30 يونيو 2025

طهطائيل وخدام الحروف السبعة

إعداد :  كمال غزال

في عالم العزائم والأحجبة والطلاسم، تبرز أسماء غامضة تثير رهبة وسحراً خاصاً في النفس، ويُعتقد أنها ترتبط بكيانات روحانية تُدعى "خُدّام الحروف".

من بين هذه الكيانات يبرز اسم "طهطائيل" أو "طهطيائيل"، الذي ينسب إليه بعض المتصوفة والسحرة سيادة على الحرف الأول من اللغة العربية: الألف ، لكن طهطائيل ليس وحده، بل يُقال إن لكل حرف خادماً، وله دور وتأثير في الكون، ويُستدعى لتحقيق غايات سحرية وروحانية ، هذا المقال يستعرض الخلفية التراثية والرمزية لخُدّام الحروف، ومعانيها في الأعمال السحرية، ويقارن ذلك بموقف الإسلام الصريح من مثل هذه الممارسات.

من هم "خُدّام الحروف" ؟
في الفكر الحُروفي والصوفي، يُنظر إلى الحروف العربية على أنها ليست رموزاً لغوية فقط، بل كائنات حية ذات طاقة كونية. ويُقال إن لكل حرف خادماً روحانياً موكلاً به، يتحكم في خصائصه وتأثيره في العالم. هذه الفكرة نمت في أوساط بعض المتصوفة وامتزجت بالسحر الشعبي، فتشكلت طقوس تعتمد على استدعاء هذه الخُدّام عن طريق عزائم، وكتابة طلاسم، واستخدام جداول رقمية (مربعات سحرية) مخصصة.

أبرز خُدّام الحروف السبعة
رغم أن بعض الكتب تشير إلى خادم لكل حرف من الحروف الـ28، فإن الأشد تداولاً هم خُدّام الحروف السبعة التالية، ويُقال إنها تمثل القوى الأساسية في أعمال السحر:

1- طهطائيل – خادم حرف الألف (أ)
طهطائيل هو أشهر خُدّام الحروف على الإطلاق، ويُلقّب بـ"الرئيس الأكبر". يظهر اسمه كثيراً في كتب الطلاسم مثل شمس المعارف الكبرى، ويرتبط بالحرف الأول من اللغة العربية: الألف، الذي يمثل في الفكر الحروفي مبدأ الوجود والنور الأول ،  يُستدعى طهطائيل في أعمال الطرد، الحماية، بداية المشاريع، الفتح الروحي، وكشف الأسرار ، ويُعتقد أنه كائن نوراني جليل القدر، ذو هيبة عظيمة، يظهر في هيئة مهيبة أو على شكل طيفي ساطع 

اليوم والكوكب: لا يُربط مباشرة بكوكب معين، لكن في بعض الطقوس يُقرن بالقمر، نظراً لرمزية النور والصفاء،  يُقال إنه من عنصر "النور الخالص"، ويُربط أحياناً بالهواء أو الروح.

2- مهطائيل – خادم حرف الميم (م)
حرف الميم يُعد رمزاً للرحم، والماء، والوفرة في الموروث الحروفي، وخادمه مهطائيل يُستدعى لجلب الرزق وتيسير العلاقات ،  يُستخدم في الأحجبة الخاصة بالرزق، الإنجاب، إصلاح العلاقات، وجلب العاطفة.

اليوم والكوكب: يُربط بيوم الجمعة أحياناً، وبالزهرة كرمز للخصب والحب ، وعنصره الماء.

3- نهطائيل – خادم حرف النون (ن)
النون يُعد من الحروف العميقة في دلالتها الصوفية، ويظهر في القرآن الكريم (ن والقلم وما يسطرون). خادمه نهطائيل يُستدعى للحماية من الأخطار ، ووظيفته في الوقاية، النجاة من الكروب، رفع البلاء، وردّ السحر.

اليوم والكوكب: الاثنين، يُربط بالقمر أو المشتري ، وعنصره الماء أو الهواء.

4-  كهيطائيل – خادم حرف الكاف (ك)
حرف الكاف يرتبط بكلمة "كن" الإلهية (كن فيكون)، وخادمه كهيطائيل يُستدعى في الأعمال السحرية التي تتطلب سرعة وقوة تنفيذ ، ووظيفته في تحقيق المطالب الفورية، النصر، القوة المفاجئة.

اليوم والكوكب: الثلاثاء، والمريخ ، وعنصره النار.


5-  رهطايل – خادم حرف الراء (ر)
يُستعمل خادم هذا الحرف في أعمال الهيبة والتأثير، وله طاقة نارية تُعزز من سلطة الشخص ومهابته ، ووظيفته في الجذب، الهيبة، السيطرة في المجالس، القبول عند الحكام.

اليوم والكوكب: الأحد، والشمس وعنصره النار.


6- صهطايل – خادم حرف الصاد (ص)
يرتبط بالكشف والإلهام الروحي، ويُقال إنه يساعد على كشف الأسرار والخفايا ، ووظيفته في الرؤى، الكشف، البصيرة، فتح الحواس الباطنة.

اليوم والكوكب: الأربعاء، وعطارد ، وعنصره الهواء.


7-  ضهيايائيل – خادم حرف الباء (ب)

حرف الباء رمز البداية (بسم الله...)، وخادمه يُقال إنه خادم خفي يعمل في صمت ، ووظيفته الحفظ، الكتمان، تقوية الأعمال السحرية، الحجب.

اليوم والكوكب: الاثنين أو الخميس، وزحل أو عطارد حسب بعض المصادر ، وعنصره التراب


استخدام خُدّام الحروف في الأحجبة والعزائم
في كتب السحر التراثية مثل شمس المعارف الكبرى والأنوار النورانية، تظهر أسماء خُدّام الحروف ضمن طلاسم معقّدة تُكتب على رقوق أو صفائح معدنية، ويُعتقد أنها تستحضر القوى الغيبية. يُطلب من الساحر أو من يمارس العزيمة أن ينادي الخادم باسمه، ويرتّب الحروف بطريقة عددية أو حروفية.

مثال شهير: " أيها السيد طهطائيل، الرئيس الأكبر، أسرع بحق هيّه، يهون، شكمهيل، سحلو... الوحا العجل !"

وتتضمن هذه الطلاسم طقوساً مثل التبخير، واختيار وقت معين، ورسم أوفاق وهي عبارة عن المربعات السحرية (التي تحتوي على أحرف وأرقام وأسماء ملائكة وأسماء خُدّام) والتي فيها صيغة حسابية موحدة عمودياً وافقياً وقطرياً.


أوجه التشابه بين خدام الحروف والمانترا
1-  قدسية الحرف أو الصوت
في المانترا، يُنظر إلى الصوت بوصفه تجلياً للطاقة الإلهية. فالحروف مثل "أوم" (Om) تُعتبر حروفًا كونية أصلية، وهي ليست مجرد لفظ، بل اهتزاز يحمل طاقة روحية هائلة.

في علم الحروف الإسلامي الصوفي، يُنظر إلى كل حرف عربي على أنه مفتاح لسرٍ غيبي، له خادم موكَّل، ويُقال إن الحروف العربية "نزلت من اللوح المحفوظ"، أي أنها كونية أيضًا.

2-  استخدام الحروف/الأصوات للتأثير في النفس أو الكون
في الهندوسية، تُستخدم المانترا في التأمل والشفاء والطاقة. تكرار المانترا يُعتقد أنه يُنقّي العقل ويستدعي الطاقات العليا.

في السحر الحروفي، تُستخدم العزائم التي تتكرر فيها أسماء خُدام الحروف (مثل: طهطائيل، مهطائيل...) لتحريك قوة روحانية غيبية نحو هدف محدد.

3- ارتباط الحروف بعناصر الطبيعة والكون
في بعض المدارس الهندوسية، تُربط أصوات المانترا بـ الشاكرات، والكواكب، والعناصر (التراب، الماء، النار...).

في الفكر الحُروفي، كما رأينا، يُقال إن كل خادم حرفي يرتبط بـ عنصر (ماء، نار، هواء، تراب)، وأحياناً بكوكب ويوم معين.


أوجه الإختلاف بين خدام الحروف والمانترا

1- الغاية من الاستخدام
- في المانترا، الاستخدام الأساسي هو التأمل والاتصال الإلهي أو التطهير الداخلي.

- في السحر الحُروفي، قد يكون الاستخدام دنيويًا أو نفعياً أو أحيانًا تسخيريًا (جلب، طرد، شفاء، ضرر).

2- الإطار العقائدي
- المانترا جزء أصيل من الفلسفة الهندوسية، وتُستخدم ضمن نظام ديني له معابد وكهنة.

- أما خُدام الحروف، فهي فكرة نشأت في هوامش التصوف الإسلامي وامتزجت لاحقًا بالسحر، وغالبًا ما تُعد مخالفة للعقيدة الإسلامية إن استُخدمت خارج إطار التأمل المشروع.

هل استخدام خُدّام الحروف حرام أم حلال ؟
رغم أن هذه الممارسات تجد لها أصولاً في بعض التيارات الصوفية المتأخرة، فإن الإسلام الواضح والصريح يرفضها تماماً. فاستدعاء الأرواح أو خُدّام يُعتقد بأنهم يتحكمون في قوى الحروف يُعد من أعمال السحر التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الله تعالى: "وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر..." (البقرة: 102)

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من أتى كاهناً أو عرّافاً فصدّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد."

وبالتالي، فإن الإيمان بأن لكل حرف خادم يُمكن تسخيره لتحقيق أغراض دنيوية هو ضرب من الشرك بالله، لأنه يُعطي المخلوق قدرة على التأثير في الكون دون إذن الخالق.


رمزية الحرف بين الصوفية والسحر
رغم التحذير الإسلامي من السحر، لا يمكن إنكار أن "علم الحروف" كان له حضور في بعض مدارس التصوف الفلسفي، مثل عند محيي الدين بن عربي، الذي نظر إلى الحروف باعتبارها مفاتيح للمعرفة الروحية، لا أدوات للتسخير أو الطلاسم. الفرق هنا دقيق لكنه جوهري: الصوفي يستخدم الحرف للتأمل، بينما يستخدمه الساحر للسيطرة.

طهطائيل وبقية خُدّام الحروف ليسوا مجرد أسماء في كتب قديمة، بل يمثلون تقاطعاً مثيراً بين اللغة، والرمز، والغيب، والسحر. لكن الخط الفاصل بين استخدام الحرف كوسيلة تأمل روحي، واستخدامه كوسيلة تسخير وتكهن، هو خط دقيق يجب الانتباه إليه ، فالموروث الإسلامي السليم ينبّه إلى أن العالم الغيبي له ضوابطه، وأن التعدي على أسراره بسحرٍ أو عزائم هو مدخلٌ خطيرٌ إلى الشرك، مهما تنكّر بثوب الحكمة أو العلم الروحي.

تنويه
هذا المقال يُقدَّم لأغراض الدراسة والتحليل الثقافي والتراثي فقط، ولا يدعو بأي حال إلى ممارسة الطلاسم أو استخدام الأسماء المذكورة.


إقرأ أيضاً ...

0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .

 
2019 Paranormal Arabia جميع الحقوق محفوظة لـ