21 سبتمبر 2025

قلعة إدنبرة : حصن التاريخ وموئل الأشباح

قلعة إدنبرة المسكونة بالأشباح في بريطانيا
إعداد : كمال غزال
تقف قلعة إدنبرة شامخة على قمة صخر بركاني يُعرف باسم صخرة القلعة Castle Rock في قلب العاصمة الاسكتلندية، ليس فقط كرمز وطني لحضارة اسكتلندا، بل أيضاً كواحدة من أكثر المواقع التي ارتبط اسمها بالظواهر الماورائية في العالم. على مر القرون، اختلطت جدرانها بدماء الحروب وأصداء الأساطير، لتصبح مزيجاً بين التاريخ العريق والرعب الغامض.


لمحة تاريخية

ترجع جذور القلعة إلى العصر الحديدي، لكن أقدم الإشارات الموثقة لوجود حصن ملكي تعود إلى القرن الحادي عشر ، في عام 1093م ارتبط اسم القلعة بالملكة مارغريت التي تُوفيت في إحدى غرفها ، لعبت القلعة دوراً محورياً خلال حروب الاستقلال الاسكتلندية؛ فقد استعادها القائد توماس راندولف عام 1314 لصالح الملك روبرت بروس بعد معركة ستيرلينغ الشهيرة ، وشهدت القلعة ولادة الملك جيمس السادس عام 1566، والذي أصبح لاحقاً ملك إنجلترا واسكتلندا ، خلال القرن السابع عشر تحولت إلى ثكنة عسكرية وحصن دفاعي، وبلغ عدد الحصارات التي تعرضت لها أكثر من 26 حصاراً، مما يجعلها من أكثر المواقع استهدافاً في تاريخ بريطانيا.

سمعة مخيفة

ارتبطت القلعة بسمعة كونها “مسكونة” بفضل ماضيها المليء بالعنف، إذ كانت مكاناً للتعذيب والإعدامات، وموطناً لسجون مظلمة احتُجز فيها السجناء السياسيون ومرضى الطاعون ، ومن أبرز الحوادث التاريخية التي غذّت هذه السمعة:

- إعدام السيدة جانيت دوجلاس عام 1537 بتهمة السحر أمام بوابات القلعة، وسط حشد جماهيري.

- دفن مرضى الطاعون في سراديب تحت الأرض، حيث تُرك الكثير منهم ليموتوا وحيدين، ما عزز حكايات عن أرواحهم الهائمة.

مع مرور الزمن، بدأت القصص الشعبية تنتشر لتصور القلعة كمسرحٍ لأرواح معذبة وظلال غامضة، وأصبحت مركزاً لجولات صائدي الأشباح التي تجذب عشاق الرعب حول العالم.

أشهر الظواهر الغامضة


1- شبح الطبال الصغير

من أكثر الأساطير شهرة، حيث يُقال أن صبياً صغيراً كان يقرع الطبل أُرسل لاكتشاف نفق سري أسفل القلعة، كان صدى قرع الطبل يُسمع من الأعلى، ثم توقف فجأة ولم يظهر الصبي ثانية ، حتى اليوم، يدّعي بعض الزوار سماع أصوات طبل خافتة ليلًا قرب أسوار القلعة، خصوصاً قبل الأحداث الكبرى وكأنها نذير شؤم.

2- السيدة الرمادية

يقال إنها شبح امرأة نبيلة من القرن السادس عشر، ربما تكون جانيت دوجلاس نفسها. تُشاهد وهي ترتدي عباءة رمادية، تتجول بين القاعات باكية أو تائهة، خصوصاً قرب كنيسة سانت مارجريت ، هذا الظهور يرتبط بشعور الزوار بانخفاض درجة الحرارة بشكل حاد عند مرورها.

3- أشباح السجناء

في السراديب السفلية، أبلغ الزوار عن رؤية ظلال بشرية أو سماع أصوات أنين وهمسات ، تكثر الروايات عن شبح رجل قذر الرائحة يحاول دفع الزوار نحو الحافة، ويُعتقد أنه روح أحد السجناء الذين عانوا موتاً مروّعاً.

4- الكلب الأسود الشبح

في المقبرة الصغيرة المخصصة للحيوانات الأليفة للعسكريين، شوهد كلب أسود شاحب يتجول ليلاً، ويُقال إنه يبحث عن سيده الراحل، ما يضفي على المكان طابعاً حزيناً وغامضاً.

 شهادات وتجارب موثقة

في عام 2001، أجرى عالم النفس البريطاني ريتشارد وايزمان تجربة بمشاركة 240 متطوعاً لاستكشاف مزاعم القلعة ، حيث أكد 51% من المشاركين أنهم تعرضوا لظواهر غريبة مثل انخفاض مفاجئ في الحرارة، شعور بلمس غير مرئي، أو رؤية ظلال تتحرك ، ورغم محاولات وايزمان تفسيرها علمياً كإيحاء نفسي، فقد اعترف بأن النسبة العالية مثيرة للدهشة ولا يمكن تجاهلها ، كما أبلغ العديد من الموظفين وعمال الترميم عن أصوات خطوات في الممرات الفارغة، وأحياناً أصوات حفر أو بكاء قادم من الأسفل، مما جعل بعضهم يرفض العمل بمفرده.

 السياحة والرعب التجاري

اليوم، تُعد القلعة رمزاً وطنياً وموقعاً سياحياً بارزاً، إذ استقبلت أكثر من 2.2 مليون زائر عام 2019، وتشهد فعاليات ثقافية كبرى مثل العرض العسكري السنوي ، تقدم شركات مثل ميركات تورز جولات مسائية متخصصة لقصص الأشباح حيث يروي المرشدون الحكايات الأسطورية بأسلوب مسرحي ، وخلال عيد الهالوين تُنظم فعاليات ضخمة في القلعة، ما يجذب آلاف الزوار الباحثين عن الإثارة ، وتبرز عروض الضوء والصوت مثل Castle of Light تبرز الجوانب التاريخية، بينما تُترك مساحة للغموض الذي يميز القلعة.

بين الأسطورة والواقع

تمثل قلعة إدنبرة نموذجاً فريداً لاجتماع التاريخ بالأسطورة ، فهي من جهة رمز وطني وحصن تاريخي شهد ملاحم بطولية، ومن جهة أخرى موطن لروايات الرعب التي لا تزال تلهم الأدب والسينما.

سواء كنت مؤمناً بالظواهر الماورائية أم لا، فإن زيارة هذه القلعة تمنحك تجربة لا تُنسى، حيث يختلط الماضي بالحاضر، ويظل صدى الطبول والأصوات الغامضة يتردد في أروقتها، مذكراً الزوار بأن بعض الأسرار تبقى عصية على التفسير.

نبذة عن كمال غزال

باحث سوري في عالم ما وراء الطبيعة (الماورائيات) من مواليد عام 1971، ومؤسس موقع ما وراء الطبيعة Paranormal Arabia، أول منصة عربية متخصصة في هذا المجال الفريد منذ عام 2008 ، أعد وترجم وبحث وأسهم في مئات المواضيع التي تنقسم إلى أكثر من 30 فئة، بين مقالات بانورامية شاملة وتحقيقات لكشف الزيف، إضافة إلى تحليلات لتجارب واقعية تلقاها من العالم العربي، ورصد أخبار مرتبطة بالماورائيات ، تعتمد منهجيته على دراسة الظواهر الغامضة من منظور أنثروبولوجي مع تحليل منظومات المعتقدات والتراث الشعبي وربطها بتفسيرات نفسية وعصبية، إلى جانب استكشاف الأساطير حول العالم ، كما ألّف قصصاً قصيرة مستوحاة مما قرأ وسمع وشاهد، ويسعى نحو أضخم موسوعة عربية عن ما وراء الطبيعة ، الظواهر الخارقة، الباراسيكولوجية، والميتافيزيقية رافعاً شعار الموقع: "عين على المجهول"، ومؤكداً مقولته: "نعم للتفكير، ولا للتكفير".

إقرأ أيضاً ...

0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .

 
2019 Paranormal Arabia جميع الحقوق محفوظة لـ