إعداد : كمال غزال
في قلب مولدوفا، إحدى الجمهوريات الصغيرة الواقعة بين رومانيا وأوكرانيا، وتحديداً في ريفها الغارق في الهدوء والأرثوذكسية العميقة، وقعت حادثة أثارت الحيرة والذعر في آنٍ معاً: اختفاء رجل دين داخل دير ، دون أن يُغادره أحد، ودون أن يُعثر له على أي أثر، وكأن الأرض ابتلعته.
بداية القصة
في عام 2012، دخل القس "دوميترو إيلينيكو" المعروف بورعه وتفرغه للتأمل والعزلة، إلى دير قديم يُعرف باسم "دير فارزاستري" Vărzăreşti Monastery ، وهو من أقدم الأديرة في مولدوفا، يعود إلى القرن السادس عشر، ويُحيط به غطاء كثيف من الغابات والضباب، ويحكي السكان المحليون عنه قصصاً غريبة منذ عقود ، كان الهدف من دخوله قضاء أربعين يوماً في صمت وتأمل، وهو طقس معروف في بعض التقاليد الأرثوذكسية القديمة ، سجّل اسمه في دفتر الدخول، وشوهد وهو يعبر الباب الحجري الضخم، ثم... اختفى.
الاختفاء الغامض: لا باب خرج منه
مرت الأيام، ثم الأسابيع، ولم يظهر دوميترو، حين حاول الرهبان التواصل معه، اكتشفوا أنه لم يُر منذ الليلة الأولى لدخوله صومعته. بحثوا في أنحاء الدير، ثم في الغابة المحيطة، ولكن دون جدوى. تم إبلاغ السلطات، وجاءت فرق البحث مزودة بكلاب بوليسية وطائرات مسيرة... لكن لم يكن هناك أي أثر على الإطلاق ، الأغرب من ذلك: الكاميرا الوحيدة عند بوابة الدير لم تُظهر خروجه، ولم تُسجل أي شخص يغادر أو يدخل بعده.
التحقيقات
طرحت الشرطة عدة فرضيات:
- الهروب الطوعي: مستبعد، لأن أوراقه ومتعلقاته وكل ما يملكه بقي في غرفته.
- الاختطاف: لا علامات اقتحام أو مقاومة، ولا يوجد دافع واضح.
- انتحار أو حادث: لكن لا جثة، ولا حتى أثر لملابس أو دم.
الشهادات المريبة: أصوات وصرخات في الليل
عدد من الرهبان قالوا إنهم سمعوا أصواتاً غريبة في الليلة التي اختفى فيها دوميترو، بعضهم تحدث عن أنين أو تراتيل بلسان غير معروف، وآخر زعم أنه رأى ضوءاً غريباً يلمع من صومعة دوميترو، لكنه اختفى عندما اقترب منها ، الأهالي المحليون أعادوا فتح الأسطورة القديمة التي تحيط بالدير والتي تقول إن راهباً قديماً في القرن السابع عشر فتح بوابة بين العالمين - عالم البشر وعالم الأرواح - خلال محاولته استحضار "الملائكة"، وانتهى به الأمر مختفياً تماماً بنفس الطريقة.
التحليل الماورائي: هل نحن أمام "صدع بين العوالم" ؟
أبدى الباحثون في الظواهر الخارقة اهتماماً بالقضية، وصنفوا الحادث ضمن ما يُعرف بـ "الاختفاءات الماورائية"، والتي تسجّل أحياناً في أماكن ذات شحنة روحية عالية ، وقد صرح أحد الباحثين الرومانيين د. نيكولاي مانوليسكو بأن هناك احتمالاً بأن يكون في الدير نقطة طاقية شاذة، أو ما يُعرف في الفولكلور المحلي باسم "فم الأرض"، وهو مكان يمكن أن يبتلع الزمان والمكان معاً.
لا جديد .. بعد سنوات
حتى تاريخ نشر هذا المقال لم يُكتشف أي شيء جديد ، إذ ظل دوميترو مختفياً والدير أصبح أكثر غموضاً من أي وقت مضى ، يزوره البعض للتبرك والبعض الآخر يتجنبه خشية أن يُصيبهم ما أصاب ذلك القس.
بين الإيمان والشك
تبقى حادثة اختفاء القس دوميترو واحدة من أغرب حالات الاختفاء في أوروبا الشرقية، تدور حولها الأساطير والأسئلة، دون أن تقترب إلى الحقيقة ولو خطوة واحدة.
فهل دخل دوميترو في حالة من النشوة الروحية وذاب في الكون ؟ أم هل كان ضحية لطقس سري لم يتحمّل نتائجه ؟ أم ببساطة... خرج من باب لا نراه نحن ؟
0 تعليقات:
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .