25 يونيو 2025

بافومت: الرمز الذي أرعب العصور وكشف أسرار الطقوس

إعداد : كمال غزال
طالما أثار اسم بافومت الرعب والفضول في آنٍ معاً، فقد ارتبط هذا الكيان الهجين ذو الرأس الحيواني والجسم الإنساني بأساطير الشر وعبادة الشيطان، لكنه أيضاً تحول إلى رمز فلسفي لدى البعض ممن سعوا إلى تفسيره خارج الإطار الديني التقليدي.

ما هي حقيقة بافومت ؟ 
 من أين جاء هذا الاسم ؟ وهل كان حقاً معبوداً لفرسان الهيكل أم اختلاقاً ظهر لاحقاً بهدف "شيطنتهم" ؟ هذا المقال يستعرض جميع أوجه هذا الرمز الغامض.

أصل الاسم والظهور الأول
ظهر اسم بافومت أو بافوميت Baphomet لأول مرة في الوثائق التي تعود إلى محاكمات فرسان الهيكل في أوائل القرن الرابع عشر.

يرى بعض المؤرخين أن الكلمة ربما كانت تحريفاً لاسم النبي محمد Mahomet كما نطقته اللاتينية في العصور الوسطى، إذ اتُهم الفرسان باعتناق دين "بافومت" ضمن اتهامات الردة والهرطقة.

في عام 1307، اعتُقل فرسان الهيكل في فرنسا بأمر من الملك فيليب الرابع، ووجهت إليهم تهم بعبادة كيان غريب يدعى بافومت، وُصف أحياناً بأنه رأس مقطوع، وأحياناً تمثال بوجه إنسان أو حيوان. لكن لم يُعثر على أي تمثال فعلي أو وثيقة داخلية تشير لعبادته من قبل الفرسان، مما يثير الشكوك حول اختلاق هذه التهمة.

بافومت وفرسان الهيكل: أسطورة أم حقيقة ؟
يُعتقد أن تهمة عبادة بافومت كانت جزءاً من مؤامرة لتدمير تنظيم فرسان الهيكل بسبب ثروتهم ونفوذهم، بدعم من الكنيسة الكاثوليكية. رغم أن بعض الشهادات تحت التعذيب زعمت وجود طقوس غريبة، إلا أن المؤرخين المعاصرين يرون أنها كانت ملفقة لأغراض سياسية.

هل عبدوه فعلاً ؟
لا يوجد دليل أثري قاطع يربط فرسان الهيكل بعبادة تمثال باسم بافومت. بل يُنظر إلى هذه التهم كجزء من حرب دعائية في القرون الوسطى لإسقاط تنظيم قوي ومستقل عن سلطة الكنيسة والملك.


رمزية بافومت: الاتحاد بين الأضداد وتجسيد التمرد الرمزي
بافومت - رسم إيليفاس ليفي
النسخة الأشهر من بافومت كما نعرفها اليوم أي المخلوق المجنح ذو صدر أنثوي، جسد إنساني، ورأس تيس، يرفع يديه بأصابع تشير إلى الأعلى والأسفل رسمها المفكر الفرنسي الباطني إيليفاس ليفي في كتابه "عقيدة وطقوس السحر الأعلى" Dogme et Rituel de la Haute Magie عام 1854.

فلسفة ليفي في بافومت: توازن الأضداد
وفقًا ليفي، لم يكن بافومت شيطاناً شريراً، بل رمزاً للفكر الهرمسي الذي يدمج بين الثنائيات الكونية: ذكر وأنثى ، نور وظلام ، خير وشر ، روح ومادة ، أعلى وأسفل

اعتبر ليفي بافومت تجسيداً لفكرة أن الحقيقة تكمن في توازن الأضداد، لا في قمع أحد الطرفين لصالح الآخر، تمامًا كما في القاعدة الخيميائية " كما في الأعلى كذلك في الأسفل " (As Above, So Below)، والتي جسدها برفع إصبع إلى السماء وإنزال الآخر إلى الأرض.

رأس التيس: من الأسطورة إلى الرمز
اختار ليفي رأس التيس لعدة أسباب رمزية، تستمد جذورها من الأساطير والدين:

في الأساطير الإغريقية، تظهر كائنات الـساتير Satyrs وخصوصاً الإله "بان" وهي كائنات نصفها إنسان ونصفها تيس كرمز للغرائز، الفوضى، الشهوة، والاتصال بالطبيعة البدائية. وقد اعتُبر "بان" مسبباً للذعر واللا عقلانية ليسيطر لاحقاً على هيئة بافومت.

وفي المسيحية في حقبة العصور الوسطى، اتُخذ رأس التيس لتجسيد الشيطان، لكونه يقف مقابل "حمل الله" Lamb of God. فالقرون، والذقن الطويلة، والعينان الواسعتان، كانت أدوات مرئية لإثارة الرهبة وربط الكائن بالشيطنة.

وبهذا، أصبح رأس التيس في بافومت تجسيداً لـالقوة الحيوانية، التمرد على السلطة، والاتصال بالمجهول والمحرّم.

معنى الرموز في صورة بافومت
- القرون: تمثل القوة الغريزية والطبيعية.

- الثديان: يرمزان إلى الأنوثة والخصوبة، والجانب الأنثوي في الطبيعة.

- الشعلة فوق الرأس: النور العقلي والمعرفة الباطنية، التي تُضيء في وسط الظلام.

- اليد المرفوعة واليد المخفضة: تمثل قاعدة "كما في الأعلى كذلك في الأسفل"، أي أن ما يحدث في السماء ينعكس على الأرض.

- الأجنحة: تشير إلى الارتقاء الروحي، رغم تجذّر الكائن في المادة.

- النجمة الخماسية المقلوبة: انقلاب على النظام
في منتصف جبين بافومت، تتوضع نجمة خماسية مقلوبة، وهي واحدة من أكثر رموزه إثارة للجدل. النجمة الخماسية Pentagram في الأصل رمز قديم يمثل العناصر الخمسة (النار، الماء، الهواء، الأرض، والروح) أو الإنسان بيديه ورجليه ورأسه كقمّة لكن حين تُقلَب، كما في صورة بافومت يصبح رأس التيس في الأعلى، وهو تمثيل مرئي للهيمنة الحيوانية على الروح ، ترمز إلى التمرد على النظام الإلهي، وانقلاب الهرم الكوني، وهو ما اعتمده عبدة الشيطان لاحقاً كتحد للمفاهيم الدينية التقليدية.

هكذا، فإن النجمة المقلوبة لا تمثل "الشر" فقط، بل أيضاً إعادة ترتيب الأولويات: الغريزة أولًا، الروح لاحقاً، أو حتى تجاهلها بالكامل. وهو ما جعلها تُستخدم على نطاق واسع في حركات باطنية مضادة للكنيسة، أو في طقوس السحر الأسود.

بافومت وعبدة الشيطان
أنطون لافاي زعيم كنيسة الشيطان مع شعار بافومت
الجمعية الشيطانية The Church of Satan ، أعاد أنطون لافاي في ستينيات القرن العشرين استخدام رمز بافومت في كتابه الإنجيل الشيطاني (1969)، واعتمده شعاراً لكنيسته "كنيسة الشيطان". ظهر هنا بافومت داخل نجمة خماسية مقلوبة، تحيط بها حروف عبرية تُكمل اسم "ليفياثان" Leviathan.

رمزية الشيطان عند لافاي
لدى لافاي، لم يكن الشيطان كائنًا خارقًا بل رمزًا للقوة الإنسانية والرغبة والتمرد على القيود الدينية. بافومت هنا يمثل السيادة الفردية وليس الشر المطلق.



بافومت في الفنون والطقوس
استُخدم رمز بافومت بكثرة في الموسيقى، خاصة في اتجاهات الميتال والروك، كما ظهر في أفلام الرعب والألعاب الإلكترونية، مما عزز صورته كرمز شيطاني.

يُزعم أن بعض جماعات السحر الأسود تستخدم تماثيل بافومت في طقوس لاستحضار قوى خارقة أو للتواصل مع "أرواح كونية". إلا أن هذه الادعاءات غالبًا ما تبقى في إطار التخويف الإعلامي دون أدلة موثقة.

هل بافومت هو الشيطان ؟
رغم ارتباطه الشائع بالشيطان، إلا أن بافومت لم يكن في أصله "الشيطان الكتابي". بل تطور عبر الزمن من تهمة مبهمة إلى رمز فلسفي ثم إلى أداة في حروب ثقافية بين الدين والعلمانية، بين السلطة والتمرد.

بافومت ليس مجرد صورة مرعبة، بل مرآة ثقافية تعكس الخوف من المجهول، وصراع الإنسان بين الظلام والنور، وبين التقييد والتحرر. ورغم محاولات البعض لجعله رمزًا شيطانيًا صرفًا، إلا أن تاريخه يكشف عن تداخل معقد بين الأسطورة والتاريخ والفكر الرمزي.

يظل بافومت حتى اليوم لغزاً يجمع بين الغموض والجاذبية، ويطرح تساؤلات حول معنى الشر، والرمز، والتوازن بين القوى المتضادة.


إقرأ أيضاً ...

0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .

 
2019 Paranormal Arabia جميع الحقوق محفوظة لـ