27 سبتمبر 2025

الحبل الفضي: الجسر الغامض بين الجسد والروح

الحبل الفضي - الذي يربط الروح بالجسد - الخروج من الجسد والإسقاط النجمي
إعداد : كمال غزال
منذ فجر التاريخ، حيّر البشر سؤال العلاقة بين الروح والجسد: كيف يمكن لوعي الإنسان أن يبقى مرتبطاً بالجسد بينما ينام أو يمرض أو يدخل في غيبوبة ؟ وسط هذا الغموض، ظهر مفهوم الحبل الفضي Silver Cord بوصفه رابطاً سرياً وغير مرئي يصل بين العالمين: عالم المادة وعالم الروح.

يظهر هذا الحبل في النصوص الدينية والروحانية، وفي شهادات آلاف الأشخاص الذين مروا بتجارب الخروج من الجسد (OBE) أو الإسقاط النجمي، حيث وصفوه كخيط مشع يربطهم بجسدهم أثناء تحليقهم في الفضاء الماورائي.

الحبل الفضي في المعتقدات القديمة


1-  جذوره في النصوص الدينية

في الكتاب المقدس يوجد أقدم ذكر واضح للحبل الفضي ورد في سفر الجامعة (12:6): " قبل أن ينقطع الحبل الفضي، أو تنكسر الجرة عند العين..."

وقد فسّره بعض اللاهوتيين على أنه إشارة إلى انفصال الروح عن الجسد عند لحظة الموت ، في هذا السياق يمثل الحبل الفضي رابط الحياة الذي إذا انقطع، ينتهي وجود الإنسان في العالم المادي.

في النصوص الإسلامية لا يُذكر الحبل الفضي حرفياً، لكن القرآن يشير إلى ظاهرة النوم كـ«وفاة صغرى»: " اللَّهُ يَتَوَفَّى الأنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا..." (الزمر:42)

بعض المفسرين شبهوا ذلك بخيط أو رابط يعيد الروح إلى الجسد عند الاستيقاظ.

في التراث الشعبي، يُقال أحياناً إن الروح «مرتبطة بخيط نوراني» لا يراه إلا العارفون.

في الهندوسية والبوذية، يُعرف مفهوم شبيه باسم "سوترا الروح"، وهو خيط طاقي يصل الـ"برانا" (طاقة الحياة) بالجسد الفيزيائي، ويُذكر في نصوص اليوغا والتأمل.

2- رمزية الحبل في الثقافات

في بعض المجتمعات الإفريقية، يعتقد أن الروح مرتبطة بخيط من الضوء يمتد إلى السماء، وإذا قُطع، يصبح الجسد «فارغاً».

في التصوف الغربي، يُستخدم الحبل الفضي كرمز للارتباط بين العالمين، وغالباً ما يُجسّد في لوحات فنية كخيط يربط الجسد بالنجم أو القمر.

الحبل الفضي وتجارب الخروج من الجسد


ما هو الخروج من الجسد (OBE) ؟

هي تجربة يشعر فيها الشخص بأن وعيه انفصل عن جسده، فيرى نفسه من الخارج أو يشعر بأنه يتحرك بحرية في فضاء آخر.
تحدث غالباً في لحظات النوم واليقظة والصدمات الجسدية الناجمة عن حوادث السير أو السكتات القلبية وكذلك في ممارسات الإسقاط النجمي الإرادية عبر التأمل أو طقوس سحرية.

الحبل الفضي أثناء التجربة

يصف الكثير من الأشخاص الحبل الفضي كعنصر مركزي في تجربتهم ، يظهر غالباً من منطقة الصدر أو الجبهة للجسد الأثيري ويمتد إلى الجسد الفيزيائي المستلقي، وكأنه شريان نوراني ، لا يعيقه أي مسافة، ويتمدد مهما ابتعد الشخص عن جسده ، عند الشعور بالخطر، يُسحب الشخص فجأة عبر الحبل إلى جسده، ما يفسر «الارتطام المفاجئ» الذي يصفه الكثيرون عند العودة.

ذكر روبرت مونرو وهو رائد في دراسات  الخروج من الجسد OBE في كتابه  "رحلات خارج الجسد " Journeys Out of the Body : " لم أرَ الحبل دائماً، لكنني شعرت به دائماً، كقوة شد غامضة تربطني بجسدي. وعندما يشتد خوفي، كان يعيدني بقوة وكأنني قطعة مطاط تُسحب فجأة."

شهادات واقعية مؤثرة


1- تجربة أوليفر فوكس

وصف الكاتب البريطاني أوليفر فوكس في كتابه الذي حمل عنوان الإسقاط النجمي  Astral Projection لحظة خروجه من الجسد قائلاً: " كنتُ أطير فوق سريري، شعرتُ بحرية مطلقة، لكن فجأة أدركت أنني متصل بخيط فضي رفيع من عند صدري. عندما حاولت الابتعاد أكثر، شعرت بقوة تسحبني بسرعة البرق، وعدتُ إلى جسدي بانفجار ضوئي."

2- حادثة نجاة من موت سريري

كانت إحدى الشهادات الطبية التي وثقها طبيب في مستشفى ألماني عام 1997 أن امرأة دخلت في غيبوبة بعد أزمة قلبية وعندما أفاقت أخبرت الأطباء أنها رأت نفسها تطفو فوق السرير، ورأت الأطباء يحاولون إنعاش جسدها، لكنها شعرت بوجود خيط مضيء يربطها بجسدها ، قالت: " كنت أعرف أنني إذا تحركت بعيداً، سينقطع الخيط ولن أعود أبداً."

3- تجربة معاصرة – حالة عوم جزئي

شاب في العشرينات يروي تجربته عبر أحد المنتديات الماورائية: " لم أرَ جسدي على السرير، لكنني شعرت بأنني عائم، كأنني سحابة. كان هناك شدّ قوي في معدتي، شعرت وكأن شيئاً يمسك بي ويمنعني من الطيران. عندما استيقظت فجأة، ظل الألم في صدري لدقائق."

تفسيرات ماورائية للحبل الفضي


1- رابط الروح بالجسد

في العديد من المدارس الروحية، الحبل الفضي هو شريان الحياة ، فهو يحمي الروح من الضياع في العوالم الأخرى ويضمن عودة الشخص إلى جسده بعد النوم أو الإسقاط النجمي ، ويعني انقطاعه الموت الفيزيائي، حيث لا يمكن للروح العودة.

2- طقوس سحرية

بعض التقاليد السحرية تتحدث عن محاولات قطع الحبل الفضي في الأعمال السوداء ، يعتقد بعض السحرة أن استهداف الحبل يمكن أن يسبب مرضاً خطيراً أو موتاً مفاجئاً ، هذه المعتقدات تبقى في إطار الرمزية، إذ لا دليل علمي على إمكانية حدوث ذلك.


التفسير العلمي والنفسي

العلم الحديث لا يعترف بوجود حبل حقيقي، لكنه يفسر الظاهرة كالتالي:

خلل في الدماغ

تجارب الخروج من الجسد ترتبط باضطراب مؤقت في منطقة الفص الجداري الأيمن، المسؤولة عن إدراك الموقع المكاني للجسد ، هذا الاضطراب يخلق وهماً بالانفصال والطفو.

إحساس الحبل

الإحساس بشد أو رابط قد يكون نتيجة نشاط غير متزامن في الجهاز الدهليزي (التوازن) ، مثل هذه الإشارات تجعل الدماغ يخلق شعوراً بأن هناك «خطًا» يربط الجسمين.

الطنين والصوتيات

كثير ممن يصفون الحبل الفضي يسمعون طنيناً أو أزيزاً، وهو نشاط عصبي في الأذن الداخلية أثناء الانتقال بين النوم واليقظة.

الحبل الفضي في الثقافة الشعبية

ظهرت فكرة الحبل الفضي في أفلام مثل فيلم Insidious حيث استُخدم كرمز لحماية الروح ، وفي ألعاب الفيديو والروايات الخيالية، حيث يرمز الحبل الفضي إلى «خيط القدر» أو «رابط الحياة» ، وفي في الأدب العربي الحديث ظهر "الحبل الفضي" كمجاز لشعرة الحياة التي تفصل الموت عن اليقظة.

كيف تحمي نفسك إذا واجهت تجربة مشابهة

1- أساليب علمية

تنظيم النوم والابتعاد عن السهر المفرط واستشارة طبيب نوم إذا كانت التجربة تتكرر مع أعراض مثل الأرق أو القلق الشديد.

2- أساليب روحية

قراءة أذكار النوم للتحصين النفسي والروحي ، والتدرّب على التأمل أو تمارين التنفس لتهدئة القلق أثناء التجربة.


وفي الختام ، يظل الحبل الفضي أحد أكثر رموز الماورائيات غموضاً وإثارة للخيال ، سواء كان رابطاً حقيقياً يربط الروح بالجسد، أو مجرّد وهم يخلقه الدماغ أثناء الاضطرابات العصبية، فإن شهادات البشر عبر القرون تمنحه قوة رمزية هائلة ، إنه خيط الحياة الذي يذكرنا بأن بين عالمنا وعالم المجهول مجرد شعرة… فضية.

نبذة عن كمال غزال

باحث سوري في عالم ما وراء الطبيعة (الماورائيات) من مواليد عام 1971، ومؤسس موقع ما وراء الطبيعة Paranormal Arabia، أول منصة عربية متخصصة في هذا المجال الفريد منذ عام 2008 ، أعد وترجم وبحث وأسهم في مئات المواضيع التي تنقسم إلى أكثر من 30 فئة، بين مقالات بانورامية شاملة وتحقيقات لكشف الزيف، إضافة إلى تحليلات لتجارب واقعية تلقاها من العالم العربي، ورصد أخبار مرتبطة بالماورائيات ، تعتمد منهجيته على دراسة الظواهر الغامضة من منظور أنثروبولوجي مع تحليل منظومات المعتقدات والتراث الشعبي وربطها بتفسيرات نفسية وعصبية، إلى جانب استكشاف الأساطير حول العالم ، كما ألّف قصصاً قصيرة مستوحاة مما قرأ وسمع وشاهد، ويسعى نحو أضخم موسوعة عربية عن ما وراء الطبيعة ، الظواهر الخارقة، الباراسيكولوجية، والميتافيزيقية رافعاً شعار الموقع: "عين على المجهول"، ومؤكداً مقولته: "نعم للتفكير، ولا للتكفير".

إقرأ أيضاً ...

0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .

 
2019 Paranormal Arabia جميع الحقوق محفوظة لـ