25 مايو 2025

Textual description of firstImageUrl

شمهروش قاضي الجن : بين السحر والقداسة

إعداد :  كمال غزال

هذا تحقيق في واحدة من أكثر الشخصيات الجنية حضوراً في الذاكرة التراثية العربية والإسلامية والمغاربية، مع تحليل نقدي لما نُسب إليه في كتب السحر، والمعتقدات الشعبية، والأساطير الحديثة.

يرد اسم شمهروش بشكل واضح ومتكرر في كتب السحر العربية التقليدية، مثل شمس المعارف الكبرى ومنبع أصول الحكمة، كأحد ملوك الجن السبعة الذين يُزعم ارتباط كل واحد منهم بكوكب، ويوم من أيام الأسبوع، وعنصر من عناصر الطبيعة.

يُقال إن شمهروش ملك الجن المسلمين أو قاضيهم، وتوكل إليه القضايا المتعلقة بالعدالة، والأسرة، والصلح بين الإنس والجن ، ويرتبط بكوكب المشتري Jupiter ويوم الخميس، وهو اليوم المعروف فلكياً بأنه كوكب الحكمة والتشريع ، وعنصـره الغالب هو الهواء، ويُقال إن طاقته "خفيفة وعاقلة"، عكس طاقة الجن السفليين الذين ينتمون إلى النار أو التراب.

ورد في بعض النسخ الطلسمية أنه "يحكم على العصاة من الجن، ويمنع الخدام من أذية البشر إلا بحق"، وهي صورة تميّزه عن ملوك آخرين يُنسب إليهم الغضب أو الدمار ، لكن يجب التذكير أن هذه المعلومات ليست موثقة شرعياً ، بل مأخوذة من أدبيات غامضة، بعضها يعود إلى عصور ما بعد التدوين الإسلامي، وتُخلط فيها رموز الفلك بالتأثيرات الفلسفية والصوفية.

شمهروش في الفلكلور المغربي
يكتسب شمهروش أهمية خاصة في الذاكرة الشعبية المغربية، لا بوصفه كياناً شريراً، بل كـ"وليّ روحي" يُزار مقامه للتداوي والتوسل ، ويقع مقام سيدي شمهروش في أعالي جبال الأطلس، قرب إمليل، تحت سفح جبل توبقال ، يزوره الناس من مختلف أنحاء المغرب (وخاصة أيام الخميس) طلباً للشفاء من المسّ، العين، العقم، أو الأمراض النفسية.

تُضاء له الشموع ويُقدم الزوار له القرابين الرمزية مثل الحليب، السكر، الحناء، أو حتى الذبائح، ويتم الغُسل بماء النهر القريب، ويُقرأ عليه الفاتحة والآيات.

يُروى كذلك أن حضوره يُدرك من خلال تغيرات في الجو، أو تصرفات غير معتادة من المريض (كالبكاء أو الصراخ)، مما يراه البعض "علامة قبول"، بينما يراها الأطباء النفسيون حالة تفريغ وجداني ، واللافت أن الرؤية الشعبية لشمهروش لا تقدمه كشيطان، بل ككيان مساعد، وهذا يعكس التصور المغاربي الخاص للجن المسلمين "الطيبين" الذين يُعاملون كأرواح ذات مقام.

هل شمهروش علوي أم سفلي ؟
حسب التصنيفات السحرية التقليدية، يُعد شمهروش جنياً علوياً نورانياً، يخدم الخير، ولا يستجيب إلا للنية الطيبة ، لكن في الفلكلور الشعبي، يتحوّل التصنيف إلى أكثر مرونة: فهو لا يُستحضر بطلسم أو عزيمة، بل يُزار، وتُطلب شفاعته كما تُطلب بركة الأولياء ، ولذلك يمكن القول إن شمهروش شخصية هجينة بين الرمز الديني والصوفي، والوظيفة السحرية المفترضة.

شمهروش في الصوفية: من الجن إلى الولاية
المثير أن بعض الطرق الصوفية في المغرب لا ترى شمهروش كجنيٍّ بالمعنى السلبي، بل كـ"روح وليّ"، ولهذا يُقال "سيدي شمهروش"، ويُعامل مقامه كزاوية لا كضريح جنّي ، وفي بعض الروايات الشفوية، يُقال إنه "أسلم على يد النبي صلى الله عليه وسلم"، وكان من أوائل الجن المسلمين، ثم تقلّد منصب القاضي ، وتُردَّد قصص عن عدله وورعه، وعن أنه "يتبرأ من كل سحر مؤذٍ"، ويُعاقب من يستدعي الجن السفلية لأغراض ضارة ، هذه القراءة الصوفية تصبغ الشخصية بروحانية بعيدة عن السحر، وتُلحقه بخطاب الأولياء الصالحين أكثر من خطاب الشعوذة.

طقوس استحضار شمهروش في الأدبيات السحرية
في كتب السحر الشعبي، لا يُذكر شمهروش كخادم للعشق أو المال أو الدمار، بل كـوسيط بين العالمين، أي كائن " يُحضر خداماً آخرين " أو "يُكشف به الغيب" ، غالباً ما تُقام طقوس استحضاره في الليل، مع بخور معين، وقراءة أوراد تتضمن اسمه ضمن قائمة ملوك الجن، دون إهانات أو طلبات مؤذية ، ويُقال إن تجاهله أو استدعاءه بسوء نية يؤدي إلى نتائج "عكسية"، ما يضعه في موضع أشبه بالحكم أو الشيخ، لا الخادم.

هل مات شمهروش ؟ رواية حديثة مثيرة للجدل
في كتاب الطقوس والمعتقدات السحرية في المغرب للدكتور مصطفى واعراب، ورد أن أحد الرقاة استحضر خادماً من الجن، فأخبره أن شمهروش قد مات منذ سنوات ، وقد تكررت هذه الرواية على لسان بعض المشتغلين بالرقية أو المرويات الشعبية الحديثة رغم عدم ورود ذلك في كتب السحر القديمة.

وفسر بعض الباحثين هذا الادعاء بأحد ثلاث تأويلات:

- أنه رمز لانتهاء الطقوس القديمة المرتبطة به أو تراجع حضورها.

- أنه تحوّل رمزي يدل على نهاية عهد وبداية آخر بين ملوك الجن.

- أنه ادعاء خادم سفلي بهدف إضعاف التصورات الإيجابية حوله.

في كل الأحوال، تبقى هذه المزاعم خارج إطار التوثيق التاريخي أو الروحي، وتُعامل كرواية معاصرة دون سند.

شمهروش، كما يظهر في الأدبيات العربية والمغربية، ليس مجرد اسم في كتاب سحر، بل رمز مركب ، فهو في السحر ملك وقاضٍ علوي عاقل ، وفي الفولكلور وليّ يُزار للشفاء ، وفي الصوفية روح مسلمة مجاهدة ، وفي الذاكرة الشعبية الحديثة: كائن يُختلف حول وجوده أو غيابه ، لكن الثابت أن ذكر الجن وخدمتهم أو استحضارهم لأي غرض محرم شرعاً، وخطر على النفس والعقل، وقد نهى الإسلام عن الاستعانة بالجن، كما في قوله تعالى : "وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً " [الجن:6] ، وعليه، فإن المقال لا يهدف إلا إلى التوثيق والفهم، لا إلى التورط أو الترويج والباب الذي يُفتح على عالم الغيب دون ضوء… قد لا يُغلق بسهولة.

0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .

 
2019 Paranormal Arabia جميع الحقوق محفوظة لـ