![]() |
إعداد : كمال غزال |
في أعماق الصحراء الكبرى، داخل جبال الطاسيلي ناجر جنوب شرق الجزائر، تقع واحدة من أكثر المواقع إثارةً وغموضاً في العالم: سيفار. إنها ليست مجرد أطلال أثرية، بل متحف طبيعي مفتوح، يحتوي على آلاف الرسوم الصخرية العجيبة، التي دفعت بعض الباحثين إلى وصفها بـ"أعظم كنز فني لما قبل التاريخ". لكنّ شهرة سيفار لا تقف عند حدود الفن الصخري فقط، بل تتعداها إلى أساطير وحكايات عن حضارة غابرة، وادعاءات عن كائنات غير بشرية كانت ، كما يزعم البعض ، على اتصال بسكان الأرض.
أين تقع سيفار ؟
تقع مدينة سيفار في هضبة الطاسيلي ناجر الواقعة شرق ولاية إليزي الجزائرية، بالقرب من الحدود مع ليبيا والنيجر.
المنطقة جبلية معقدة، تعج بالكهوف والممرات الطبيعية، مما جعل الوصول إليها صعباً حتى للباحثين والمستكشفين.
المنطقة جبلية معقدة، تعج بالكهوف والممرات الطبيعية، مما جعل الوصول إليها صعباً حتى للباحثين والمستكشفين.
حضارة سيفار القديمة: من سكنها ؟
يُعتقد أن المنطقة كانت مأهولة منذ أكثر من 10 آلاف عام، حين كانت الصحراء الكبرى خضراء، مليئة بالأشجار والأنهار والحياة البرية. في ذلك العصر، عاشت قبائل قديمة تركت وراءها آلاف الرسوم الصخرية التي تصور مشاهد من حياتهم اليومية: صيد، رقص، طقوس روحية، وحتى صور لما يشبه الأساطير.
تُظهر الرسوم الصخرية أشخاصاً يرتدون ما يشبه الخوذات أو الأقنعة، وحيوانات ضخمة انقرضت مثل الفيلة والجاموس، مما يثبت أن المناخ في تلك الحقبة كان خصباً وغنياً بالماء.
الرسوم الصخرية الغامضة: من هم "الرسرمان"؟
في كهوف سيفار، تنتشر رسوم لهيئات بشرية ضخمة، لها رؤوس مستديرة بلا ملامح واضحة، بعضها يبدو كأنه يرتدي خوذات أو بدلات ضيقة تغطي الجسد بالكامل. يُطلق على هذه الكائنات لقب "الرسرمان" The Round-Headed Men، وهي الرسوم التي حيرت علماء الآثار والأنثروبولوجيا لعقود.
بعضها يبلغ طوله 3 أمتار أو أكثر، ويتكرر فيها نفس النمط: عيون مستديرة، أجساد نحيلة، وأوضاع توحي بالحركة أو الطقوس. وفي أحيان كثيرة، يظهر معها ما يشبه مركبات أو أدوات طيران.
![]() |
ما هي تلك الكائنات الغريبة ؟! |
هل كانت سيفار أرضاً خضراء ؟
نعم. الأبحاث الجيولوجية والأنثروبولوجية تؤكد أن الصحراء الكبرى لم تكن دوماً قاحلة. قبل نحو 9000 سنة، كانت منطقة الطاسيلي ناجر عبارة عن سهول خضراء، تجري فيها الأنهار وتعيش فيها الحيوانات، بما فيها الزرافات، والنعام، والتماسيح، وهي موثقة بوضوح في الرسوم.
تُعرف هذه الحقبة بـ"الفترة الرطبة الأفريقية" (African Humid Period)، التي امتدت من حوالي 10,000 قبل الميلاد إلى 3,000 قبل الميلاد.
رأي علماء الآثار: تفسير علمي أم أسطورة ؟
علماء الآثار مثل الفرنسي هنري لوت، الذي قاد بعثات استكشافية في خمسينيات القرن العشرين، كانوا أول من وثق رسومات سيفار بشكل موسّع. لوت صُدم بتعقيد الرسوم، واعتبرها انعكاساً لحضارة متطورة روحياً، إن لم تكن تكنولوجياً.
لكن رغم الغموض، الغالبية العظمى من العلماء يفسرون تلك الرسوم بوصفها تعبيرات فنية دينية أو طقوسية أو رموز لأرواح أو آلهة ، أو حتى رؤى هلوسية ناتجة عن استخدام نباتات مهلوسة في طقوس الشامانية.
هذه النظريات تجد دعماً في الثقافات القديمة الأخرى، التي رسمت كائنات مشابهة خلال حالات نشوة روحية.
سيفار والكائنات الفضائية: خيال أم احتمال ؟
نظريات "الفضائيين القدماء" وجدت في سيفار مادة خصبة. بحسب أنصار هذه النظريات، فإن أشكال "الرسرمان" تشبه الرموز المعاصرة للفضائيين الرماديين Grey Aliens وبعض الرسوم تُظهر أشكالاً كروية يُعتقد أنها مركبات طائرة.
البعض يرى في التنظيم المعماري لبعض الكهوف "أدلة هندسية" على معرفة خارقة لكن هذه الادعاءات لم تُثبت علمياً حتى الآن، ويعتبرها معظم علماء الآثار ضرباً من الخيال أو القراءة غير المنضبطة للمصادر البصرية.
هل سيفار مأهولة اليوم ؟ وما مصيرها ؟
المنطقة غير مأهولة حالياً، لكنها أصبحت موقعاً أثرياً محمياً من قبل اليونسكو منذ عام 1982 ضمن "حديقة الطاسيلي ناجر الوطنية". ومع ذلك، تواجه سيفار صعوبات تتعلق بصعوبة الوصول بسبب التضاريس والمناخ القاسي والافتقار للبنية السياحية الكافية والخطر على الرسوم بسبب العوامل الجوية والزمن.
لغز مفتوح في قلب الصحراء
سيفار ليست فقط أرشيفاً بصرياً لعصور منسية، بل مرآة لحضارة لم يُكتب لها البقاء، ولأسئلة لا تزال مفتوحة: من هم أولئك الذين سكنوا هناك؟ ولماذا رسموا تلك الصور؟ وهل هي خيال، دين، أم ذكرى من تواصلٍ غير بشري ؟
حتى اليوم، لا تزال سيفار لغزاً قائماً، تهمس بأسرارها في جدران الحجر، وتدعو من يجرؤ على قراءتها إلى رحلة بين الحقيقة والأسطورة.
إقرأ أيضاً ...
- دوائر المحاصيل : فن بشري أم رسا\ل من الكائنات الفضائية ؟
- صروح غامضة : بحث في أسرار البناء
0 تعليقات:
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .