3 سبتمبر 2025

مدينة سواكن وأسطورة سجن الجن

حرائق تفتعلها الجن - ماورائيات وتفسيرات علمية
إعداد :  كمال غزال

تقف سواكن على الساحل السوداني للبحر الأحمر كجوهرة منسية غمرها الغموض، تجمع بين التاريخ المشرق والأساطير التي تتناقلها الأجيال. فهي ليست مجرد جزيرة شبه مهجورة تضم أطلال مبان مرجانية، بل هي مسرح لحكايات عن الجن والأرواح، وموطئ قدم لرحالة وتجار، ومحطة للحجاج، وموضوع يثير فضول المستكشفين. 


في هذا المقال، نستعرض قصة سواكن من جميع زواياها: تاريخها، أساطيرها، وظواهرها الغامضة، مع محاولة تقديم تفسيرات علمية لبعض المعتقدات التي أحاطت بها.

الجغرافيا والموقع

تقع جزيرة سواكن على بعد 60 كيلومتراً جنوب مدينة بورتسودان، وتتصل بالبر الرئيسي عبر جسر حجري قصير ، مساحتها صغيرة نسبياً، لا يتجاوز قطرها 750 متراً ، تحيط بها شعاب مرجانية كثيفة، مما جعلها محمية طبيعية، لكنها في الوقت ذاته عائق أمام دخول السفن الكبيرة الحديثة.

كانت الجزيرة القديمة مركزاً للحياة التجارية والإدارية، بينما انتشرت الأحياء السكنية لاحقاً على البر المقابل ، هذا الموقع جعلها حصناً طبيعياً وملاذاً آمناً، وجعلها في العصور الوسطى واحدة من أهم موانئ البحر الأحمر.


أسطورة «سجن الجن»

من أشهر الحكايات التي التصقت باسم سواكن هي أسطورة سجن الجن ، تقول الرواية الشعبية إن النبي سليمان عليه السلام، الذي وهبه الله القدرة على تسخير الجن، قد حبس بعض الجن المتمردين في هذه الجزيرة. وبحسب هذه الأسطورة، اشتُق اسم المدينة من «سَواجِن» أي «سجن الجن»، وتحولت مع مرور الوقت إلى «سواكن».

هذه الحكاية منحت الجزيرة هالة أسطورية، حيث يُعتقد أن الأرواح والكيانات الخفية ما زالت تقيم بين أطلالها، وأن بعض البيوت المغلقة ليلاً تُسمع منها أصوات وهمسات غامضة. وعلى الرغم من غياب الأدلة التاريخية، تبقى هذه القصة جزءاً من التراث الشفهي المتوارث.

حكاية العذارى السبع

تتناقل قبائل البحر الأحمر حكاية أخرى مرتبطة بسواكن، تضيف بعداً أسطورياً لأصل سكانها:

يُروى أن ملك الحبشة أرسل سبع عذراوات هدية لملك مصر. في طريقهن توقفن ليلاً في جزيرة سواكن، بينما بقي الحرس على البر. في الصباح، واصلن رحلتهن، لكن المفاجأة أنهن كن جميعاً حوامل. وعندما استجوبهن الملك، أقسمن أنهن لم يمسهن بشر، بل سبعة من الجن الذين ظهروا لهن في تلك الليلة ، عاد الملك بهن إلى الجزيرة، حيث وضعن مواليدهن، ويُقال إن هؤلاء الأبناء هم أول سكان سواكن، ومن هنا جاء اسمها «سوا-جن» أي «مع الجن».

هذه الحكاية، وإن كانت رمزية، تؤكد عمق حضور الجن في الموروث الشعبي للمنطقة.

مدينة مسكونة بالأشباح والجن

بفضل تاريخها الطويل وحالتها الحالية كمدينة مهجورة، اشتهرت سواكن بلقب «المدينة الأشباح» ، إذ يروي بعض سكان المنطقة قصصاً عن قطط غامضة يعتقدون أنها مسكونة بأرواح الجن وتنتشر حكايات عن بيوت مغلقة تُفتح أبوابها ليلاً، وعن أشياء تتحرك دون سبب ظاهر، يتحدث زوار الجزيرة  أحياناً عن همسات وأنين في الأزقة المظلمة، تُعزى إلى أرواح الجن القديمة ، هذه القصص جعلت من سواكن وجهة لعشاق السياحة الغامضة، حيث يأتي الزوار لاستكشاف أطلالها وسماع حكاياتها.

طقوس الزّار

لا تقتصر العلاقة بين سكان المنطقة والماورائيات على القصص، بل تتجلى في طقوس حية مثل طقس الزار ، يُعرف النوع المحلي بـ«زار سواكنية» الذي يمارسه أبناء قبائل البجا ، يُستخدم هذا الطقس لاسترضاء الأرواح أو طرد الجن الذي يُعتقد أنه تلبس شخصاً ما ، تُقام حفلات خاصة تتضمن الرقص والطبول وتقديم القرابين الرمزية، في محاولة للتعايش مع هذه القوى الغامضة ، هذه الطقوس تمثل امتداداً عملياً للأساطير، وتؤكد حضورها في الحياة اليومية.


ظواهر طبيعية وراء الغموض

بعض الظواهر التي تُفسَّر على أنها «خوارق» قد يكون لها تفسير علمي، منها:

- صفير الرياح: مرور الهواء بين مبانٍ مهجورة يولد أصواتاً تشبه الأنين.

- التلألؤ الحيوي: بعض الكائنات البحرية تُصدر ضوءاً أزرق ليلاً، ما يخلق انطباعاً بوجود «أشباح البحر».

- سراب البحر: الانقلابات الحرارية قد تعكس صور السفن كأنها تطفو في الهواء، فتغذي الخيال الشعبي.

- تفتت الحجر المرجاني: تمدد الصخور وانكماشها قد يسبب أصوات طرق أو حركات مفاجئة للأبواب والنوافذ.

هذه الظواهر تشرح بعض ما يراه أو يسمعه الزوار، لكنها لا تُنقص من قيمة الأسطورة في تشكيل هوية المكان.

وفي الختام ، سواكن ليست مجرد جزيرة أثرية، بل هي مدينة أسطورة تعكس التقاء التاريخ بالخيال ، في حجارتها المرجانية نرى حضارةً بحرية عظيمة ، وفي أساطيرها نسمع صدى الجن والشياطين الذين حُبسوا فيها حسب الموروث الشعبي وفي شوارعها المظلمة نشهد امتزاج العلم بالماورائيات ، إنها مكان يذكرنا بأن المدن لا تُبنى فقط بالحجارة والخشب، بل أيضاً بالقصص التي يحكيها الناس، وأن الأسطورة أحياناً تكون جزءاً من الحقيقة، حتى لو لم نستطع لمسها.

0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .

 
2019 Paranormal Arabia جميع الحقوق محفوظة لـ