![]() |
إعداد : أليسا سعيد |
في إحدى الليالي الشتوية خلال رحلة دراسية إلى اليابان، وتحديداً في ضواحي محافظة ناغانو، روى شاب ألماني يُدعى "ليون" تجربته الغريبة التي وقعت له داخل أحد النُزل التقليدية القديمة (ريوكان) التي تعود إلى القرن التاسع عشر.
قال ليون: "استيقظت في منتصف الليل على صوت خافت يشبه حفيف أقدام تتجول في الممر الخشبي خارج الغرفة. ظننت أنني أتخيل، لكن ما رأيته بعد لحظات نزع عني النوم والسكينة. رأيت شخصاً طويلاً، وجهه رمادي شاحب، عيناه غائرتان دون جفن واضح، وثوبه الأسود يلامس الأرض كأنه يطفو لا يمشي. كان ينظر إليَّ بثبات، دون أن يتحرك. حاولت الصراخ لكن صوتي لم يخرج."
" في اليوم التالي، أخبرني صاحب النُزل، وهو رجل مسن، أنني ربما رأيت 'الشينيغامي'. وأضاف مبتسماً ببرود: ’أنت نائم في الغرفة التي مات فيها شابٌ قبل خمس سنوات، كان أيضاً طالب تبادل ثقافي. لا تقلق... طالما لم يلمسك، فإنك في أمان."
منذ ذلك اليوم، لم ينسَ ليون ذلك الوجه الرمادي البارد الذي ظلّ ينظر إليه حتى غاب عن الوجود. كان مقتنعاً أنه واجه تجسيداً حقيقياً للشينيغامي، وأنه كُتب له النجاة... مؤقتاً.
أصل الأسطورة
في أعماق الميثولوجيا اليابانية الحديثة، يشتهر كائن غامض يبث الرعب في النفوس يُعرف بالشينيغامي أو إله الموت (死神). ذلك المخلوق الذي قد يبدو كبشري للوهلة الأولى ولكن ما إن تتأمله عن قرب، حتى تكتشف ملامح وجهه الشاحبة الرمادية التي تشبه الجثث. حضوره غالبا ما ينذر بقدوم الموت ويقال ان لديه القدرة على إرشاد الأحياء نحو مصيرهم الغامض في العالم الآخر ، لا يقتل ولا يعاقب، بل يرافق الأرواح إلى العالم الآخر.
ظهر لأول مرة في القرن 18 في الأدب الياباني وذلك في مسرحية بعنوان "انتحارات الحب في أميجيما" للأديب الياباني تشيكاماتسو مونزايمون، لكنه تأثر بالبوذية و"مارا" شيطان الموت، وربما أيضاً بالتصورات الغربية كـ"حاصد الأرواح".
يُعتقد أن شخصية الشينيجامي ليست في الواقع سوى نسخة يابانية من حاصد الأرواح، خصوصاً وأن الثقافة اليابانية المتأثرة بالديانات البوذية والشنتوية احتوت بالفعل على كائنات وإلهة ترتبط بالموت. لذلك قد يكون وصول الغربيين في حقبة ميجي إلى اليابان كان له الأثر الأكبر في خلق الشخصية في الميثولوجيا اليابانية الحديثة.
دور الشينيغامي
لا يُصنف الشينيغامي كأله ولكن كشبح أو كروح وعلى عكس الكثير من الكائنات التي تجسد الموت في الثقافة اليابانية. لا يُعرف عن الشينيغامي قدرته على القتل أو العقاب، بل تكمن مهمته في تنبيه البشر باقتراب يوم موتهم. بالإضافة إلى ذلك، يتجلى دوره كمرشد للأموات، حيث يصطحب أرواحهم في رحلتها الأخيرة نحو العالم الآخر.
عادة ما يختبئ الشينيغامي بالقرب من جثث الموتى حديثا، لاسيما في الأماكن ذات الطابع الدموي، والتي قد تكون شهدت وفيات ذات طابع عنيف كجرائم القتل أو حالات الانتحار.
الصفات والهيئة
غالبا ما كان يُصور الشينيغامي في الماضي على هيئة رجل طويل شاحب الوجه، بلون رمادي أشهب قريب للون الجثث، وملامح مفزعة توحي بالموت. لكن هذه التصورات اختلفت في الوقت الحالي، حيث كان لثقافة الانمي تأثير كبير على الشكل والصفات التي كان يعرف بها الشينيغامي.
بالاضافة الى ذلك، أصبحت صورته لا تقتصر على صورته النمطية بل على العكس، فقد بدا يأخذ اشكالا جديدة مثل النساء وغير البشر. حيث أصبحت هذه المخلوقات أيضا ذات شخصيات وحياة ومعاناة خاصة بها. اشهرها هي معاناتها في حصد الأرواح والتي الهمت العديد من الكتاب والمؤلفين اليابانيين والعالميين.
طريقة مواجهة الشينيغامي
تعتمد طريقة مواجهة الأسطورة حسب المكان والمدينة في اليابان. على سبيل المثال، وفقا للمعتقدات الشعبية في محافظة كوماموتو وجزيرة كيوشو، فإن الاقتراب من جثة حديثة الوفاة أو حضور مراسم العزاء قد يكفي لجذب انتباه الشينيغامي. والذي يقال إنه يتبع الشخص إلى منزله. في هذه الحالة، يجب على الشخص شرب كوب من الشاي أو تناول طبق من الأرز ثم الذهاب للنوم قبل حضور الشينيغامي.
الشينيغامي في الثقافة الشعبية
ازدادت شهرة أسطورة الشينيغامي في العصر الحديث، خاصة بعد النجاح الكبير لسلسلة المانغا والأنمي الشهيرة Death Note. والذي فيه تشكل إحدى الشخصيات على هيئة شينغامي يدعى ريوك، وهو من يمنح بطل القصة دفترا يمكنه من قتل أيشخص بمجرد كتابة اسمه فيه، ثم تتبعه إلى أن يحين أجله ويتم حصد روحه.
ساهم هذا العمل في إعادة تشكيل صورة الشينيغامي، حيث تم تقديم مخلوقات ذات طابع متنوع، من بينهم شينيغامي أنثى، على خلاف التصورات التقليدية القديمة. أنمي Bleach حظي أيضا بتأثير مشابه، حيث تم تصوير الشينيغامي كمحاربين للأرواح الشريرة وحماية التوازن بين عالم البشر والموت، مما اكسب السلسلة شعبية عالية في جميع انحاء العالم.
ما تزال أسطورة الشينيغامي من أبرز التصورات الرمزية للموت في الثقافة اليابانية، حيث امتد تأثيرها ليصل إلى حدود العالمية. فما باتت إلا وقد أصبحت رمزاً قويا لتجسيد علاقة البشر الأزلية مع الموت. فهي تجمع بين الغموض والرعب من جهة، وبين العمق الفلسفي والخيال من جهة أخرى.
ومثلما لا يزال حاصد الأرواح يمثل الموت في الثقافة الغربية، انتشر الشينيغامي في اليابان، خاصة عبر المانغا والأنمي، كرمز للموت وتقبله. فهو يجسد علاقتنا المعقدة بالموت، والتساؤلات الأبدية التي لا تزال بلا إجابة.
0 تعليقات:
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .