9 يوليو 2025

وادي الكواكب : لغز جيولوجي في صحراء ليبيا

إعداد :  كمال غزال

في أعماق صحراء ليبيا المترامية، وتحديداً ضمن تدرارت عكّوس Tadrart Acacus جنوب غرب البلاد، يتربّع لغز جيولوجي مذهل يثير دهشة المستكشفين والجيولوجيين على حد سواء. إنه "وادي الكواكب" أو ما يعرف محلياً بـ "وان تكوفي"  وهي منطقة معزولة يكسوها الغموض، وتنتشر فيها صخور ضخمة ملساء على هيئة أقراص أو كواكب حجرية، وكأنها مرسلة من مجرة أخرى.


شكل لا يشبه بيئة الأرض

تمتد هذه الظاهرة على مسافة تقارب 30 كيلومتراً وتضم صخوراً قرصية الشكل تبدو للوهلة الأولى أشبه بمركبات فضائية سقطت على سطح الأرض، أو بقايا أعمدة حجرية عملاقة تحطمت بمرور الزمن. ما يثير الدهشة ليس فقط شكل هذه الصخور، بل انتظامها اللافت ونعومة سطحها التي تتناقض مع البيئة الصحراوية الخشنة وغير المتجانسة من حولها.

فهل الطبيعة وحدها قادرة على نحت مثل هذا الشكل ؟  أم أن هناك قوى جيولوجية أو حتى تفسيرات غامضة تتجاوز الإدراك التقليدي ؟

أصل تسمية "وادي الكواكب" 

لم تأتِ التسمية من فراغ ، فعند النظر من الأعلى عبر صور الأقمار الصناعية أو من الطائرات المسيّرة – تبدو هذه الصخور وكأنها كواكب حجرية متناثرة على سطح قاحل، مما دفع السكان المحليين، وبعض المستكشفين الغربيين، إلى تسميتها بهذا الاسم الاستثنائي. وقد بدأ ذكر المنطقة في بعض أدبيات الجيولوجيا والمغامرات منذ بدايات القرن الـ21، لكنها ظلت طيّ النسيان نتيجة صعوبة الوصول إليها والتوترات الأمنية في المنطقة.

الفرضيات العلمية: كيف تشكّلت هذه الصخور ؟

رغم محدودية الأبحاث الجيولوجية بسبب العوامل السياسية والبعد الجغرافي، ظهرت عدة فرضيات تفسيرية، كلها تحاول تفسير الشكل القرصي الموحد لهذه الصخور:

التعرية الهوائية Aeolian Erosion

تُعدّ هذه الفرضية الأكثر تداولاً: الرياح المحمّلة بالرمال في الصحراء الكبرى تعمل كـ" مباضع طبيعية " تنحت الصخور على مدى ملايين السنين. وقد تكون الصخور في وادي الكواكب من نوع خاص من الصخور الرسوبية أو الطينية الأكثر عرضة للنحت. لكن الاعتراض هنا أن الرياح نادراً ما تنتج أشكالاً قرصية دقيقة ومنتظمة بهذا الشكل، مما يترك ثغرات في هذا التفسير.

التكوينات الكروية Concretions

يُشير بعض الجيولوجيين إلى احتمال أن تكون هذه الصخور نوعاً من التكوينات الكروية المعدنية وهي ظاهرة جيولوجية تحدث عندما تترسّب المعادن حول نواة مركزية داخل الصخور الرسوبية، مما ينتج عنه كتل شبه كروية أو قرصية.  وتوجد مثل هذه التكوينات في مناطق أخرى من العالم، مثل مويركي بولدرز في نيوزيلندا وكانساس بالولايات المتحدة. لكن الحجم الهائل والانتشار الواسع لصخور وادي الكواكب يجعل هذه الفرضية بحاجة لتدقيق.

تأثير أنماط رياح محلية استثنائية

تقول بعض النظريات إن هذه الصخور قد تكون نتيجة ظروف رياح نادرة جداً، ربما نتيجة اختلافات تضاريسية في المنطقة خلقت دوامات هوائية مركّزة حفرت الصخور بشكل انتقائي ومحدد، فنتجت تلك الأشكال الفريدة.

بقايا بنية جيولوجية قديمة

يقترح بعض الباحثين أن هذه الأقراص قد تكون بقايا طبقات أفقية من صخور رسوبية كانت تغطي المنطقة قديماً، وتعرّضت لتآكل تدريجي على مدى العصور، تاركة وراءها هذه الأشكال النحتية الضخمة.

غياب البحث الميداني

رغم الأهمية الجيولوجية للموقع، لم تُجرَ عليه دراسات مفصلة حتى اليوم. ويُعزى ذلك إلى العزلة الجغرافية، وانعدام البنية التحتية، والاضطرابات الأمنية التي تعاني منها ليبيا، مما يجعل بعثات البحث العلمي إلى المنطقة نادرة أو معدومة.

الصور القليلة المتوفرة أتت من رحالة محليين ومستكشفين أجانب مستقلين، ولم تُنشر أي دراسة جيولوجية رسمية في مجلات أكاديمية حتى الآن. ويبقى الأمر مفتوحاً أمام المبادرات العلمية المستقبلية، خصوصاً في ظل ازدياد الاهتمام العالمي بالمواقع الطبيعية الفريدة.

0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .

 
2019 Paranormal Arabia جميع الحقوق محفوظة لـ