قبر النبي هود في عُمان

إعداد : كمال غزال

في قلب جبال ظفار الخضراء، شمال مدينة صلالة، يتوارى ضريح صغير يعرفه الأهالي باسم “قبر النبي هود” ورغم بساطة مظهره، فإنه يحمل هالة روحانية عميقة وتاريخاً متشابكاً مع الأساطير، هنا، عند ضريحٍ متواضعٍ تحيطه العيون والأودية، تمتزج القداسة بالرهبة، وتتشابك المرويات الدينية مع حكايات الماورائيات التي ظلّت تتردد عبر الأجيال.

الجذور التاريخية

يختلف التراث الإسلامي حول المكان الحقيقي لقبر النبي هود عليه السلام؛ ففي حين تؤكد روايات أن مقامه في حضرموت باليمن، يذهب آخرون إلى مكة أو دمشق. أما في ظفار، فقد ترسخ اعتقاد محلي قديم أن جبالها وبالتحديد الأحقاف التي ذُكرت في القرآن الكريم هي موطن قوم عاد، ومن ثم فإن النبي هود دُفن هنا بعد هلاكهم.

وقد أشار بعض الرحالة والمؤرخين إلى وجود هذا المزار في الجبل، مثل ابن بطوطة الذي ذكر موضعاً منسوباً لهود في ظفار. كما أن اكتشاف موقع “أوبار” الأثري، الذي يُعتقد أنه مدينة إرم ذات العماد، عزز هذه الرواية في المخيلة الشعبية.

الوصف والمكان

يقع الضريح في منطقة وعرة تُعرف بـ شيحيت / قيرون حيرتي، بين ثلاثة ينابيع مشهورة هي عين هريرية، عفيفة، وإثام. الوصول إلى المكان يحتاج إلى مسالك جبلية ضيقة، مما يجعله معزولًا وهادئاً بشكل لافت.

أما القبر نفسه فطوله نحو ثلاثة أمتار وارتفاعه متر ونصف تقريباً. كان قديماً مجرد شاهد حجري مغطى بقماش أخضر، ثم بُني حوله مسجد أبيض صغير وغرفة ضريح ذات قبة متواضعة، مع نوافذ للإضاءة وحاجز معدني لحمايته، تمنحه الطبيعة المحيطة من أشجار برية، خرير المياه، وضباب الخريف مشهداً روحانياً يُضاهي روعة مزارات الأنبياء الأخرى في صلالة كقبر النبي أيوب وقبر النبي عمران.

الأساطير والماورائيات

تراث ظفار الشعبي نسج حول المقبرة روايات لا تقل إثارة عن قدسيتها :

- قوم عاد: يعتقد الأهالي أن قبورًا عملاقة منتشرة بين طاقة ووادي دربات تعود لعمالقة عاد، وأن وجود هود هنا دليل على ذلك.

- الحارس الخفي: قصة متوارثة عن رجل حاول العبث بالقبر ففوجئ بثعبان أسود ضخم عند عتبته، اعتُبر جنيًا حارسًا للمقام.

- عقوبة الأيمان الكاذبة : يُروى أن شخصاً أقسم زوراً عند القبر فأصيب بمرض جلدي عقاباً له، مما جعل الناس يحاذرون الحنث في اليمين بجواره.

- نور رمضان: في بعض الليالي المباركة شوهد ضوء أخضر سماوي فوق القبر، عُدّ تجلياً لزيارة ملائكية.

المقام الروحي في الذاكرة الشعبية

يعامل الأهالي الضريح بوصفه مزاراً مقدساً، مقصداً للتبرك والدعاء، وقد حثت تقاليد قديمة النساء على زيارته لطلب الذرية، والمرضى طلبوا الشفاء بالدعاء عنده، وكان يُحرق اللبان والبخور في الغرفة بشكل دائم. ورغم اختلاف الآراء الفقهية حول هذه الممارسات، بقي الاحترام للمكان حاضراً عند الجميع.

وقد تبنت الجهات الرسمية في عُمان الاهتمام بالمزار، فبُني المسجد وجرى تهيئة الضريح كمعلم ديني وسياحي، مع إدراجه ضمن مسارات السياحة الروحية في ظفار.

تجارب الزوار

الزوار الذين نجحوا في الوصول إلى القبر يصفونه بأنه موضع سكينة وهيبة. كثيرون تحدثوا عن شعور غريب يغمرهم لحظة دخول الغرفة الصغيرة:

- بعضهم شعر بـ سلام داخلي وخشوع تلقائي عند الدعاء بجوار القبر.

- آخرون انتابتهم قشعريرة مفاجئة أو رعشة غير مفسّرة، خاصة عند الغروب.

- هناك من ادعى سماع أصوات همس أو أنين مع هبوب الرياح بين الأشجار.

- بينما تحدث البعض عن ضوء باهت شوهد للحظات قرب القبر في الليل، قبل أن يختفي.

- حتى الحيوانات، كما يقول سكان القرى، تتجنب الاقتراب من المقبرة، وكأنها تدرك حرمة المكان.

حضور إعلامي وشعبي

تناولت وسائل الإعلام المحلية والأجنبية الضريح كأحد أبرز مواقع الأنبياء في ظفار، وظهرت تقارير عنها في الصحافة والتلفزيون. في السنوات الأخيرة، انتشرت صوره على منصات التواصل الاجتماعي، خاصة على يوتيوب وتيك توك، حيث يوثق الرحالة تجاربهم الشخصية. التعليقات تتراوح بين الإعجاب بروحانية المكان والتشكيك في صحته التاريخية.

وفي الختام، يجسد مقبرة صلالة القديمة (قبر النبي هود) التقاء التاريخ بالدين بالأسطورة، سواء كان القبر بالفعل للنبي هود أو مجرد مقام رمزي، فإن المكان يظل مرآة للذاكرة الشعبية في ظفار: موقعاً يجمع بين الإيمان والرهبة، البركة والخوف، الواقع والأسطورة.

إنه أحد المواقع التي لا تُزار لمجرد رؤية حجر أو شاهد قبر، بل لتجربة رحلة روحية لا تنسى… رحلة حيث يلتقي الزائر بظل نبي، وبأصداء أقوام بادت ، وبأسرار لم تُحل بعد.