2 مايو 2025

Textual description of firstImageUrl

الأبواب : من الحاجز المادي إلى المعبر الماورائي

إعداد :  كمال غزال

منذ القدم، لم يكن الباب مجرد وسيلة لغلق فتحة في الجدار ، إنه رمز متعدّد الطبقات: حاجز وأمان، بداية ونهاية، معبر بين الداخل والخارج، بين المعلوم والمجهول..

عبر الثقافات، حمل الباب معنى أكبر من مادّيته. أحاطت به المعتقدات، طُرِزت حوله الأساطير، وأُضيفت إليه طقوس الحماية،  في هذا المقال، نأخذك في رحلة عبر أساطير الأبواب والمعتقدات التي نسجها الإنسان حولها، وكيف ترسخت صلتها بعالم الماورائيات.

الباب: حدود العالمين
في كل مكان، يتّفق البشر على شيء واحد: الباب ليس مجرد فتحة، بل نقطة عبور ، هو الحد الفاصل بين الأمان داخل المنزل والمخاطر خارجه ، هو العتبة بين عالمنا الدنيوي والعالم الروحي الغامض الذي قد يتسلل إلينا من وراء العتبات ، ولهذا، كان دائماً محاطاً بالحذر والاحترام.

الباب في المسيحية يحمل معنى رمزياً عميقاً ، نجد في إنجيل يوحنا، يقول المسيح : « أنا هو الباب، إن دخل بي أحد يخلص، ويدخل ويخرج ويجد مرعى » (يوحنا 10:9).
هنا الباب ليس مجرد مدخل، بل رمز للخلاص، للحماية، وللوصول إلى النعمة الإلهية.

في الفلكلور الياباني يظهر مفهوم تسوكوموگامي وهو إيمان بأن الأشياء القديمة (بما فيها الأبواب) يمكن أن تكتسب روحاً بعد مرور مئة عام. الباب القديم إذاً ليس مجرد خشب، بل ربما كائن حي يراقب ويحمل ذاكرة المكان.

في المعابد الهندوسية، الأبواب تُعتبر مقدسة، تُزيَّن بالزهور والرموز مثل السواستيكا (رمز الحظ) أثناء الأعياد وفي البوذية، فكرة البوابة أكثر حضوراً من الباب المادي ، البوابة ترمز للعبور نحو النيرفانا والتحول الروحي.

الطرق على الباب
كثيراً ما تُروى في الحكايات الشعبية  أن طرقة واحدة خفيفة توصف بأنها إشارة من كيان هائم أو ذكرى شبحية أما ثلاث طرقات فهي رمز معروف في الثقافات المختلفة للدلالة على أن الطارق إنسان نعرفه أو صديق ، في الإسلام، الاستئذان مشروع ثلاث مرات قبل الانصراف، وهو يُظهر الاحترام للحدود.

في المواعظ، يُقال إن طرق الباب دون إذن أو في أوقات غريبة قد يكون اختباراً: هل نرحب بالغريب أم نخاف ؟  هل نفتح قلوبنا أم نغلقها ؟

في الفولكلور المسيحي الأوروبي، حكايات كثيرة تُروى عن طرقة واحدة خفيفة على الباب في منتصف الليل وقد لا يكون الطارق بشراً.

وسائل التحصين فوق الأبواب والعتبات
في أوروبا، تُعلّق حدوة الحصان مقلوبة فوق الباب لطرد الأرواح الشريرة ، في البيوت العربية، آيات قرآنية أو خرزة زرقاء ، أما في اليهودية يُعلّق على أبواب البيوت المِزوزاه، وهي علبة صغيرة تحمل آيات من التوراة، لحماية البيت من الشرور ، وفي طقوس عيد الفصح اليهودي تعود الذاكرة إلى قصة دم الحمل على عتبات الأبواب لحماية بيوت بني إسرائيل من ضربة الملاك، مما يؤكد فكرة الباب كخط دفاع روحي.

في الصين تُعلق أشرطة حمراء وتعويذات أثناء الأعياد ، وفي اليابان تُعلق تعويذات أوفودا الورقية على أبواب المعابد.

في أفريقيا وأمريكا اللاتينية، تُنثر أعشاب أو رموز تُدفَن تحت العتبة عند الدخول لمنع دخول الشر.


الباب المغلق والمفتوح والنصف مفتوح
يرمز الباب المفتوح بالكامل إلى الضيافة والانفتاح، لكنه أيضاً مصدر خوف، إذ يجلب معه احتمالات الفوضى والاختراق.

إغلاق الأبواب ليلاً له جذور دينية ، ففي الثقافة العربية والإسلامية نجد الحديث النبوي: « أغلقوا أبوابكم، واذكروا اسم الله، فإن الشيطان لا يفتح بابًا مغلقاً. »

هذا الحديث لا يحمل فقط معنى مادياً للحماية، بل يحمل اعتقاداً أن وراء الأبواب المفتوحة قد تتسلل قوى لا نراها ، كما يشُاع في بعض البيئات الشعبية الاعتقاد بأن ترك الباب مفتوحاً ليلاً يجلب الحسد، أو يدعو الكائنات الخفية.

وفي حالة الباب نصف المفتوح يشتد التوتر النفسي. هذا الوضع يُثير الأسئلة: هل هو مفتوح عمداً ؟ هل هناك من مرّ ؟ هل هناك من ينتظر الدخول ؟

في الأدب والروايات، الباب نصف المفتوح يُستعمل كرمز للتهديد أو الغموض، وفي الماورائيات يُعتقد أحياناً أنه يدعو الطاقات غير المرغوبة للدخول.

قرية هندية بلا أبواب

في الهند، في قرية شاني شينغنابور الكائنة في ولاية ماهاراشترا، لا توجد أبواب ولا أقفال ، القصة تقول إن سكان القرية يثقون بأن الإله شاني يحرسهم من السرقة والأذى، منذ أن ظهر لهم حجر غامض في النهر اعتبروه تجسيداً لإله الحماية ، حتى اليوم، تعيش القرية بهذا التقليد الفريد، كأنها تعلن: الأمان الحقيقي ليس في الأبواب، بل في الإيمان.


مطرقة الباب : رموز ثقافية
من بين العناصر الزخرفية التي تزيّن الأبواب وتُضفي عليها طابعاً رمزياً، تبرز "مطرقة الباب" المصممة على شكل يد أنثوية، والتي تُعرف في الثقافات الإسلامية باسم "يد فاطمة" أو "الخُمسة". تُعتبر هذه المطرقة أكثر من مجرد أداة للطرق؛ فهي تحمل دلالات روحية وثقافية عميقة.

ترمز "يد فاطمة" إلى الحماية من العين الشريرة وجلب البركة، وتُستخدم كتميمة في العديد من الثقافات الإسلامية واليهودية والمسيحية. في التقاليد الإسلامية، تُنسب اليد إلى فاطمة الزهراء، ابنة النبي محمد، وتُعتبر رمزًا للأنوثة والخصوبة والقوة الروحية. أما في التقاليد اليهودية، فتُعرف باسم "يد مريم"، وترمز إلى الحماية والرحمة ، وهي تنسب إلى مريم أخت موسى وهارون،.

في بعض الثقافات، كانت تُستخدم مطرقتان على الباب، إحداهما تمثل يداً أنثوية والأخرى يداً ذكورية، ولكل منهما صوت مختلف. كان الزائر يختار المطرقة المناسبة حسب جنسه، مما يُتيح لأهل المنزل معرفة جنس الزائر دون فتح الباب، وهو تقليد يُظهر الحساسية الاجتماعية والخصوصية في تلك المجتمعات.

تُزيَّن بعض هذه المطارق بخاتم في إصبع اليد، مما يُشير إلى الحالة الاجتماعية لأهل المنزل. فوجود الخاتم قد يدل على أن الفتاة في المنزل مخطوبة أو متزوجة، بينما غياب الخاتم قد يُشير إلى أن الفتاة عزباء. هذه التفاصيل الدقيقة كانت تُستخدم كوسيلة غير مباشرة للتواصل الاجتماعي وإبلاغ الزوار بمعلومات عن سكان المنزل.


في النهاية، الأبواب ليست جمادات صمّاء. إنها شهود على أعمارنا، على تفاصيلنا الصغيرة، على من دخلوا ومن خرجوا، على الفرح، الخوف، الحب، والموت.

فكر قليلاً… كم باباً أغلقته بعد مشادة ؟ كم باباً انتظرت خلفه شخصاً لم يأتِ ؟  كم باباً بقي نصف مفتوح لأنك لم تملك الجرأة لتُغلقه أو تفتحه بالكامل ؟

الأبواب تخزّن أصواتنا، خطواتنا، دموعنا المخبّأة… ولهذا ليس غريباً أن يتساءل الفنان اللبناني عاصي الحلاني في أغنيته الشهيرة : « عمرك شفت في باب عم يبكي؟ »

إنه سؤال شعري عميق: هل الأبواب تبكي حقاً؟ أم نحن من نُسقط عليها دموعنا ؟ هل الأبواب تتصدّع من الزمن أم من حزننا الملقى عليها ؟

في أساطير البشر، في بيوتهم ومعابدهم ومخاوفهم، ظلت الأبواب دائماً أكثر من مجرد مداخل ومخارج… إنها كائنات صامتة، تحمل عبء مشاعرنا، تنتظرنا بصبر، تغلق علينا أسرارنا، وتبقى حتى بعد رحيلنا.

وفي نهاية المطاف، سواء آمنا بالماورائيات أو لا، تبقى الحكمة الشعبية تلخّص كل شيء :
« الباب اللي ييجي منّو الريح… سدّو واستريح »

0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .

 
2019 Paranormal Arabia جميع الحقوق محفوظة لـ