20 أغسطس 2025

جولة ماورائية في أثيوبيا

ماورائيات وأماكن مسكونة وطقوس وكائنات أسطورية من أثيوبيا
إعداد : كمال غزال
إثيوبيا ليست مجرد بلد للديانات العريقة والحضارات القديمة، بل هي أيضاً أرض غنية بالأساطير والطقوس الماورائية التي حيّرت العقول ونسجت عالمًا يختلط فيه الغيب بالواقع. 

من تابوت العهد ونسل الملكة بلقيس الغامضة، إلى كنائس لاليبيلا التي قيل إن الملائكة بنتها ليلاً، ومن حفلات الزار الصاخبة إلى بئر داناكيل الذي ينوح في عمق الصحراء، تقف إثيوبيا شاهدة على ميراث طويل من العجائب والخوارق.


أساطير 


الملكة بلقيس وسلاسلتها

يروي التراث الإثيوبي أن الملكة بلقيس (ملكة سبأ) لم تكن بشرية خالصة ، في إحدى معاركها ضد تنين كان يعيث فساداً في البلاد، ساعدها سبعة قديسين في القضاء عليه. لكن حين سقطت قطرة من دم التنين على قدمها، تحوّلت تلك القدم إلى حافر حمار، علامة شيطانية ظلت ملازمة لها ، ورغم هذه الوصمة الغريبة قبلها الناس ملكة عليهم بعدما خلّصتهم من شرّ التنين ، هذه القصة رسّخت صورة مزدوجة لبلقيس في المخيلة الشعبية: امرأة حكيمة مخلصة، وفي الوقت نفسه كائن يحمل أثراً من عالم ما وراء الطبيعة.

ومن أشهر الموروثات الإثيوبية ارتباطها بالملكة بلقيس (ملكة سبأ) وزواجها – وفق التقليد المحلي – من النبي سليمان عليه السلام ، تقول الأساطير إن ثمرة هذا الزواج كانت ابناً اسمه منليك الأول، الذي عاد إلى الحبشة وأسس سلالة الملوك الإثيوبيين، بل وتذهب بعض الروايات إلى القول إن سلالته استمرت حتى القرن العشرين ، وقد نشأت حركة دينية حديثة تُعرف باسم الراستافارية (في جامايكا) ترى في الإمبراطور الإثيوبي هيلاسيلاسي حفيداً مباشراً لبلقيس وسليمان، وتعتبره شخصية شبه مقدسة، مما يربط بين أسطورة قديمة وعقيدة معاصرة.


تابوت العهد 

يُعد تابوت العهد من أكثر الأسرار غموضاً، التابوت الذي حمل وصايا موسى العشر. إذ يؤكد الموروث الكنسي الإثيوبي أن التابوت نُقل إلى مدينة أكسوم على يد منليك الأول، وأنه محفوظ حتى اليوم في كنيسة مريم صهيون ، المثير أن الكنيسة لا تسمح لأحد برؤية التابوت سوى كاهن واحد عُين حارساً له حتى وفاته، مما يضاعف من الغموض ويجعل كثيرين يعتقدون أن إثيوبيا تخفي أقدس أثر في تاريخ الديانات الإبراهيمية.


كيانات أسطورية

في فلكلور إثيوبيا نجد كائنات لا تقل غرابة عن مثيلاتها في أساطير العالم:

البودا

أشخاص يُعتقد أنهم يمتلكون "عيناً شريرة" قادرة على إلحاق الأذى بالآخرين، بل ويُقال إنهم يتحولون ليلًا إلى ضباع مفترسة تهاجم البشر، تحدث السكان عن رجال يتحولون إلى ضباع ليلًا (البودا). إحدى النساء روت أنها سمعت ضحكات بشرية تأتي من فم ضبع يطارد ماشيتها، لتتأكد أنه إنسان متحول.

الأدبار

أرواح حارسة تسكن الأشجار والينابيع، يُبجَّل وجودها وتُقدَّم لها القرابين.

كائنات هجينة

في بعض مناطق الجنوب تنتشر أساطير عن كائنات هجينة بين البشر والحيوانات، مثل نساء البحر وأطفال الغابة الذين يظهرون في الليالي المقمرة ثم يختفون فجأة.


أماكن مسكونة

لا تشتهر إثيوبيا فقط بكنائسها وكهوفها القديمة بل أيضاً بالأماكن التي يعتقد الناس أنها مسكونة أو ملعونة.

كهوف صوف عمر

هذه الكهوف الضخمة التي تتخللها أنهار جوفية مشهورة برهبتها ، كثير من الزوار يقسمون أنهم سمعوا أصوات ضحك أو صرخات تتردد في أعماقها من غير بشر ، يقول الأهالي إن الأرواح القديمة تسكنها، وربما هي مكان لتجمع الجن.

كنائس لاليبيلا الصخرية

إلى جانب الأساطير عن الملائكة التي ساعدت في بنائها، يروي بعض الزوار أنهم شاهدوا ظلالًا تتحرك ليلًا داخل الممرات، على نحو يخالف اتجاه الضوء، وكأن أطياف البنائين أو الملائكة لا تزال تراقب المكان.

قلعة فاسيلادس في غوندار

هذه القلعة الملكية القديمة مرتبطة بقصص عن أشباح الأباطرة الذين ما زالوا يحرسونها ، إذ أكد بعض الحراس رؤيتهم لأشخاص يرتدون أردية ملكية يظهرون للحظة ثم يتلاشون.

بئر داناكيل

حفرة عميقة في الصحراء الشمالية الشرقية، يسميها الأهالي بئر النواح ، يخرج منها في الليل صوت عويل طويل يشبه بكاء الأرواح المعذبة ، علماء الجيولوجيا يفسرونه بصفير الرياح في الممرات الصخرية، لكن الأهالي يؤمنون أنها صرخات أرواح عطشى هلكت في الصحراء.

هناك حكاية متناقلة عن مسافر مرّ ببئر داناكيل وسمع أصوات استغاثة تنادي باسمه من عمق البئر مع أنه كان وحيداً في المكان ، عاد بعدها إلى قريته مرعوباً وأقسم ألا يقترب من الصحراء مجدداً.

مدينة هرر

لهذه المدينة المسوّرة الشهيرة سمعة غامضة ، إذ يروي بعض السكان قصصاً عن أشخاص يختفون مع الغروب ليعودوا فجأة مع شروق الشمس، كأنهم عبروا إلى عالم آخر خلال الليل ، تحدث السكان عن رجال يتحولون إلى ضباع ليلًا (البودا) .


طقوس 


اللفائف السحرية

أبرز الطقوس السحرية في إثيوبيا هي اللفائف السحرية (الرقيمة)، وهي أحجبة تكتب بالجعزية أو بالعربية وتحتوي على تعاويذ لحماية حاملها من الشر والحسد،  يصنعها رجال دين تقليديون يُعرفون بـ الدبّتارا، وتُستخدم للشفاء أو لجلب الحظ، وأحياناً للإيذاء في أعمال السحر الأسود.


حفلات الزار 

يشتهر الإثيوبيون بطقس الزار، وهو احتفال صاخب يستخدم الطبول والرقص والبخور لاسترضاء الأرواح التي تتلبس الأجساد ، الزار في جوهره ليس مجرد علاج، بل عقد "مصالحة" مع الروح لتكف عن أذى الضحية مقابل القرابين والأناشيد ، في قرى الجنوب، تروي عائلات قصصاً عن حفلات زار صاخبة شهدوا خلالها خروج الأرواح من أجساد المصابين، حيث تغيّر صوت المرأة فجأة إلى نبرة رجالية قبل أن تنهار مغشياً عليها.


طقوس طرد الأرواح في الكنائس

في أديس أبابا، وثّقت تقارير صحفية جلسات طرد أرواح في الكنائس الأرثوذكسية، حيث يصرخ الممسوسون ويُرش عليهم الماء المقدس. شهود عيان وصفوا كيف كان بعض الحاضرين يتحدثون بأصوات غريبة، أو ينهارون أرضًا كأن قوة غير مرئية تشدهم.


وفي الختام ، رغم انتشار التعليم والطب الحديث، لا يزال معظم الإثيوبيين يؤمنون بوجود الأرواح والجن والحسد وتشهد الكنائس الأرثوذكسية بانتظام طقوس إخراج الشياطين بحضور مئات الناس، بينما يستمر المسلمون في ممارسة الرقية الشرعية والأحجبة ، كما أن طقوس الزار لم تختفِ، بل تُقام بشكل محدود حتى اليوم.

تمثل إثيوبيا فسيفساء فريدة من الماورائيات؛ أساطير عن ملوك من نسل بلقيس وسليمان، أسرار عن تابوت العهد الغامض، طقوس سحرية وأرواح زار، وأماكن مسكونة ما زالت تحيّر الزوار. هي أرض يقف فيها المرئي واللامرئي جنباً إلى جنب، حيث يتحول التاريخ إلى أسطورة، والخيال إلى إيمان حي يشكل وجدان شعب بأسره.


إقرأ أيضاً ...

0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .

 
2019 Paranormal Arabia جميع الحقوق محفوظة لـ