14 يوليو 2025

جولة ماورائية في البيرو

إعداد : كمال غزال
في أعماق أميركا الجنوبية، حيث تمتد سلاسل الأنديز المهيبة وتتماوج الغابات المطيرة كأنفاسٍ خفية للأرض، تقع البيرو: بلد لا يُعرف فقط بآثار حضارة الإنكا، بل ببوابات مفتوحة على العالم الآخر، حيث الأسطورة لا تزال تنبض، والطقوس القديمة لا تزال تمارس كأن الزمن لم يمر.

هنا، لا يُنظر إلى الجبال على أنها صخور صماء، بل أرواح حية. ولا تُعد البحيرات مجرد مياه راكدة، بل معابر للآلهة. في البيرو، تذوب الحدود بين الطبيعة والمقدّس، بين ما نراه... وما نشعر به.

كيانات أسطورية

الفلكلور البيروفي، المزيج بين حضارات ما قبل الكولومبية والعقيدة الكاثوليكية، يحتضن كائنات خرافية وكيانات روحية لا تزال تثير الخوف والهيبة :

البيشتاكو Pishtaco

كيان خبيث يُقال إنه يستهدف البشر ليحصد دهون أجسامهم، ويقال إنه تمثيل استعاري للمستعمر الأوروبي أو استغلال الشركات للأهالي، حتى اليوم، يخافه سكان الأرياف، ويُزعم أنه لا يزال يهاجم المسافرين ليلاً.

أبو Apu

هي أرواح الجبال ، لكل جبل رئيسي روح تحميه ويجب استرضاؤها بالقرابين والصلوات، لا يزال السكان الأصليون في جبال الأنديز يقدمون التبغ، الكحول، وأوراق الكوكا لتلك الأرواح، طالبين المطر، الصحة، أو الغفران.

ياكوماما Yacumama

أفعى مائية أسطورية بطول مئات الأمتار تسكن الأنهار في الأمازون، وتعتبر حامية المياه. يُقال إن صدى صوتها يصيب الغابة بالخرس، وإنها تُغرق من يلوث الأنهار.

سوباي Supay

روح العالم السفلي في معتقدات شعوب الأنديز، وارتبط لاحقاً بالشيطان في الكاثوليكية، ما يزال يظهر في احتفالات محلية بزيّ مُخيف، وهو يرمز لدمج المعتقد الوثني بالموروث الديني.


الشامانية والطقوس الماورائية

رغم مرور قرون على الغزو الإسباني والتنصير، لا تزال الشامانية تمثل جانباً حياً من الروحانية البيروفية، خصوصاً في جبال الأنديز والأمازون.

طقوس آياهواسكا Ayahuasca

خليط نباتي قوي مهلوس يُستخدم لفتح "بوابة الرؤية"، حيث يزعم المشاركون أنهم يرون أرواحاً ويتواصلون مع الكون،  يصنعه الشامان في طقس مهيب ضمن الأدغال، وتُسجّل تجارب تحوّل روحي عميق، أو صراعات مع "كيانات ظلية". السياحة الروحية زادت الاهتمام العالمي بهذه التجربة.

كامبو Kambo

مستخلص سام من ضفدع الأمازون، يُحرق على الجلد كطقس تطهيري. يُقال إنه يطرد السموم الجسدية والروحية، لكنه مؤلم للغاية ويُستخدم كجزء من رحلة الشفاء أو الكشف.

القرابين للأرض 

تُقدم قرابين رمزية للأرض الأم باتشاماما : أوراق الكوكا، حيوانات صغيرة، وحتى الخبز، تُدفن أو تحرق كتعبير عن الامتنان للطبيعة. لا تزال هذه الطقوس تمارس في القرى الريفية بشكل طبيعي ومقدّس.

أساطير الحضارات القديمة


الإنكا

اعتقدوا أن الشمس (إنتي) والأرض (باتشاماما) والنجوم كائنات واعية. آمنوا بعالم علوي وسفلي ومتوسط، وتُحفظ أرواح الموتى في "ملوكهم المحنطين". كانت الجبال مقدّسة، والقرابين ممارسة روحية شائعة.

تشافين وباراكاس

حضارتا تشافين وباراكاس، اللتان ازدهرتا قبل حضارة الإنكا، عرفتا بطقوس معقدة وغامضة تعكس رؤية روحية عميقة للعالم.
من أبرز ما خلفوه جماجم ممدودة ومشوهة عمداً منذ الطفولة عبر ربط الرأس، يُعتقد أنها كانت تمنح صاحبها مكانة طقسية أو روحانية خاصة.

كما أن بعض معابدهم ودهاليزهم، مثل معبد "تشافين دي وانتار"، بُنيت كمتاهات روحية تساعد الداخل على خوض تجربة إدراكية خارجة عن المألوف، تشبه حالة العبور نحو عالم الأرواح.


نازكا

اشتهرت بـ خطوط نازكا العملاقة المنحوتة في الأرض، التي لا تُرى إلا من الجو، وتشكل رسومات لكائنات مثل قرود وعناكب وطيور . لا تزال تمثل لغزاً: هل هي رسائل للآلهة ؟ علامات فلكية ؟ بوابات طاقة ؟ 


أماكن لا تزال تنبض بالغموض

ماتشو بيتشو Machu Picchu

المدينة المفقودة، بُنيت في موقع جبلي يصعب الوصول إليه، ويُقال إنها مركز طقوسي روحي. لا تزال تُثير شعوراِ مهيباً لدى الزوار، ويعتقد البعض أنها كانت بوابة للاتصال بعالم الآلهة.

بحيرة تيتيكاكا

أعلى بحيرة قابلة للملاحة في العالم، وتُعد المكان الذي وُلد فيه أول ملوك الإنكا. يُقال إن مياهها تخفي مدناً غارقة، وأصواتاً غامضة في الليل.

بوابة الآلهة Aramu Muru

منحوتة في جبل صخري قرب بحيرة تيتيكاكا، يُقال إنها بوابة بين العوالم، استخدمها الكهنة القدماء للانتقال الروحي أو الجسدي. زوار كثر أبلغوا عن رؤى، صداع مفاجئ، أو شعور بتغيّر الزمن عند الاقتراب منها.

الماورائيات في الحياة اليومية للبيروفيين

رغم تطور البنية الحضرية في المدن الكبرى، لا تزال العقائد الماورائية جزءاً من الحياة اليومية في البيرو:

- في القرى، يُستشار الشامان قبل السفر، الزواج، أو شراء أرض.

- يُعتبر الكوكا نبتة مقدسة، لا لشربها فحسب، بل لاستخدامها في الطقوس.

- التوفيق بين الكاثوليكية والشامانية أمر طبيعي، فتُرى تماثيل العذراء جنبًا إلى جنب مع رموز آلهة الأنديز.

لماذا تظل البيرو بلداً للغموض ؟

البيرو هي مثال نادر لتعايش الأسطورة مع الواقع. ليست بلداً يروي قصصاً عن الماضي فقط، بل يعيش تلك القصص في الحاضر. هي دولة يختلط فيها العلم بالشعوذة، والطقس المقدّس بالدواء، والأسطورة بالهوية.

الإنسان البيروفي لا يرى الروحانية كشيء منفصل عن الحياة، بل جزءاً أصيلاً منها. ربما لهذا السبب، يجد الزائر نفسه هناك مغموراً بشعور غير منطقي… كأن شيئاً قديماً وعميقاً يستيقظ بداخله.

إقرأ أيضاً ...

0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .

 
2019 Paranormal Arabia جميع الحقوق محفوظة لـ