![]() |
إعداد : كمال غزال |
في شارع سريلانكا الهادئ بحي الزمالك العريق، حيث تختبئ الفيلات القديمة خلف أشجار اللبخ، تقع واحدة من أكثر بيوت القاهرة إثارة للجدل والأساطير… فيلا عائلة أبو عوف. من الخارج، تبدو كأي منزل كلاسيكي من بقايا الزمن الجميل، لكنها من الداخل تحكي حكاية مختلفة تماماً ، قصة موسيقى، وأشباح، واسم يهودي قديم لم يغادر الجدران: شيكوريل.
من تاجر فاخر إلى ضيف غامض
في عام 1958، انتقل الفنان والملحن المصري أحمد شفيق أبو عوف بعائلته إلى فيلا قديمة، بناءً على رغبة زوجته. لم يعلم حينها أن تلك الجدران ستصبح مسرحاً لروايات لم تكتبها الصحافة الفنية، بل صنعتها الذاكرة الغامضة للعائلة.
مرت سنوات قليلة، وبدأ الأبناء يرون ما لا يُرى: رجل طويل الشعر، بشعر أبيض، وعينين جاحظتين، يمرّ صامتاً في ممرات الفيلا، ويختفي عند الزوايا. لم يكن هناك تفسير. حتى جاء اليوم الذي ظهر فيه هذا الكائن للأب نفسه، وهو العازف الذي لم يؤمن بالأشباح قط… حتى سمع لحنه يُصفّر وحده، ورأى وجهاً أبيض يتشكّل من خيط ينسل تحت الباب، ويقترب منه بصمت، ثم يومئ برأسه قائلاً: "أنا هنا." ، فرّ الأب إلى الإسكندرية بملابس النوم، وبدأت الأسطورة تتشكل.
ومن الجدير بالذكر أن أحمد شفيق أبو عوف كان معروفاً بأنه ضابط سابق ثم عازف وملحن موسيقي، ووالد الفرقة العائلية الشهيرة "فور إم" التي كانت تتكون من ابنه الموسيقى والممثل لاحقاً عزت ابو عوف وبناته، فيما كان هو قائد الفرقة الموسيقية المصاحبة.
من هو شبح الفيلا ؟
قال عزت أبو عوف لاحقاً في أحد اللقاءات إن الشبح الذي يسكن فيلتهم هو "سلفادور شيكوريل"، رجل يهودي كان يمتلك شركات شهيرة، وقُتل في الفيلا قديماً. أما شقيقته مها أبو عوف فكانت تروي الحكاية بذات الاسم، مضيفة أن الشبح مسالم لكنه حاضر دائماً. حتى الفنانة يسرا، التي نامت ليلة في الفيلا، هربت من الرعب بعدما سمعت خطوات تقترب من باب الغرفة… خطوات لا تعود لأحد من الأحياء.
لكن مع مرور الزمن وعودة الباحثين إلى الأرشيف، برز سؤال مربك:
هل كان هناك فعلاً شخص يُدعى سلفادور شيكوريل قُتل في هذه الفيلا ؟
التباس الأسماء: الحقيقة تطارد الخيال
عائلة شيكوريل حقيقية، وهي من أبرز العائلات اليهودية في مصر. أسسها الأب مورينو شيكوريل الذي هاجر من إزمير، وفتح سلسلة متاجر راقية باسم العائلة ، وقد أنجب ثلاثة أبناء بارزين:
سولومون شيكوريل (Salomon) – وُلِد عام 1881، وكان رئيس الطائفة اليهودية في القاهرة ، قُتل فعلياً في حادثة سطو داخل فيلته بحي الجيزة عام 1927، حين طعنه لصوص أثناء مقاومته لهم
وسلفاتور شيكوريل (Salvator) رياضي أولمبي، وعضو بارز في نادي مكابي اليهودي وهو لم يُقتل، بل غادر مصر إلى فرنسا بعد التأميم في الخمسينيات، وتوفي في باريس عام 1975.
وأخيراً يوسف شيكوريل الذي كان من الشركاء المؤسسين لبنك مصر مع طلعت حرب.
إذًا من هو الشبح فعلاً ؟
إذا كان الشبح المنسوب للفيلا هو مالك يهودي قُتل في الفيلا قديماً، فإن الاسم الأقرب إلى الحقيقة هو: سولومون شيكوريل، وليس سلفاتور ، علماً أن سولومون لم يُقتل أصلاً في فيلا أبوعوف.
لكن يبدو أن الذاكرة الشعبية - أو ربما خلطاً في التسمية داخل العائلة - جعلت الاسم المتداول هو سلفاتور أو سلفادور، رغم أن الأخير عاش حياة طويلة وتوفي بسلام في فرنسا ، ربما أيضاً لأن "سلفاتور" كان اسماً أسهل في النطق أو أكثر شهرة في الوسط الرياضي، بينما ارتبط اسم "سولومون" بحادثة نُسيت تفاصيلها مع الزمن.
وهكذا، اجتمع الواقع بالتخييل، لتولد أسطورة شبح "المالك القديم" الذي لا يزال يتجول في ممرات فيلا أبو عوف… بلا اسم دقيق، لكن بحضور لا يُخطئه من سكن هناك.
فيلا الذاكرة… وفيلا الخوف
بعد وفاة عزت أبو عوف في 2019، بقيت الفيلا رمزاً حيّاً لزمنٍ من الفن والرعب والغرابة وصارت تُذكر في تقارير المواقع الأجنبية عن " أشهر المنازل المسكونة في الشرق الأوسط "، وتُروى قصصها كأنها فصل من رواية غامضة لم تُكتب بعد.
فهل كان الشبح سولومون، التاجر الذي مات طعناً ؟ أم هو مجرد ظل خيال يسكن البيوت القديمة ويحاكي مخاوفنا ؟
ربما لن نعرف الجواب - لكن إن مررت بشارع سريلانكا يوماً، وسمعت لحناً غريباً في الليل، فلا تتوقف… فقط امشِ، ولا تلتفت.
إقرأ أيضاً ...
0 تعليقات:
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .