28 يونيو 2025

انتهاكات جنسية باسم الجن العاشق وخلف ستار "الرقية الشرعية"

إعداد :  كمال غزال

في عالمنا العربي، حيث تتداخل المعتقدات الدينية مع العادات الشعبية، تحتل الرقية الشرعية مكانة خاصة في قلوب كثير من الناس، خصوصاً النساء. فهي تُقدَّم كعلاج روحي للأمراض النفسية والعضوية، أو لطرد الأرواح الشريرة و"الجن العاشق" الذي يُعتقد أنه يتلبس الجسد ويتسبب في اضطراب حياة الضحية.

لكن ما لا يُقال علناً، أن هذه الممارسة تحوّلت في كثير من الحالات إلى بوابة لانتهاكات جنسية خطيرة، تستغل فيها النساء في لحظات ضعف نفسي وجسدي، باسم الدين، وبحجة إخراج الجن العاشق بالجنس.


الجن العاشق والرقية الشرعية: مدخل للخرافة والاستغلال
تنتشر في الثقافة الشعبية العربية روايات كثيرة عن الجن العاشق - كيان غيبي يُقال إنه يقع في حب النساء ويتلبس أجسادهن، فيمنعهن من الزواج أو يتسبب لهن في الإجهاض أو الأمراض. ويُقدَّم الراقي الشرعي كمن يملك السلطة الروحية لطرد هذا الجني عبر الرقية الشرعية، وهي مجموعة من الآيات والأدعية يتلوها على المريضة غالباً في جلسة خاصة.

لكن الخطير أن بعض الرقاة غير المؤهلين أو المدّعين يستخدمون هذا الاعتقاد لابتزاز النساء جنسياً ،  بحجة أن الجن العاشق لا يخرج إلا بالمواجهة الجسدية، يُقنعون النساء أن ممارسة الجنس مع "الراقي" ضرورية للعلاج، أو يلمسون أجسادهن بحجة طرد الجني الذي "يسكن الرحم أو الفخذ أو الصدر".

هذه السلوكيات ليست استثناءً، بل كشفت تحقيقات صحفية موثقة – أبرزها تحقيق BBC عربي – عن 85 حالة في المغرب والسودان اتُهم فيها 65 راقٍ شرعي بالتحرش أو الاعتداء الجنسي أو حتى الاغتصاب، غالبًا تحت شعار “علاج الجن العاشق” أو الرقية الشرعية الجنسية.

حين تصبح الرقية الشرعية غطاءً للاغتصاب
في المغرب، شهدت مدن مثل بركان والدار البيضاء فضائح أخلاقية مدوية لرقاة يُفترض أنهم متخصصون في الرقية الشرعية. ففي قضية " معروفة باسم "راقي بركان"، تم العثور على مئات المقاطع الجنسية لفتيات خُدرن أو خدعن خلال جلسات رقية، وتم اغتصابهن وتصويرهن دون علمهن. وقد ادعى الراقي لاحقاً أنه مارس الجنس مع أكثر من 1500 امرأة، كثيرات منهن "لإخراج الجن العاشق".

وفي السودان، روت ضحايا كيف استغل شيوخ معروفون حالتهن النفسية الصعبة وعرضوا عليهن "جلسات تطهير" تتضمن اللمس المباشر أو الإيحاء الجنسي أو حتى الجماع الصريح، مدّعين أن ذلك جزء من إخراج الجن العاشق الذي لا يمكن طرده إلا من خلال "السوائل الجسدية".

إحدى السيدات - سوسن من الخرطوم -  قالت إنها عندما قصدت معالجاً بعد أن هجرها زوجها، اقترح عليها أن يمارس الجنس معها ثم يستخدم السوائل الناتجة لتحضير "جرعة سحرية" تعيد زوجها. هذا الربط بين الجنس والرقية الشرعية بات نمطاً متكرراً في حالات كثيرة.

صمت الضحايا... وخوف من الجن والعار
العديد من النساء لا يُبلّغن عن هذه الانتهاكات. لماذا ؟  لأن المجتمع غالباً يُحمِّل المرأة المسؤولية، ويدينها بدل أن يتعاطف معها. كثيرات يخشين من الفضيحة أو لا يجدن شهوداً على ما جرى. بعضهن حتى يؤمن أن الراقي قد يؤذيهن روحياً أو أن "الجن العاشق" سينتقم إن فضحنه !

وفي تحقيق BBC، تبيّن أن العار والخوف من الانتقام الروحي يمنع كثيراً من النساء من الحديث، خاصة عندما يُخدرن أو يُغيب وعيهن خلال الجلسات. إحدى النساء استيقظت لتجد نفسها عارية بعد أن شمّت مادة ظنتها "مسكًا"، ثم أخبرها الراقي أن ما حصل كان ضرورياً لأن الجن العاشق "يرفض الخروج إلا بالعنف" ، هذه العقلية تجعل ضحايا الاغتصاب باسم الرقية الشرعية يشعرن بالخجل بدل الغضب، ويلزمن الصمت بدلاً من طلب العدالة.

ضعف القانون وتواطؤ بعض المؤسسات
رغم حجم الانتهاكات، فإن القوانين في الدول العربية كالمغرب والسودان لا تُنظم مهنة الرقية الشرعية بشكل واضح. فالمراكز تفتح دون ترخيص أو رقابة، ولا توجد شروط علمية أو دينية حقيقية لممارسة هذه "المهنة"، التي أصبحت ملاذاً للدجالين والمحتالين.

في المغرب، تعتبر السلطات أن الرقية موضوع "ديني"، وأن الحل يكمن في "الوعظ" وليس في التشريع. أما في السودان، فقد أقرت وزارة الأوقاف بأن مهنة الرقية أصبحت "مهنة من لا مهنة له"، لكنها لم تضع قوانين صارمة تضبط هذه الممارسة.

النتيجة ؟ راقٍ يتحرش أو يغتصب، ثم ينكر، ولا تُوجَّه له التهم إلا إذا ظهرت دلائل مادية. أما النساء اللواتي لا يمتلكن أدلة، فيُجبرن على الصمت، أو يتهمن بـ"الفتنة" أو "الرضا الضمني" في حالات كثيرة.

الإعلام والمجتمع المدني: كسر حاجز الخوف
لولا الإعلام، لبقيت كثير من هذه القصص طيّ الكتمان. فقد لعبت التحقيقات الصحفية، ومبادرات المجتمع المدني، ومنصات التواصل الاجتماعي دوراً كبيراً في فضح الرقاة المتحرشين وكشف الاستغلال الذي يتم تحت مظلة الرقية الشرعية والجنس.

وبفضل الضغط الإعلامي، تم اعتقال بعض الجناة – مثل راقي بركان – وتقديمهم للمحاكمة، لكن المشكلة لا تزال بنيوية: غياب رقابة، وتقديس للرقاة، وصمت الضحايا.

الحلول: تقنين، رقابة، بدائل آمنة
الحل لا يكون بالتخلي عن الرقية الشرعية، بل بتنقيتها من الدجل والاستغلال:

- تقنين المهنة: إصدار قانون واضح يشترط مؤهلات شرعية وطبية لمزاولة الرقية، مع ترخيص رسمي ورقابة دورية.

- فصل النساء عن الرجال: تخصيص مراكز رقية نسائية تديرها راقيات مؤهلات، مثل تجربة الشيخة فاطمة في السودان.

- توعية النساء: حملات توعوية تُبيِّن أن "الرقية الشرعية" لا تعني الخلوة، ولا تسمح باللمس أو الجنس، وأن "الجن العاشق" ليس مبررًا للانتهاك.

- تعزيز الدعم النفسي: إنشاء مراكز علاج نفسي مجانية للفئات الفقيرة، لتقليل لجوء النساء إلى الرقاة عند أول أزمة.

- دور المؤسسة الدينية: يجب على علماء الدين والمؤسسات الرسمية إصدار فتاوى صريحة تُجرّم ربط الجنس بطرد الجن العاشق، وتدعو إلى محاسبة الرقاة المنحرفين.

لا رقية شرعية تُبرر التحرش
إن الرقية الشرعية في الإسلام شكل من العبادة يُراد بها شفاء الروح والجسد بكلام الله، لكن حين تتحول إلى أداة للسيطرة الجنسية على النساء، فهي ليست رقية... بل اعتداء مقنّع.

وحين يُقال للمرأة إن الجن العاشق لا يخرج إلا بالجنس، فلتعلم أن من يقول ذلك ليس شيخاً بل شيطاناً بشرياً يستغل ضعفها باسم الدين.

لقد آن الأوان لمواجهة هذا الانحراف الصامت، ليس فقط بحملات إعلامية، بل بتشريعات، وتثقيف، ومحاسبة علنية ، فما بين الجن العاشق والجنس، هناك جرائم ترتكب، ونساء يُغتصبن، وأسر تُدمر... وكل ذلك يُبرر بآيات من القرآن ، ولا شيء أكثر كفراً من أن يُرتكب الظلم باسم كلام الله.


0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .

 
2019 Paranormal Arabia جميع الحقوق محفوظة لـ