في أعماق العالم الخفي، بين أطياف الظلال وسكون الأرض، يقف ملك جنيّ يُحكى عنه في المخطوطات ويُهمَس باسمه في طقوس السحر القديمة. إنه الملك طارش بن كوش، أحد أعظم ملوك الجن السبعة، و"خازن الأرض" الذي لا يُفتح كنزٌ إلا بعهد منه، ولا يُكسر رصدٌ إلا بإذنه.
تصفه الموروثات الروحانية والسحرية بأنه ملك التراب والرصد والكنوز المدفونة، و"سيّد العمار" الذين يسكنون البيوت والكهوف والمدن القديمة. له مملكة لا ترى بالعين، لكن آثارها تمتد من أحلام المنقّبين إلى صفحات كتب السيمياء والخزائن الغامضة.
طارش ليس كغيره من الكيانات الجنية، فهو لا يُعتبر "خادماً" بل ملكاً ذا هيبة، لا يُستحضر إلا وفق شروط دقيقة، ولا يُطيعه سوى خدامه الخاصين الذين يُقال إن عددهم اثنا عشر.
من هو الملك طارش ؟
الملك طارش هو كيان جنّي عظيم الشأن ورد اسمه في عدد من المخطوطات السحرية والشفوية، لا سيما في طقوس فكّ الرصد وكشف الكنوز. يُقال إنه حاكم جميع جن العمار: أي الأرواح المقيمة في المنازل والمباني والجبال والمالك الروحي للكنوز المدفونة: ولا يُسمح بالوصول إليها دون إذن منه أو عهد مكتوب باسمه.
وهو يعتبر من الجن السفليّ الترابيّ ، طاقته باردة ثقيلة وترتبط بالأرض والعناصر المادية والدفن ، يعيش في الأنفاق والكهوف والمدن القديمة، كما أنه مرتبط بكوكب زُحل، الكوكب المرتبط بالبُطء، الأسرار، الفقد، الدفن.، ويومه السبت ، يوم الطاقات المقيدة والعوالم السفلى ، وله طقوس معروفة للاستحضار.
وقد اكتسب مكانته نتيجة قدرته على السيطرة الكاملة على الأرواح الأرضية، فيقال إنه يبطش بمن يخالف أوامره، ولا يُقبل على الاستحضار إلا في الحالات القصوى، لما في حضوره من رهبة وضيق وشروط صارمة.
الملك طارش في كتب السحر والمخطوطات
يُذكر طارش في شمس المعارف الكبرى للبوني، وأيضاً في منبع أصول الحكمة وكتب مجهولة المصدر تُتداول بين السحرة والمشعوذين. يُعتبر أحد الأسماء الحاكمة في طلاسم استخراج الكنوز، وغالباً ما يُطلب إذنه في العزائم التي تتعامل مع الرصد السفلي.
في هذه الكتب يُرمز إليه بـ"الملك الخازن" ويظهر في طلاسم نحاسية تُدفن قرب مكان الكنز ويُذكر اسمه في تعاويذ "فتح الأرض" أو "كشف النقاب عن المدفون" ، ويرافقه خدام معروفون بأسمائهم (مثل برقان)، يقومون بالحراسة أو الإخفاء أو التمويه.
وتُجمع هذه الكتب على أن الملك طارش لا يُستحضر إلا بعهد طويل وتفاصيل شديدة التعقيد، وإلا فإن المستحضر يتعرض لـ"ضيق صدر" أو "نسيان لحظي" وربما تَلبُّس.
صفات الملك طارش
رمزياً يُصوَّر الملك طارش على أنه رجل طويل داكن المظهر يحمل مفتاحاً وأحياناً ثعبان أسود يحوم حول مكان الكنز أو نقش طلسمي يُدفن لإخفاء ما تحت الأرض.
طقوس استحضاره ووظائفه في السحر
يُستدعى الملك طارش في طقوس محددة أهمها:
- فكّ الرصد السفلي: عندما يكون الكنز محروساً بجن خبيث ، والكشف عن الكنز الحقيقي وسط كنوز وهمية.
- لتحييد الخادم الروحي أو حارسه أثناء التنقيب ولتأمين الحماية الروحية للساحر أو المُنقِّب.
- التأثير في الحظ المالي لأشخاص، إذا استُخدم للأذى.
لكن طارش لا يُستحضر غالباً بشكل مباشر، بل يُستدعى أحد خدامه الاثني عشر، ويُطلب الإذن باسمه. ويُقال إن من أشهر هؤلاء:
- برقان: مسؤول عن إخفاء الكنز وتمويه الأرض.
- صخر الجنّ: يُستخدم في تشتيت الحراس السفليين.
- ميمون الطارش: يُعتبر أحد أقرب خدامه وأكثرهم شراسة.
طارش والكنوز المرصودة
"الرصد" هو الحارس الخفي الذي يحمي كنزاً مدفوناً ، ويُقال إن كل كنز مرصود له خادم تابع لطارش وبدون إذن الطارش، لا يُفتح ولا يُلمس ، ومن يجرؤ على الحفر دون عزيمة أو عهد، يُصاب بـ: ضيق نفس ، صراخ داخل الرأس ، هلاوس بصرية ، جنون مؤقت.
لهذا يُقال في الأثر : " لا تبحث عن كنز إلا بإذن طارش... وإلا دفنك مع الكنز."
طارش في التراث الشعبي العربي
في ثقافات مختلفة، يحتل طارش مركزاً روحياً خاصاً:
المغرب والجزائر
يُذكر اسمه في جلسات استخراج الكنوز ، حيث يُكتب طلسمه على ألواح نحاسية ويدفن قرب موقع الحفر وتُؤدى "عزيمة الأرض" لاسترضائه قبل أي عملية نبش.
صعيد مصر
يظهر اسمه في كتب "العتبة الزرقاء" ويُعتقد أنه يحرس كنوز الفراعنة وتُروى حكايات شعبية عن ظهوره في الأحلام لتحذير المنقّبين.
السودان وتشاد
يُقال إنه يحرس ذهب القبائل القديمة ويظهر في الأحلام على شكل رجل مفتاحي يشير إلى موقع كنز ، وتُستخدم طلاسم محلية باسمه لتحصين المدافن.
ملك العمار: الطارش في البيوت والمباني
في التراث الإسلامي، يُنسب إلى طارش لقب ملك العمار، أي الأرواح الساكنة للمنازل (إقرأ المزيد عن عمار المكان) ، ويُقال إنه حاكمهم ويأمرهم بالطاعة إن لم يتعرضوا للأذى من قبل الساكنين من البشر ، ويُعاقب المؤذي منهم إن ثبت إيذاؤه لبشر بلا سبب ، ويُحكى أن من يُؤذي العمار، قد يستفزّ أحد أتباع طارش ، إذا كان ساكن المنزل مسالماً، يأمر طارش جنوده بتركه وشأنه ، وبعض المشايخ يطلبون تدخله لتهدئة الأرواح المؤذية.
هل طارش خيّر أم شرير ؟
ليس من السهل تصنيفه. فهو عادل لا يظلم، ولا يؤذي دون سبب ، ولا يتدخل في شؤون البشر إلا إن دُعي باسمه ، ويحب العهود والاحترام، ويكره الطمع والكذب ، ولا يُقال عنه صراحةً إنه "مسلم" أو "كافر"، لكنه ملكٌ محايدٌ ذو هيبة.
وفي الختام ، الملك طارش ليس مجرد اسم في كتب السحر، بل هو أسطورة ميتافيزيقية متجذرة في مخيال الإنسان العربي. يمثّل الخوف من المجهول، والرغبة في كشف الأسرار، وحدود العقل أمام ما لا يُفسّر ، هو الحارس، المعاقِب، المُختبِر، والغائب الحاضر في كل قصة كنز أو رصد أو بيت مسكون.
وفي سلسلة ملوك الجن التي يتناولها موقع ما وراء الطبيعة في "الرصد" والبحث ، يظل طارش أول بوابة لفهم الميثولوجيا الجنّية العربية، والأسطورة التي لا تزال تُروى وتُخشى حتى اليوم.
إقرأ أيضاً ...
- أبرز شخصيات الجن في طقوس السحر العربي
- معتقدات الكنز المدفون
- لغز كنز جبل الطنطور: بين الأسطورة والواقع
- عمار المكان : الجيران الذين لا نراهم
- طهطائيل وخدام الحروف السبعة
- شمهروش قاضي الجن : بين السحر والقداسة
- طقوس كناوة : إحتفالية ملوك الجن
- شمس المعارف الكبرى : أبرز مرجع "إسلامي" في الشعوذة
- الكيانات الخفية : بين التسخير والانسجام
- كتاب "مفتاح سليمان" : أبرز مرجع في الشعوذة الغربية
0 تعليقات:
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .