![]() |
إعداد : كمال غزال |
السعلوة، وتُعرف أحياناً باسم السعلاة أو السعلوة بنت الجن، من أبرز الشخصيات الأسطورية في الفولكلور العربي، وخاصة في مناطق الصحراء والبوادي. هي كيان أنثوي ذات طابع مظلم تجسد الخوف الجمعي من المجهول، وتمثل مزيجاً من الرغبة والرهبة، حيث ترتبط بجمال فتان يخفي وراءه وحشية انتقامية.
الجذور التاريخية والأسطورية
تعود جذور أسطورة السعلوة إلى عصور ما قبل الإسلام، إذ نجد ملامح مشابهة لها في الميثولوجيا السومرية والبابلية.
في ملحمة جلجامش، ترد شخصية أنثوية تدعى ليليث وهي جنية تُغوي الرجال ثم تهلكهم، وتعيش في الأماكن المهجورة. يرى بعض الباحثين أن السعلوة امتداد محلي لهذه الصورة، مع تحويرها لتلائم البيئة الصحراوية والعادات البدوية.
في التراث الجاهلي، كان يُعتقد أن بعض النساء الظالمات أو الساحرات إذا مِتن في حالة غضب عظيم، يتحولن بعد الموت إلى كائنات جنية انتقامية، وهذا يفسر وصف السعلوة في بعض الحكايات بأنها كانت امرأة بشرية ظُلِمت بشدة ثم تحولت إلى جنية، لتنتقم خصوصاً من الرجال الذين يخونون أو يؤذون النساء.
مظهر السعلوة وصفاتها
تتفق معظم الروايات الشعبية على مظهر محدد يثير الفزع: شعر طويل وكثيف ينسدل بشكل غير مرتب، ويغطي بعض مناطق جسدها ، جسد نحيل ومشوّه مع التواءات أو تشققات غير طبيعية ، أقدام حيوانية ، غالباً ما تكون إحدى قدميها أو كلتاهما على هيئة حافر حمار أو معقوفة ، عينان حمراوان متوهجتان في الظلام.
تستطيع أن تتجسد كامرأة فاتنة تخدع الرجال، ثم تظهر في لحظة خاطفة بهيئتها المرعبة ، في بعض مناطق العراق والخليج تُعرف بقدرتها على النداء باسم الضحية في الليل، وعندما يجيبها الرجل، يظهر أمامه كيانها الساحر فيقع في فخها.
الأدوار التي تُسند إليها في الأعمال السفلية
السعلوة ليست مجرد خرافة تُروى للأطفال بل لها مكانة في بعض طقوس السحر السفلي، وخاصة تلك التي تمارسها نساء يسعين للانتقام.
- إغواء الرجال ثم إذلالهم: استدراج الرجل إلى علاقة وهمية، ثم إصابته بعجز جنسي أو انهيار نفسي.
- تفكيك العلاقات الزوجية: إثارة الخيانة والفتنة بين الأزواج.
- زرع الهلع والكابوس: تتسبب للضحية بكوابيس متكررة ذات رمزية أنثوية مرعبة، تضعفه نفسياً.
- إذلال الرجل المتسلط: تستخدمها النساء اللاتي تعرضن لظلم شديد كأداة انتقام، حيث يقال إنها تكسر كبرياء الرجل.
تصنيفها: سفلية خبيثة – تُستخدم لأعمال الدمار النفسي والعاطفي، لكنها لا تُستحضر لأعمال القتل أو الإجهاض.
عنصرها وكوكبها وطقس استحضارها
- العنصر : مزيج من هواء (للتنقل الخفي) وتراب (لارتباطها بالأرض والبداوة).
- الكوكب : تُربط أحياناً بـ زُحل (كوكب العقوبة) أو القمر (رمزية الأنوثة المظلمة).
- يوم الاستحضار : الثلاثاء أو السبت، بليالٍ قمرها خافت أو غائب.
من أخطر جوانب الأسطورة ارتباطها بطقوس حقيقية تُمارس حتى اليوم في بعض القرى والبوادي :
- وقت الطقس: ليلة الثلاثاء أو السبت، في ساعة نحس، مع تفضيل غياب القمر.
- المكان: خرائب أو مناطق صحراوية نائية.
- الأدوات: رماد مختلط بدم طيور سوداء، بخور مُرّ، وقطعة قماش ملوثة.
- الخطوة الأخطر: يُكتب اسم الرجل المستهدف على ورقة حمراء، وتُلف مع خصلة شعر نسائية ثم تدفن في مكان معزول ، إذا فشل الساحر في "طقس الصرف"، قد تظل السعلوة مرتبطة به، فتظهر له في الأحلام وتشوش حياته العاطفية.
السعلوة في الموروث الشعبي
- في العراق تُستخدم لتخويف الأطفال، وتظهر في حكايات الريف، خصوصاً في مناطق دجلة والفرات.
- في شبه الجزيرة العربية تظهر في الجبال والخرائب، وتنادي باسم الرجل ليلاً لتغويه.
- في الأردن وسوريا تُروى عنها حكايات بدوية حول ظهورها في الطرق الصحراوية بعد منتصف الليل.
- في السودان تُروى قصص عن نساء جنيات يتزوجن رجالًا ثم ينقلبن عليهم عند غضبهن، وهو شبيه بسلوك السعلوة.
السعلوة في التجارب الواقعية
رغم الطابع الأسطوري، هناك قصص حديثة متداولة:
قصة شاب بدوي في الأردن (2004)
كان يسلك طريقاً صحراوياً ليلاً، فسمع امرأة تناديه باسمه. رأى من بعيد امرأة جميلة بثوب أبيض، وعندما اقترب، لاحظ أن أقدامها مقلوبة. هرب مذعوراً، وظل يعاني كوابيس متكررة لأشهر.
حادثة في جنوب العراق (2011)
ذكر برنامج محلي أن مجموعة شباب شاهدوا امرأة غريبة تتنقل بسرعة بين أطراف النهر، وعندما حاولوا الاقتراب، اختفت فجأة في الضباب، تاركة أثر حافر في الطين.
روايات من السودان
بعض الصيادين حذروا من السباحة في مجاري الأنهار ليلًا، لأن "السعلوة المائية" قد تجذب الرجل تحت الماء.
السعلوة في المنظور النفسي
من منظور علم النفس الشعبي، السعلوة تمثل:
- الأنوثة الغاضبة: تجسيد لغضب النساء المكبوت عبر العصور، خاصة تجاه ظلم المجتمع الذكوري.
- رمز الخيانة: ظهورها لتحطيم الرجل يعكس مخاوف المجتمع من الخيانة والعلاقات غير المشروعة.
- الخوف من المجهول: كونها تسكن الصحارى والمجاري المائية يربطها بمناطق الخطر الطبيعي في حياة البدو.
أساطير مشابهة
- في الميثولوجيا البابلية نجد ليليث رمز إغواء الرجال والانتقام، السكن في الخرائب.
- اليونانية القديمة نجد لاميا امرأة جميلة تلتهم الرجال والأطفال.
- في أوروبا الغربية نجد السوكوبس Succubus (السقوبة) كائن أنثوي شيطاني يغوي الرجال أثناء النوم.
- في الخليج العربي نجد أم الدويس ، جمال ساحر يخفي نوايا مدمرة.
أسطورة الشيفة
الشيفة أسطورة شعبية متداولة في بعض القرى والصحارى السعودية، غالباً ما تظهر ليلاً على هيئة بقرة أو غنمة، وعند مواجهتها تُصدر أصوات "ضراط" ونار وشرر.
يُروى أنها تتحدث أحياناً بصوت بشري، خصوصاً مع الأشخاص الشجعان، وتختفي فجأة بعد إرعابهم، ومن غرائبها ظهور نيران خادعة تبعد المسافر عن الطريق، وأحياناً تتحول إلى كرات لهب تصدر ضحكاً مخيفاً.
تشترك الشيفة مع السعلوة في كونها كياناً جنياً يظهر للمنفردين، لكن الشيفة تميل أكثر للتضليل والتخويف، بينما السعلوة ترتبط بالإيذاء النفسي والجسدي، كلاهما يعكس الخوف البدوي من الظلام والصحراء، ويُجسد ثقافة تحذيرية تحيط بالرحلات الليلية.
أثرها في الثقافة الشعبية
ما زالت السعلوة تستخدم في الأمثال الشعبية: "فلانة مثل السعلوة" للدلالة على امرأة ماكرة وخطيرة وفي الأدب ألهمت العديد من كتاب الرعب والخيال الشعبي ، في بعض المناطق تُستغل الأسطورة لتخويف الأطفال ومنعهم من الخروج ليلاً.
السعلوة ليست مجرد خرافة تُروى حول نار البادية، بل هي رمز متجذر في العقل الجمعي العربي، يجمع بين الخوف من المجهول، وغضب الأنثى، وسحر الصحراء ، فهي كيان يقف على حدود الواقع والأسطورة، بين عالم الجن ومخاوف البشر، وتبقى قصصها مادة خصبة للسحر الشعبي والأساطير وحتى التحليلات النفسية الحديثة.
في كل حكاية عن السعلوة نرى انعكاساً لصراع الإنسان مع رغباته ومخاوفه، ومع قوى الظلام التي يعتقد أنها تسكن العالم الموازي الذي لا يُرى.
تحذير
ممارسة السحر والشعوذة، بما في ذلك استحضار الكيانات المظلمة مثل "السعلوة" أو الاستعانة بالجن لإيذاء الناس، حرام شرعًا في الإسلام، ويُعد من أكبر الكبائر التي ورد فيها وعيد شديد في القرآن الكريم والسنة النبوية ، جميع الأديان السماوية ترفض هذه الأعمال رفضاً قاطعاً لما فيها من فساد وظلم.
وما ورد في هذا المقال يهدف فقط إلى التثقيف والتوعية، وليس للتحريض أو التشجيع على ممارسة أي طقوس محرمة.
نبذة عن كمال غزال

باحث سوري في عالم ما وراء الطبيعة (الماورائيات) من مواليد عام 1971، ومؤسس موقع ما وراء الطبيعة Paranormal Arabia، أول منصة عربية متخصصة في هذا المجال الفريد منذ عام 2008 ، أعد وترجم وبحث وأسهم في مئات المواضيع التي تنقسم إلى أكثر من 30 فئة، بين مقالات بانورامية شاملة وتحقيقات لكشف الزيف، إضافة إلى تحليلات لتجارب واقعية تلقاها من العالم العربي، ورصد أخبار مرتبطة بالماورائيات ، تعتمد منهجيته على دراسة الظواهر الغامضة من منظور أنثروبولوجي مع تحليل منظومات المعتقدات والتراث الشعبي وربطها بتفسيرات نفسية وعصبية، إلى جانب استكشاف الأساطير حول العالم ، كما ألّف قصصاً قصيرة مستوحاة مما قرأ وسمع وشاهد، ويسعى نحو أضخم موسوعة عربية عن ما وراء الطبيعة ، الظواهر الخارقة، الباراسيكولوجية، والميتافيزيقية رافعاً شعار الموقع: "عين على المجهول"، ومؤكداً مقولته: "نعم للتفكير، ولا للتكفير".
0 تعليقات:
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .