالكلاب كمحاولة مستميتة لإيجاد خيط يدل على مكان اختفاء الفتاة، ولكن الكلاب لم تلتقط أي أثر لها وكأنها تبخرت في الهواء.
ومع استمرار اختفائها، لجأت الشرطة إلى نشر صورها في حي الفندق وعلى شبكة الإنترنت، أملا في الحصول على أي إجابات. حينها بدأت وسائل الإعلام بتسليط الضوء أكثر على القضية، ليتحول اختفاء إليسا لام إلى لغز عالمي يتابعه الملايين.
وبقي السؤال الأكبر حينها بلا إجابة: أين اختفت الفتاة إليسا لام ؟
فيديو كاميرات المراقبة
قررت الشرطة نشر فيديو كاميرات مراقبة فندق سيسل لآخر مشاهدة معروفة لإليسا لام بعد ان باءت جميع محاولات العثور عليها بالفشل. في الفيديو المشهور، تظهر الفتاة بمفردها داخل المصعد وهي تتصرف بطريقة غريبة. فتارة تضغط عشوائيا على الأزرار دفعة واحدة، وتارة تقترب من باب المصعد وكأنها تتأكد من عدم وجود أحد يراقبها. علاوة على ذلك، كانت تقف في الزاوية ملوحة بذراعيها وتقوم بإيماءات غير مفهومة، وكأنها تتحدث مع شخص غير مرئي للكاميرا.
الأغرب من ذلك، أن أبواب المصعد تظل مفتوحة لفترة طويلة بشكل غير طبيعي وكأن احد يضغطها من الخارج حتى بعد مغادرتها، لتغلق أخيرا بعد لحظات من مغادرتها للمصعد واختفائها عن الكاميرا.
هذا المقطع الذي لا يتجاوز الدقيقتين ونصف حقق مشاهدات عالية وأثار موجة عارمة من التساؤلات والفرضيات حول سبب اختفاء الفتاة. وتراوحت تلك من تحليلات نفسية إلى نظريات ماورائية.
إيجاد الجثة
تزامن اختفاء إليسا لام مع تزايد شكاوى نزلاء فندق سيسل بخصوص لون المياه الداكن المائل للسواد، ضعف الضغط، طعمها الغريب، ورائحتها الكريهة التي لا تطاق. دفعت تلك الشكاوي إدارة الفندق إلى التحقق من خزانات المياه الواقعة على السطح، وهناك تم أخيرا العثور على إليسا لام، لكن كجثة عارية داخل أحد الخزانات.
ما زاد القضية تعقيدا هي التفاصيل التي كشفت بعد العثور على الجثة، أهمها وجود ملابس إليسا وأغراضها الشخصية مثل مفاتيحها وساعتها مغمورة في قاع الخزان بجانب جثتها. مما أثار سلسلة من التساؤلات المحيرة.
علامات استفهام
من أحد أهم الأسئلة التي تم طرحها عند إيجاد الجثة كان السؤال المحوري: هل دخلت إليسا الخزان بإرادتها أم تم إجبارها على ذلك ؟ خصوصا أن الوصول إلى سطح الفندق يتطلب إما مفاتيح خاصة أو استخدام سلم الطوارئ، مع ضرورة تجاوز أنظمة أمان مغلقة مزودة بأجهزة إنذار، والتي لم ينطلق أي منها في وقت الحادثة لأسباب غير معروفة. علاوة على ذلك، عدم ظهورها في الكاميرا وهي تصعد إلى السطح، أو رؤية احد لها تدخل هناك زاد الأمور تعقيدا.
وبحسب تقارير الطب الشرعي، لم يتم إيجاد أي أثر المخدرات أو الكحول باستثناء آثار طفيفة لأدوية كانت تتناولها لعلاج اضطراب ثنائي القطب والاكتئاب اللذين كانت تعاني منهما. بالإضافة لعدم وجود علامات تدل على عنف جسدي من اصابات او كسور، باستثناء التحلل الطبيعي الناتج عن مرور الوقت، كما لم تظهر أدلة على تعرضها لاعتداء جنسي أو محاولات انتحار.
عبر الكثير عن استيائهم لعدم تفتيش كافة غرف الفندق عند اختفاء الفتاة، والذي علق عليه الرقيب رودي لوبيز قائلا أن القانون لا يسمح بالتفتيش الشامل ما لم تكن هناك دلائل قاطعة على وقوع جريمة.
وما زاد القضية غرابة هو خزان المياه الذي عثر فيه على الجثة؛ فهو صغير جدا إلى درجة أن عملية إخراج إليسا لام تطلبت قص الخزان وفتحه باستخدام معدات خاصة، مما أثار تساؤلات حول كيفية دخولها إليه في المقام الأول.
كل هذه الملابسات جعلت قضية إليسا لام واحدة من أشهر القضايا الجنائية في العصر الحديث، حيث تداخلت فيها التفسيرات العلمية المنطقية بالاحتمالات الماورائية.
نتائج التحقيقات الرسمية
بعد تحقيقات مكثفة استمرت عدة أشهر، خلصت السلطات إلى أن وفاة إليسا لام كانت نتيجة غرق عرضي، دون وجود دليل على جريمة قتل أو انتحار. أشارت تقارير الطب الشرعي إلى أن مستويات الأدوية الخاصة باضطراب ثنائي القطب في جسدها كانت أقل من المتوقع، مما يشير إلى احتمال توقفها عن تناول أدويتها، وهو ما قد يكون ساهم في حدوث نوبة ذهانية أدت إلى سلوكها الغريب ودخولها إلى خزان المياه .
على الرغم من النتائج الرسمية، لا تزال هناك تساؤلات قائمة حول كيفية وصول إليسا إلى سطح الفندق، خاصةً أن الوصول إليه يتطلب تجاوز أنظمة أمان مغلقة مزودة بأجهزة إنذار، والتي لم يتم تفعيلها في وقت الحادثة.
كما أن عدم ظهورها في أي تسجيلات كاميرا وهي تصعد إلى السطح زاد من الغموض المحيط بالقضية .
تفسيرات محتملة
1- خلفية إليسا لام المرضية
عانت إليسا لام من الأمراض والاضطرابات النفسية مثل ثنائي القطب والاكتئاب، مما رجح أنها قد تكون ساهمت في موتها حيث فربما تعرضت لنوبة ذهانية أو هلوسات، خصوصا في الفترة الأخيرة قبل وفاتها بعد توقفها عن تناول أدويتها.
هذا الاحتمال تدعمه تصرفاتها الغريبة في كاميرات المراقبة، والتي فسرها البعض كدلائل على حالة من الهلوسة. ومع ذلك، كيف وصلت إلى سطح الفندق رغم أن الدخول إليه يتطلب مفاتيح خاصة وتجاوز أنظمة أمان مزودة بإنذارات ؟ وكيف تمكنت من دخول خزان مياه ضيق لا يمكن فتحه بسهولة، دون أن تُرصد من أي كاميرا ؟
2- الانتحار
شبيها بالنقطة الأولى، قد تكون إليسا قامت بالانتحار بعد معاناتها الطويلة مع الاكتئاب وهو أمر غير مستبعد نظرا لتاريخها الطبي. لكن يجدر بالذكر أن إليسا لم تكن تملك أي سجل بمحاولات انتحار سابقة، مما يضعف حدوث هذا الاحتمال في نظر كثيرين.
3- جريمة قتل أو قتل عن طريق الخطأ
يذهب آخرون الى الاعتقاد انها لم تمت بشكل عرضي او الانتحار، بل كانت ضحية لجريمة قتل في الفندق من قبل أحد أو مجموعة من العاملين. وتستند هذه النظرية إلى فرضية وجود تلاعب متعمد في تسجيلات كاميرات المراقبة وانظمة الامان واجهزة الانذار ايضا بهدف إخفاء الأدلة وتجنب الملاحقات القضائية. مما يفسر الغموض المحيط بكيفية وصولها إلى الخزان.
4- الماورائيات
ربطت قضية إليسا لام بكيانات من العوالم الأخرى مثل الجن وأشباح سكان الفندق. وتقول إحدى الفرضيات الماورائية أن إليسا قامت بلعب لعبة المصعد الكورية ، والتي نالت شهرة واسعة في تلك الفترة الزمنية.
استند أصحاب هذه النظرية إلى الحركات الغريبة والإشارات غير المفهومة التي بدت عليها في المصعد. لكن لا توجد أي أدلة ملموسة تدعم هذه النظرية، حيث تعتبر مجرد تكهنات.
فندق سيسيل : تاريخ من الرعب
افتُتح فندق سيسيل عام 1927 في وسط مدينة لوس أنجلوس، وكان في البداية رمزاً للفخامة والحداثة خلال العصر الذهبي للمدينة. لكن مع الكساد الكبير وتدهور المنطقة المحيطة، تحول الفندق تدريجياً إلى مأوى للمشردين وذوي السوابق، ليشهد سلسلة من الانتحارات وجرائم القتل المروعة. ارتبط اسمه لاحقاً بسفاحين مثل "ريتشارد راميريز"، وباختفاءات غامضة، مما جعله يُلقب بـ"فندق الموت" وأحد أكثر الفنادق إثارة للرعب في التاريخ الأمريكي.
في الثقافة الشعبية
تتشابه قضية إليسا لام بشكل لافت مع أحداث فيلم المياه السوداء Dark Water الصادر عام 2005 والمقتبس عن فيلم ياباني من عام 1996 يحمل الاسم ذاته. في كلا الفيلمين، يؤدي المصعد المعطل والمياه متغيرة اللون للعثور على جثة في خزان المياه على سطح المبنى.
كانت القضية أيضا مصدر إلهام كبير للعديد من الأعمال الإبداعية والفنية، نظرا لغموضها وطابعها المثير للجدل. حيث تم استخدام احداثها في العديد من الافلام والمسلسلات بالاضافة الى الكتب والروايات وحتى الاغاني ومقاطع اليوتيوب ، ومن أبرز هذه الأعمال مسلسل وثائقي من إنتاج نتفليكس بعنوان " مسرح الجريمة: الاختفاء في فندق سيسيل"، الذي استعرض تفاصيل القضية والفرضيات المختلفة حولها.
لا يزال لغز وصول إليسا لام إلى خزان المياه أحد أكثر الألغاز غموضا، إذ لم يتم الكشف عن حقيقته حتى يومنا هذا. ويعد فندق سيسيل من بين أكثر الأماكن التي ارتبطت بتاريخ طويل من جرائم القتل والانتحارات وقصص الاختفاء، مما يجعل قضية إليسا لام واحدة من سلسلة أحداث مأساوية شهدها هذا الفندق ذو السمعة المظلمة.
شاهد الفيديو
افتتاحية مسلسل نتفليكس الوثائقي Crime Scene: The Vanishing at the Cecil Hotel
شاهد الفيديو
افتتاحية مسلسل نتفليكس الوثائقي Crime Scene: The Vanishing at the Cecil Hotel
0 تعليقات:
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .