5 أغسطس 2025

هل يؤثر السحر فعلاً ؟ تحليل نفسي اجتماعي لظاهرة مستمرة

تأثير السحر الفعلي
إعداد :  كمال غزال

رغم التطور الهائل في العلوم والطب والنفس، لا يزال السحر يشغل حيزاً كبيراً في وعي الأفراد، لا سيما في المجتمعات العربية، حيث يتداخل فيه الموروث الشعبي مع الهواجس النفسية، وتنشأ حوله تفسيرات غامضة ومتناقضة.

لكن، هل يمكن للسحر أن يؤثر بالفعل على الإنسان ؟ وهل يشعر بهذا التأثير حتى لو لم يكن يؤمن به ؟ ولماذا تستمر ممارسات السحر حتى يومنا هذا رغم غياب دليل علمي مباشر ؟

في هذا المقال، نقترب من هذه الأسئلة من زاوية تحليلية نفسية ومجتمعية، بعيداً عن الطروحات الدينية، لنفكك الظاهرة من الداخل.

هل يمكن للسحر أن يؤثر على الإنسان ؟

حتى اليوم، لم تُثبت أي دراسة علمية موثوقة أن للسحر قدرة "ماورائية" على التأثير الفيزيائي أو العقلي على الإنسان، خاصة إذا لم يكن يؤمن به أو يدرك وجوده ، لكن المفارقة أن عدداً من الناس يروون تجارب شخصية تُظهر أعراضاً نفسية أو جسدية بعد تعرضهم المزعوم للسحر حتى إن لم يكونوا مقتنعين بوجوده.

تفسيرعلم النفس

يشير علماء النفس إلى أن ما يحدث في هذه الحالات يعود إلى:

قوة الإيحاء Suggestion

عندما يُخبر الشخص - من قبل آخرين -  أنه "مسحور"، يبدأ لا شعورياً في تأويل الأحداث اليومية بطريقة سلبية:

- التعب يصبح علامة على تأثير السحر.

- النسيان يُفسر كفعل مقصود.

- الأحلام تُحمّل إشارات رمزية مرعبة.

حتى وإن لم يكن مقتنعاً كلياً، فإن العقل الباطن يلتقط هذه الإيحاءات ويحولها إلى سلوكيات أو أعراض.

تأثير نوسيبو Nocebo Effect

وهو تأثير معاكس لـ البلاسيبو "الدواء الوهمي" (Placebo) ، بمعنى: إذا كان الإنسان يتوقع أن يصيبه شيء سلبي، فقد تظهر عليه أعراض حقيقية رغم عدم وجود أي مسبب عضوي. وهذا يُفسر حالات الإعياء، الانهيار النفسي، أو حتى المرض الجسدي، بعد شيوع الاعتقاد بأن شخصاً "تعرض للسحر".

لماذا لا يزال السحر منتشراً رغم تطور المعرفة ؟

رغم غياب الدليل التجريبي على فعالية السحر، إلا أن الظاهرة لم تنقرض، بل نشطت في بعض السياقات ، لفهم ذلك، لا بد من النظر إلى السحر كظاهرة اجتماعية نفسية، لا كمجرد ممارسة غامضة.

السحر كأداة لشرح المجهول

في المجتمعات التي تسودها الهشاشة النفسية أو الاقتصادية، يصبح السحر وسيلة لتفسير ما لا يمكن تفسيره، مثل: العقم دون سبب طبي واضح ، الحظ السيئ المتكرر والفشل الدراسي أو المهني ، والأمراض المستعصية ، في هذه السياقات، السحر لا يحل المشكلة، لكنه يعطيها معنى… حتى لو كان هذا المعنى زائفاً، فهو يريح العقل مؤقتاً.

السحر كمنفذ نفسي للغضب والمظلومية

قد يشعر الفرد بالضعف أو الإقصاء أو الغيرة من شخص آخر، فينسب نجاح الآخر وفشله إلى "سحر" أو "عمل"، بدلاً من الاعتراف بالفارق في الجهد أو المهارة ، هنا يصبح السحر تبريراً داخلياً للفشل ووسيلة لتوجيه اللوم خارج الذات.

تجارة السحر: اقتصاد قائم على الوهم

في بعض البيئات، تنتشر "صناعة كاملة" قائمة على فك السحر مقابل المال وبيع الأحجبة والعلاج بطرق شعبية غير مدروسة ، وغالباً ما تُستهدف الفئات الأكثر هشاشة، لا سيما النساء، والمراهقين، وكبار السن ، وهنا لا يكون السحر مجرد "معتقد"، بل أداة استغلال تجاري مغلفة بالغموض والرهبة.

لماذا تنتشر هذه المعتقدات في المجتمعات العربية  ؟


عوامل ثقافية متجذرة

في كثير من المجتمعات العربية، تشكّل الروايات الشعبية والأساطير والخرافات جزءاً من التربية المبكرة ، يُقال للأطفال: " لا تخرج ليلاً، فقد تلمسك العجوز الساحرة " أو " لا تلمس هذا الشيء، فيه سحر"... الخ ، مع الزمن تتكوّن بنية ذهنية تستقبل الفكرة وتُضفي عليها شرعية وجدانية، حتى لدى المتعلمين.

غياب الدعم النفسي الحديث

في بيئات تندر فيها العيادات النفسية، أو يكون الطب النفسي "تابو" اجتماعي، يُلجأ إلى تفسير أعراض الاكتئاب، أو القلق، أو الوسواس على أنها "سحر" بدل طلب المساعدة الطبية.

الإعلام والدراما

تُعيد بعض الدراما العربية -  عن قصد أو غير قصد -  ترسيخ صورة "الساحر الشرير" و"الضحية المسحورة"، ما يجعل الفكرة مألوفة ومقبولة، حتى وإن كانت غير منطقية.

هل السحر يؤذي حتى لو لم يكن حقيقياً ؟

الإجابة نعم، ولكن ليس بفضل قوة خارقة، بل عبر:

- الضغط النفسي الناتج عن الخوف والوساوس

- الحرمان الاجتماعي بسبب العزلة أو القطيعة العائلية

- العلاج الخاطئ الذي قد يسبب أذى جسدي

- تدمير العلاقات نتيجة اتهامات باطلة أو شكوك مرضية

بمعنى آخر: الخوف من السحر قد يكون أخطر من السحر ذاته.


السحر كمرآة لضعفنا... لا كقوة خارقة

سواء آمن الفرد بالسحر أم لا، فإن حضوره في ثقافاتنا يعكس حاجة الإنسان لتفسير المجهول، وميله إلى تبني روايات تعطي للمعاناة معنى ، لكن في النهاية، ما نحسبه "سحراً" قد يكون في الواقع صدمة نفسية غير معالَجة ، قلق مزمن يحتاج دعماً أو ببساطة إسقاطاً دفاعياً للذات على الآخر ، ولذا، فإن أفضل سلاح ضد "السحر" ليس تميمة ولا تعويذة، بل الوعي... والفهم... والدعم النفسي والاجتماعي السليم.

إقرأ أيضاً ...

0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .

 
2019 Paranormal Arabia جميع الحقوق محفوظة لـ