24 سبتمبر 2025

قلعة بهلاء وأساطير الجن

قلعة بهلاء العمانية - أساطير وحكايا الجن
إعداد : كمال غزال
تقف قلعة بهلاء شامخة وسط واحة خصبة في قلب سلطنة عُمان، حاملة بين جدرانها الطينية تاريخاً يمتد لقرون، وأساطير تتناقلها الأجيال حتى اليوم. لم تُعرف القلعة فقط كتحفة معمارية فريدة، بل أصبحت رمزاً للغموض والماورائيات، حتى لقبت بـ"مدينة الجن".

تقع القلعة في ولاية بهلاء بمحافظة الداخلية، على بعد نحو 200 كيلومتر شمال غرب العاصمة مسقط ، في عام 1987 أصبحت أول موقع عُماني يُدرج على قائمة التراث العالمي لليونسكو، تقديراً لقيمتها التاريخية والمعمارية ، تمتاز القلعة بتصميم طيني ضخم يمتد على مساحة واسعة، وتحيط بها أسوار طولها نحو 13 كيلومتراً، تُعد من أطول الأسوار في شبه الجزيرة العربية.

أساطير وحكايات الجن

ارتبط اسم بهلاء بالجن والسحر لدرجة أن بعض أهل عمان يتجنبون حتى الحديث عنها ليلاً ومن أبرز الأساطير:

1- سور الجن

يُروى أن السور المحيط بالواحة بُني بين ليلة وضحاها بمعونة قوى غيبية. تقول الأسطورة إن اثنتين من الجن استدعاهما الحكام: إحداهن بَنَت السور لحماية المدينة، والأخرى شيدت نظام الري القديم .

2-  الرجل الساحر

قبل نحو 1400 عام، عاش رجل في بهلا اتُهم بممارسة السحر، فقُتل رجماً في ساحة القلعة. يعتقد الناس أن روحه الشريرة ما زالت تثير القلاقل، وتمنع أي محاولة لترميم بعض أجزائها.

3- المسجد الطائر

من أكثر الأساطير شهرةً. يُقال إن ثلاثة زهاد صوفيين نقلوا مسجداً كاملاً من مدينة الرستاق إلى بهلاء في ليلة واحدة باستخدام قوى خارقة، وبقي المسجد سالماً دون خدش .

4- شجرة السحر

داخل القلعة شجرة يُحذر الزوار من لمسها، إذ يعتقد أن لمسها يجلب سوء الحظ أو المصائب .

5- ظواهر غامضة

ما زالت بعض الروايات المعاصرة تغذّي السمعة الغامضة لبهلاء كمدينة يُقال إنها مسكونة.
فالمرشد السياحي حمد الربعاني يشير إلى أن كثيراً من سكان المنطقة يؤمنون بوجود الجن، ويصفهم بأنهم مخلوقات "تُسمع أصواتها ولا تُرى بالعين". هذا الاعتقاد يدفع بعض العائلات في عمان إلى منع أبنائها من زيارة بهلاء خوفًا مما يسمونه "لعنة الجن"، في حين يرى جيل الشباب أن هذه الحكايات ليست سوى أساطير قديمة تتناقلها الجدّات.

ومن أبرز الظواهر التي يرويها الأهالي والزوار:

سماع أصوات حلب الأبقار ليلاً رغم خلو المكان من أي شخص.

تحوّل بعض الحيوانات فجأة إلى كائنات غريبة، مثل الضباع التي يقال إنها تقذف النار من أفواهها.

تحذيرات قديمة تدعو الناس إلى عدم مغادرة المنازل بعد غروب الشمس، اتقاءً للسحر والجن الذين يُعتقد أنهم ينشطون في الظلام.

التحليل الثقافي والفولكلوري

تعكس الأساطير حول قلعة بهلاء ثقافة الخوف من المجهول في البيئات الصحراوية المعزولة ، يرى الباحث علي علمي أن عمان واليمن تاريخياً اشتهرتا كـ"موطن للجن"، وأن الحكايات الشعبية وسيلة لفهم الظواهر غير المألوفة وتعزيز الهوية المحلية  ، مع تطور المجتمع، بدأ جيل الشباب ينظر إلى هذه القصص باعتبارها تراثاً شفهياً أكثر من كونها حقائق واقعية، لكنها ما زالت تؤثر على سمعة المدينة وسياحتها .

لمحة تاريخية

يعود أول بناء للقلعة إلى فترة ما قبل الإسلام خصوصاً القصبة الشرقية الجنوبية التي تُعد أقدم أجزاء القلعة ، اتخذ حكام سلالة النباهنة القلعة مركزاً سياسياً وعسكرياً وهم إحدى أهم الأسر الحاكمة في التاريخ العُماني الذين بدأوا الحكم في 1154م ، وقد لعبوا دوراً محورياً في توحيد الداخل العُماني وحماية طرق التجارة ، يُعتقد أن أصلهم من قبيلة الأزد، وكان نفوذهم واسعاً بين القرنين الثاني عشر والسادس عشر الميلادي.


ظهر النبهانيون في المشهد السياسي بعد ضعف الإمامة الإباضية في تلك الحقبة، واستغلوا الانقسامات القبلية ليؤسسوا نظاماً ملكياً وراثياً بدلًا من نظام الإمامة القائم على الانتخاب ، عُرفت دولتهم باسم "ملكية النباهنة"، وتُعد أول نظام سياسي في عمان اتخذ شكل الملكية الوراثية ، أسسوا عاصمتهم في بهلاء، فاختاروا القلعة مركزاً إداريًا وعسكرياً، واهتموا بتقويتها لحماية الواحة ومناطق النفوذ الداخلي.

بعد سقوط حكم سلالة النباهنة عام 1624م، دخلت عمان مرحلة جديدة بقيادة الإمام ناصر بن مرشد اليعربي، مؤسس دولة اليعاربة، الذي وحّد البلاد وبدأ حملة منظمة لطرد البرتغاليين من السواحل العُمانية. خلال فترة حكمه (1624-1649م)، شهدت قلعة بهلاء أعمال ترميم وتوسعة، لتصبح مركزاً استراتيجياً لحماية الداخل ومراقبة طرق التجارة القادمة من ظفار والمتجهة إلى موانئ الخليج والهند.



في القرن التاسع عشر، ومع تصاعد التحديات الداخلية والخارجية، برز اسم الإمام عزان بن قيس الذي تولى الحكم عام 1868م. وخلال عهده، جرت محاولات لتقوية القلاع الداخلية، بما فيها قلعة بهلاء، في مواجهة الانقسامات القبلية والنفوذ الأجنبي المتزايد.

مع مرور الزمن وتراجع الدور العسكري للقلعة، تحولت إلى معلم تاريخي مهم. وبعد أن أدرجتها اليونسكو في قائمة التراث العالمي عام 1987 انطلقت مرحلة ترميم شاملة استمرت سنوات، أعادت إلى القلعة جزءاً كبيراً من مجدها القديم، مع الحفاظ على هويتها المعمارية التقليدية.  


في عام 2012، أُعيد افتتاح القلعة رسمياً للزوار، لتصبح مركزاً ثقافياً وسياحياً يربط بين ماضي عمان المليء بالصراعات والأساطير، وحاضرها المزدهر كوجهة عالمية للتراث والتاريخ.

وفي الختام ، تمثل قلعة بهلاء مزيجاً فريداً من التاريخ والأسطورة. جدرانها تحكي قصص ملوك وجيوش، وأساطيرها تعكس علاقة الإنسان بالخوف من الماورائيات ، سواء كنت باحثاً عن التراث، أو فضولياً يسعى لاستكشاف الغموض، فإن زيارة هذه القلعة تمنحك تجربة لا تُنسى، حيث يلتقي الواقع بالخيال وسط رمال عمان الذهبية.

نبذة عن كمال غزال

باحث سوري في عالم ما وراء الطبيعة (الماورائيات) من مواليد عام 1971، ومؤسس موقع ما وراء الطبيعة Paranormal Arabia، أول منصة عربية متخصصة في هذا المجال الفريد منذ عام 2008 ، أعد وترجم وبحث وأسهم في مئات المواضيع التي تنقسم إلى أكثر من 30 فئة، بين مقالات بانورامية شاملة وتحقيقات لكشف الزيف، إضافة إلى تحليلات لتجارب واقعية تلقاها من العالم العربي، ورصد أخبار مرتبطة بالماورائيات ، تعتمد منهجيته على دراسة الظواهر الغامضة من منظور أنثروبولوجي مع تحليل منظومات المعتقدات والتراث الشعبي وربطها بتفسيرات نفسية وعصبية، إلى جانب استكشاف الأساطير حول العالم ، كما ألّف قصصاً قصيرة مستوحاة مما قرأ وسمع وشاهد، ويسعى نحو أضخم موسوعة عربية عن ما وراء الطبيعة ، الظواهر الخارقة، الباراسيكولوجية، والميتافيزيقية رافعاً شعار الموقع: "عين على المجهول"، ومؤكداً مقولته: "نعم للتفكير، ولا للتكفير".

إقرأ أيضاً ...

0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .

 
2019 Paranormal Arabia جميع الحقوق محفوظة لـ