28 مايو 2025

مقابر مسكونة 4 : سانت لويس رقم 1 – نيو أورلينز

إعداد :  كمال غزال

في قلب مدينة نيو أورلينز الأمريكية، حيث تختلط أنغام الجاز بروائح البخور وألوان الطقوس، تتربّع مقبرة سانت لويس رقم 1 St. Louis Cemetery No. 1، كأنها حارسٌ صامت لقرون من الغموض والرهبة.

هذه المقبرة العتيقة ليست مجرد مكان للدفن، بل بوابة مفتوحة على عوالم أخرى، حيث تهمس الأرواح في الليل، وتُقدّم القرابين عند شواهد القبور، وتُمارَس طقوسٌ قديمة يلفّها الغموض.

هنا، لا تنتهي الحياة عند الموت... بل تبدأ فصول أخرى من الأساطير والظواهر التي حيّرت السكان والزوار لعقود.

ماري لافو: كاهنة الأرواح التي لم ترحل
من بين آلاف القبور التي تضمها المقبرة، يبرز قبر واحد لا تنقطع عنه الزيارات: قبر ماري لافو، أشهر كاهنات الفودو في تاريخ نيو أورلينز.

كانت ماري امرأة ذات حضور طاغٍ في القرن التاسع عشر، تُنسب إليها قدرات خارقة في الشفاء، وجلب الحظ، وربط الأرواح بالعالم الآخر.

يعتقد كثيرون أن روحها لا تزال حاضرة بقوة داخل المقبرة. فحتى اليوم، لا يزال الزوّار يتقاطرون إلى ضريحها حاملين القرابين: شموع، خرز، زهور، دمى، وعطور. بعضهم يكتب ثلاث علامات "X" على جدار القبر، يهمس بأمنيته، ويطرق برفق ثلاث مرات ، معتقداً أن ماري قد تسمعه... وتحقق له مراده.

لكن الأسطورة لا تنتهي هنا.

أبلغ عدد من الزائرين عن ظهور شبح امرأة ترتدي ثوباً أبيض وشالاً أحمر اللون، تمشي بهدوء بين القبور ثم تتلاشى أمام أعينهم. آخرون زعموا أنهم شعروا بصفعة على وجوههم، أو قرص في أذرعهم، أو دفعة قوية دون سبب، وكأنهم أزعجوا حضوراً غير مرئي. في كل مرة، يعود الاسم ذاته يتردّد: "ماري لافو".

شبح البحّار... والطفل التائه
وليس شبح ماري وحده من يزور المقبرة ليلاً ، يروي السكان المحليون حكاية هنري فينيس، بحّار من القرن التاسع عشر خُدِع في حياته، فدُفن في قبر جماعي بدلاً من مدفن عائلته. يُقال إن روحه لا تزال تتجوّل بين الأزقة الحجرية، تسأل الزوار أن يساعدوه في إيجاد مكان راحته.

أما الطفل ألفونس، فقد شوهد مراراً وهو يمسك بيد الزوار متوسلاً: "خذني إلى بيتي." يحمل باقة زهور ويتبع الزوار دون أن ينبس بكلمة أخرى، قبل أن يختفي في الظلال.

طقوس... ومس من العالم الآخر
المقبرة شهدت طقوساً غريبة على مرّ العقود. بعضها كان بدافع الإيمان، وبعضها الآخر ارتبط بأعمال شعوذة. جدران القبور مليئة بالرموز والرسومات، وبقايا قرابين تُترك ليلاً، من بينها دمى فودو، عملات، رسائل، وحتى أدوات غريبة كالعظام أو الأظافر.

ذات مرة، قام مجهولون بدهن قبر ماري لافو باللون الوردي الفاقع، مما دفع السلطات لإغلاق المقبرة مؤقتاً أمام العامة، واقتصار الزيارة على الجولات الرسمية فقط.

لكن حتى هذه الإجراءات لم توقف الزوّار عن الإحساس بشيء مريب…
همسات تأتي من خلف القبور، هبوب مفاجئ لريح باردة، ظلّ يمر دون مصدر، وأحاسيس غريبة تطارد الزائر حتى بعد مغادرته المكان.

وجهة تاريخية وسياحية بامتياز
رغم كل ذلك، تُعدّ مقبرة سانت لويس رقم 1 وجهة رئيسية لعشّاق التاريخ والأساطير. تأسست عام 1789، وهي أقدم مقبرة كاثوليكية في نيو أورلينز، بنيت بعد الحريق الكبير الذي دمّر المدينة.
تتميّز القبور فيها بكونها مرتفعة فوق سطح الأرض، بسبب ارتفاع منسوب المياه، وتُعرف بتصميمها الفريد الذي يشبه مدينة صامتة من القباب والقبور.

دُفن فيها عدد من أبرز الشخصيات، منهم:

ديلفين لالوري: سيّدة القصر الدموي، التي ارتبط اسمها بأبشع الجرائم في تاريخ المدينة. إقرأ عن فظائع السيدة لالاوري.
بول مورفي: عبقري الشطرنج الذي يُقال إن شبحه لا يزال يحلّق فوق لوح اللعب.
- إتيان دي بور: أول عمدة لنيو أورلينز.
- هومر بليسي: صاحب القضية الشهيرة في نضال الحقوق المدنية.

هل تجرؤ على زيارتها ؟
في مقبرة سانت لويس رقم 1، الموتى ليسوا وحدهم من يسكنون المكان.
فهناك من يقول إن الأرواح لا تجد الراحة هنا، بل تنتظر، تراقب، وتتمتم بلغة لا يفهمها سوى من عبر الحاجز بين العالمين.

فهل ستكون مجرد سائح ؟ أم ستسمع الهمسة… التي لا يسمعها إلا من اقترب كثيراً من الحقيقة ؟

0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .

 
2019 Paranormal Arabia جميع الحقوق محفوظة لـ