19 مايو 2025

Textual description of firstImageUrl

الجزيرة الحمراء: بين أنقاض الصيادين وهمسات الجن

إعداد :  كمال غزال

في عمق رأس الخيمة، وعلى مقربة من مياه الخليج العربي الهادئة، تستقرّ قرية مهجورة تعلوها رائحة الماضي. لا تُصدر صوتاً، لكنها تهمس… تهمس بذكريات الصيادين، بأصوات ليلٍ لا يُعرف مصدرها، وبظلال تتحرك حين لا ينبغي لها أن تتحرك.

الجزيرة الحمراء ليست مجرد موقع أثري يُرمَّم لأجل السياحة، بل هي حيّزٌ زمنيٌّ معلّق، انقطعت عنه الحياة فجأة وترك وراءه ما يشبه الفراغ ، فراغاً ملأه الناس بروايات عن الجن، وأرواح لا تزال تتجوّل بين جدران الطين. فما الذي حدث حقاً ؟ وهل نحن أمام تراث منسي، أم أن هناك شيئاً آخر يسكن هذه الأرض ؟

نبذة عن القرية التي "اختفت" فجأة
الجزيرة الحمراء المعروفة تاريخياً باسم "جزيرة الزعاب" كانت قرية مزدهرة منذ القرن السابع عشر، أنشأتها قبيلة الزعاب على أرضٍ حمراء تطلّ على البحر، وعاش فيها أكثر من 2000 نسمة امتهنوا صيد اللؤلؤ، الغوص، وبناء السفن. البيوت مبنية من الطين والمرجان، مزينة بأبراج الهواء (البراجيل) لتلطيف حر الصيف. لم يكن ينقص القرية شيء : أسواق، مساجد، حصون.

ثم فجأة، وفي نهاية الستينيات، غادرها أهلها جميعاً… دون حروب، دون دمار، ودون تفسير واضح. بعض الروايات تقول إنهم هجروها للانتقال إلى أبوظبي بحثًا عن حياة أفضل، لكنّ آخرين يؤكدون أن هناك ما دفعهم للمغادرة "في صمت"… وكأن هناك شيئًا لم يُرد لهم أن يبقوا.

ظواهر غامضة وتجارب مريبة
منذ ذلك الحين، بدأت الحكايات… بعضها سمعه الناس من أبناء القرية الأصليين، وبعضها رواه زوار عادوا وهم يرتجفون.

1- صوت الخطى في العتمة
يحكي أحد زوار القرية، شاب إماراتي يدعى (خالد.س) أنه زار الموقع برفقة أصدقائه ليلًا عام 2018، وكانوا يوثّقون جولتهم بكاميرا هاتف. يقول :
"سمعنا صوت خطوات على الحصى خلفنا. توقفنا. لم يكن أحد. أعدنا المشي، فعاد الصوت، هذه المرة أقرب. وعندما التفتنا فجأة… رأينا بابًا يُغلق ببطء وحده."

2- ضوء في النافذة المغلقة
امرأة مقيمة في رأس الخيمة، كانت تمرّ بجوار الجزيرة عند الغروب، تؤكد أنها رأت وميضاً داخل أحد البيوت الطينية، رغم عدم وجود كهرباء أو حياة هناك. تقول: "كان الضوء بارداً، كأنه ضوء نيون أزرق، ثم اختفى فجأة."

3- الكاميرا التي تعطلت فجأة
فريق تصوير وثائقي حاول عام 2021 تسجيل لقطات جوية للجزيرة باستخدام طائرة درون، لكن الدرون تعطلت فجأة فوق منطقة المسجد القديم، وسقطت رغم امتلاء البطارية وعدم وجود رياح. وعند فحص التسجيل، كان الملف محذوفاً بالكامل.

لماذا يُقال إنها "مسكونة" ؟
التفسير الشعبي الأكثر تداولاً هو أن الجزيرة أصبحت مسكناً للجن بعد مغادرة البشر، نظراً لهدوئها، وعزلتها، وقدم مبانيها. ويضيف بعض السكان أن هناك أماكن محددة داخل القرية مثل البيت الكبير ذو البرج لا يجرؤ أحد على الاقتراب منها بعد الغروب.

بينما لا توجد مصادر رسمية تؤكد هذه المزاعم، فإن القرى المهجورة غالباً ما تصبح أرضاً خصبة لتخيّل اللامرئي. ومع الوقت، يتحول الغموض إلى يقين شعبي.

فرضيات تفسيرية محتملة
1- فرضية الصوت المكاني والمحفزات النفسية
البيوت الطينية العتيقة تنتج صدى غير مألوف عند هبوب الرياح، ومع وجود فتحات في الأبراج القديمة، قد تُخلق أصوات وهمية كأنها همسات أو صرخات. وفي بيئة معزولة كهذه، يعزز الهلع الذاتي هذه الانطباعات، خاصة ليلاً.

2- فرضية النشاط الكهرومغناطيسي
الطين الأحمر يحتوي على نسب من المعادن. بعض الباحثين في الباراسيكولوجي يرون أن مناطق ذات نشاط مغناطيسي غير منتظم قد تؤثر على الدماغ البشري، مسببة هلوسات حسية قصيرة الأمد مثل رؤية ظلال أو سماع أصوات دون مصدر فعلي.

3- فرضية الترميز الثقافي الجماعي
القرى المهجورة ترمز في الوعي الجمعي إلى "العزلة" و"الترك المفاجئ"، ما يجعلها بيئة مثالية لإسقاط الأساطير الجماعية. فالإنسان حين لا يجد تفسيراً يصنعه. وهكذا، تحوّل الفراغ في الجزيرة إلى قصة… وقصة إلى يقين شعبي يتناقل بين الأجيال.

التراث والأسطورة… وجها الجزيرة
اليوم، تعمل حكومة رأس الخيمة على ترميم الجزيرة الحمراء كقرية تراثية. تُنظم زيارات نهارية، وتُبنى مسارات حجرية لاستقبال السياح. لكن الغريب أن هذا لم يُطفئ الأسطورة، بل زاد من وهجها. فالزائرون ما زالوا يتناقلون قصصًا، ويبحثون عن "البيت المسكون"، أو يتساءلون لماذا لا تعيش فيها عائلات رغم جاهزيتها للسكن.

تحوّل عمراني بجانب الغموض
رغم السمعة الغامضة التي تحيط بالجزيرة الحمراء، فإن المنطقة تشهد في السنوات الأخيرة نهضة عمرانية واضحة. تعمل حكومة رأس الخيمة وشركات التطوير العقاري على إنشاء مشاريع سكنية راقية وأبراج مطلة على البحر في المناطق المجاورة، خصوصاً ضمن ما يُعرف بـ"قرية الحمرا". من أبرز هذه المشاريع "جزيرة فالكون" و  "الحمراء ووترفرونت"، والتي تهدف إلى تحويل المنطقة إلى وجهة سياحية وسكنية متكاملة. ومع ذلك، تبقى قرية الجزيرة الحمراء المهجورة محفوظة باعتبارها موقعاً تراثياً تُجرى أعمال ترميم دقيقة لصونه، دون أن تُستبدل أو يُزال طابعها التاريخي. وهكذا، يقف الماضي العتيق بجوار المستقبل العصري… كلٌّ يحتفظ بملامحه، وكأن الزمن نفسه انقسم على عتبة هذه الأرض.

الغائب الذي لا يرحل
هل فعلاً تسكنها أرواح ؟ أم أن الخوف هو من يسكننا نحن حين ندخل عالماً هجَره الزمن ؟

سواء كنت تؤمن بالجن أو تفسّر الأمور عقلانياً، تبقى الجزيرة الحمراء واحدة من أكثر الأماكن غموضاً في الخليج. ليست فقط بيوتها ما يشدّك… بل صمتها. ذلك الصمت الذي يُشبه سؤالًا بلا إجابة: من رحل… ومن بقي ؟

وإن مررتَ يوماً من هناك… فلا تُطل النظر إلى نوافذ الطين، فقد يطل منها شيء لا تود رؤيته.


إقرأ أيضاً ...

0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .

 
2019 Paranormal Arabia جميع الحقوق محفوظة لـ