![]() |
إعداد : كمال غزال |
في قلب خليج سان فرانسيسكو، وعلى صخرة معزولة تحاصرها المياه الباردة والتيارات العنيفة، يقف سجن "ألكاتراز" كأحد أكثر الأماكن إثارة للرعب والفضول في التاريخ الأمريكي. لم يكن "ذا روك" مجرد سجن فدرالي شديد الحراسة، بل أصبح بعد إغلاقه أسطورة حيّة، تتناقلها الألسنة وتتنافس الروايات حوله، خاصة ما يتعلق بما يُقال إنه "سكانه" الذين لم يغادروه قط: الأشباح.
سجن لا هروب منه
بدأت قصة ألكاتراز في خمسينيات القرن التاسع عشر 1850s، عندما استُخدمت الجزيرة كموقع عسكري، ثم تحول إلى سجن فدرالي عام 1934.
وكان الغرض من بنائه هو احتواء أخطر المجرمين الذين لم تستطع السجون الأخرى السيطرة عليهم. فبفضل موقعه المعزول عن اليابسة، اعتُبر ألكاتراز سجنًا "مستحيلاً للهروب"، إذ إن التيارات المائية العنيفة ومياه المحيط الباردة كانت كفيلة بإجهاض أي محاولة للفرار.
وكان الغرض من بنائه هو احتواء أخطر المجرمين الذين لم تستطع السجون الأخرى السيطرة عليهم. فبفضل موقعه المعزول عن اليابسة، اعتُبر ألكاتراز سجنًا "مستحيلاً للهروب"، إذ إن التيارات المائية العنيفة ومياه المحيط الباردة كانت كفيلة بإجهاض أي محاولة للفرار.
شهد السجن 14 محاولة هروب قام بها 36 سجيناً، أشهرها محاولة عام 1946 التي تحولت إلى مجزرة دموية. ستة سجناء تمردوا واحتجزوا بعض الحراس، وانتهت المواجهة بمقتل ثلاثة سجناء وحارسين. كانت هذه الحادثة أكثر لحظات السجن دموية، وظلت محفورة في جدرانه وأذهان من عاشها.
نزلاء من العيار الثقيل
لم يكن ألكاتراز مكاناً لعامة المجرمين، بل استقبل أسماء خطّت صفحات كاملة في سجل الجريمة الأمريكية، منهم: آل كابوني، زعيم المافيا الشهير، الذي قضى سنواته الأخيرة في السجن وهو يعزف على آلة البانجو ، "ماشين غن" كيلي، أحد أبرز رجال العصابات في ثلاثينيات القرن الماضي ، جيمس "وايتي" بولجر، العقل المدبر لإحدى أخطر العصابات في بوسطن ، ميكي كوهين وبامبي جونسون رموز عالم الإجرام في لوس أنجلوس ونيويورك ، الطبيعة العنيفة لهؤلاء السجناء، والضغط النفسي الهائل الذي تعرضوا له، أسهمت - بحسب البعض - في خلق بيئة خصبة لولادة ظواهر ماورائية.
همسات الأشباح وأصوات البانجو
رغم إغلاق السجن عام 1963، لم تتوقف الحكايات الغريبة التي تخرج من جدرانه الباردة. أكثر هذه القصص شهرة تتعلق بآلة البانجو. يقول زوار وموظفون في الموقع أنهم سمعوا – في أوقات مختلفة – ألحاناً باهتة تُعزف ليلاً في غرفة الاستحمام أو من زنزانة آل كابوني نفسها. والمثير أن هذه الأصوات تأتي رغم خلو المكان تماماً، وكأن روح كابوني، التي لم تعرف الهدوء، وجدت في العزف عزاءها الأبدي.
زنزانة الرعب 14D
إذا كان لألكاتراز موقع يحمل لقب الأكثر رعباً، فهو بلا شك الزنزانة 14D، المخصصة للعزل الانفرادي. في أربعينيات القرن العشرين، وردت قصة عن سجين صرخ ليلة كاملة مدّعياً أن " مخلوقاً ذا عيون متوهجة " يهاجمه داخل الزنزانة، تجاهل الحراس صراخه، ووجدوه ميتاً في صباح اليوم التالي. ومنذ ذلك الحين، يزعم كثير من الزوار والموظفين أنهم يشعرون بقشعريرة خاصة عند المرور بتلك الزنزانة، وكأن الظلام فيها أكثر كثافة، والهواء أكثر برودة.
شهادات الحراس أنفسهم
اللافت أن عدداً من الحراس السابقين والمعروف عنهم الواقعية والانضباط سجلوا شكاوى غريبة مثل سماع أنينٍ وبكاء صادر من الزنزانات الفارغة، أو وجود بقع من الهواء البارد في أماكن مغلقة، أو حتى روائح لا تفسير لها ، حتى الحاكم جونستون، الذي كان من أشد المشككين في الظواهر الخارقة، صرّح ذات مرة أنه سمع نحيباً قادماً من خلف الجدران دون وجود أي سجين في المكان، وهي حادثة حيّرت الجميع.
من الغلق إلى الخلود في الأسطورة
بحلول عام 1963، أُغلق السجن نهائياً لأسباب متعددة: تكلفة تشغيل مرتفعة، تآكل المباني بفعل الملح والرطوبة، وظهور سجون أحدث وأكثر فعالية. ولكن رغم توقف ألكاتراز عن احتجاز البشر، يبدو أنه لم يتوقف عن احتجاز الذكريات... والأرواح.
تحقيقات صائدي الأشباح
![]() |
جولة لصائدي الأشباح في السجن |
مع ذلك، حتى بعض العاملين اليوم في الجزيرة، رغم إنكارهم للإيمان بالأشباح، يعترفون بأنهم عاشوا لحظات يصعب تفسيرها... ما بين همسات مجهولة، وأبواب تُغلق وحدها، وظلال عابرة في الرواق.
ألكاتراز اليوم: سياحة في قلب الظلام
اليوم، تحول ألكاتراز إلى موقع سياحي تحت إشراف دائرة الحدائق الوطنية الأمريكية، يزوره ملايين السياح سنوياً، لا ليروا فقط تاريخ الجريمة، بل ليختبروا بأنفسهم، إن كانوا يملكون الجرأة، ما إذا كانت أرواح السجناء لا تزال تتجول بين الزنزانات ، إذ تحول المكان إلى أحد أشهر الوجهات السياحية في الولايات المتحدة حيث تُنظم رحلات يومية من رصيف سان فرانسيسكو (Pier 33) تنقل الزوار عبر قوارب إلى الجزيرة وتمكنهم التجول بين الزنازين، وغرف الحراس، والساحات، وحتى الزنزانة 14D الشهيرة.
الرحلات تتوفر بعدة لغات، وتشمل جولات صوتية تفاعلية تُروى فيها قصص نزلاء السجن، ومحاولات الهروب، والمواجهات الدموية. لكن أكثر ما يجذب الزوار – إلى جانب التاريخ – هو الغموض... فالكثيرون يأتون فقط للتقصي عن الأشباح، أو على أمل التقاط صور لما لا يُرى بالعين المجردة.
صور الأشباح: هل هي دليل أم خدعة ؟
![]() |
صور أشباح مزعومة في سجن ألكاتراز |
لكن عند التحقيق في هذه الصور، اتضح أن العديد منها كان إما مفبركاً باستخدام تقنيات رقمية، أو نتاجاً لانعكاسات ضوء وظروف التصوير في الأماكن المظلمة. خبراء التصوير أشاروا إلى أن بعض تلك الصور التُقطت بزوايا محددة تُسبب خداعًا بصريًا، فيما أوضح موظفون في ألكاتراز أن بعض الصور الشهيرة تم التلاعب بها لاحقًا.
ومع ذلك، فإن الجدل حولها لم ينتهِ؛ فهناك من يزعم أنه التقط صوراً دون تعديل، ويصر على أنها تظهر كيانات حقيقية تسكن المكان. وحتى اليوم، لا يوجد إجماع حاسم، ما يزيد من غموض ألكاتراز ويعزز أسطورته الماورائية.
سواء كنت من المؤمنين بالماورائيات، أو من المتشككين المتمسكين بالتفسير العقلي، فإن سجن ألكاتراز يبقى أحد أكثر الأماكن سحراً وغموضاً في الذاكرة الأمريكية. ففي كل حجرٍ فيه قصة، وفي كل زنزانةٍ صدى صرخةٍ لم تهدأ. والسؤال الذي يظل عالقاً: هل حقاً غادر الجميع "ذا روك"... أم بقي البعض هناك، للأبد ؟
0 تعليقات:
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .