![]() |
إعداد : كمال غزال |
في قلب لندن، خلف جدران مكسوّة باللبلاب وغابات من السكون، ترقد مقبرة هايغيت Highgate Cemetery، حيث لا يكفي الموت ليُسكت من دفنوا هناك. هذه المقبرة، التي تأسست عام 1839، كانت مجرّد مكان راقٍ لدفن الطبقة الثرية، لكنها تحوّلت خلال العقود الأخيرة إلى أحد أكثر المواقع رعباً وإثارة للجدل في بريطانيا، وربما في العالم.
هايغيت ليست مجرد مدافن جميلة أو أثرية… بل مسرح متواصل لظواهر غير طبيعية، أحداث غامضة، وصراع خفي بين من يحاول إيقاظ الموتى، ومن يحاول تهدئتهم.
أحداث غير عادية... موثقة بشهادات حية
شهدت المقبرة في السبعينيات من القرن الماضي تصاعداً غريباً في تقارير السكان المجاورين والزوار حول أضواء غامضة تتراقص بين القبور، وأصوات صرخات مكتومة ليلاً، وشعور ثقيل بالخوف لا تفسير له.
البعض أقسم أنه رأى ظلالاً بشرية طويلة تقفز بين القبور، وآخرون تحدّثوا عن برودة مفاجئة وانخفاض في درجات الحرارة فقط عند مرورهم قرب ضريح بعينه.
إحدى أكثر الروايات تكراراً هي رؤية رجل طويل القامة، يرتدي عباءة داكنة ويمتلك عينين حمراوين متوهجتين، يظهر ليلاً ثم يختفي بشكل مباغت. هذه الظاهرة كانت وراء انتشار لقب "مصاص دماء هايغيت" The Highgate Vampire.
مصاص دماء هايغيت: بين الحقيقة والهوس الجماعي
بدأت الأسطورة مع رجل يدعى ديفيد فارانت، الذي زعم في عام 1969 أنه شاهد كياناً غامضاً أثناء مروره ليلاً قرب المقبرة. تكررت مشاهدات مماثلة بعد أيام، مما دفع وسائل الإعلام للتركيز على المقبرة، فتوافد العشرات من الباحثين عن الظواهر الخارقة، ومن يدّعون امتلاك قدرات روحانية.
بلغ الهوس ذروته في مارس 1970، عندما اجتمع المئات أمام بوابات المقبرة في ليلة واحدة، استجابة لدعوة أُطلقت في صحيفة محلية للبحث عن "مصاص الدماء". اقتحم البعض المكان، وأجريت طقوس غريبة، بعضها ارتبط بمحاولات غرس أوتاد في قبور مشبوهة، بل أن أحد القبور تم فتحه بالفعل، وظهرت آثار تشويه على جثة بدا أنها نُقلت من مكانها !
طقوس سحرية وأعمال شعوذة في قلب لندن
مع مرور السنوات، بدأت تظهر أدلّة فعلية على ممارسة طقوس شيطانية في المقبرة. وُجدت جماجم مشقوقة، وشموع سوداء، ورموز غريبة مرسومة بالدم قرب ضريح "كاتاكومبز" وهي مقبرة فرعية قديمة ومغلقة.
شرطة لندن في ذلك الوقت تعاملت مع بعض الحوادث، ولكن دون توجيه اتهامات رسمية. ما جعل المسألة أكثر غموضاً هو أن البعض اعتبرها مجرد " أعمال شبابية مضطربة "، بينما رآها آخرون أدلة دامغة على محاولات حقيقية لاستحضار الأرواح أو التحكم بها.
أشباح هايغيت: أسماء وقصص لا تنام
إلى جانب "مصاص الدماء"، هناك أرواح أخرى يُقال إنها تسكن المقبرة:
- المرأة ذات الرداء الأبيض: شوهدت تتجول في الممرات وهي تبكي بحرقة، قبل أن تتلاشى في الهواء.
- رجل بخوذة فكتورية: يُشاهد أحياناً يتبع الزوار بخطوات ثقيلة دون أن يصدر صوتاً، ثم يختفي خلف شجرة أو قبر.
- وجهٌ شاحب يطل من نافذة القبو المغلق: هذه الرؤية تكررت عدة مرات من أشخاص لا يعرفون بعضهم.
زيارة اليوم: جمال مهيب… يخبّئ ما هو أعمق
اليوم، تُعد مقبرة هايغيت مقصداً لمحبي التاريخ، والأدب، والرعب. تضم قبور شخصيات بارزة مثل الكاتب كارل ماركس، والروائي جورج إليوت، والشاعرة كريستينا روسيتي، مما يجعلها مزاراً ثقافياً لا يقل قيمة عن المتاحف. لكن خلف هذا البريق الأدبي، يسكن شعور خفي لا يخطئه الزائرون ، رهبة غامضة تختبئ بين الأشجار الملتفّة والقبور الطحلبية.
0 تعليقات:
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .