في قلب الريف الأيرلندي، تقف قلعة ليب كاسل (Leap Castle) كرمزٍ للتاريخ الدموي والأساطير المرعبة. هذه القلعة ليست مجرد معلم أثري، بل هي مسرح حي للظواهر الماورائية، حيث يمتزج التاريخ بالعنف مع عالم الأرواح الغامض، ما جعلها تُصنف ضمن أكثر القلاع مسكونة بالأشباح في العالم. بالنسبة لعشاق الرعب ومحبي استكشاف الماورائيات، تمثل هذه القلعة وجهة فريدة تجمع بين الغموض، الخوف، والدهشة.
لمحة تاريخية دامية
تأسست القلعة في القرن الثالث عشر تقريباً على يد عشيرة أوبانون (O’Bannon) وكانت تابعة لعشيرة أقوى هي أوكارول (O’Carroll) التي سيطرت على المنطقة لقرون.
بنيت القلعة على موقع يُعتقد أنه كان مكاناً مقدساً للطقوس الدرويدية قبل وصول المسيحية إلى أيرلندا، مما يضيف هالة روحانية غامضة إلى أسسها.
بنيت القلعة على موقع يُعتقد أنه كان مكاناً مقدساً للطقوس الدرويدية قبل وصول المسيحية إلى أيرلندا، مما يضيف هالة روحانية غامضة إلى أسسها.
شهدت القلعة سلسلة من الأحداث العنيفة، أبرزها حادثة شهيرة عام 1532، حين تنازع شقيقان من عائلة أوكارول على الزعامة. وفي لحظة غدر، هاجم أحدهما شقيقه الكاهن بينما كان يقيم قداساً في الكنيسة الداخلية، وطعنه حتى الموت أمام الحضور. منذ ذلك اليوم، عُرفت الكنيسة باسم "المصلى الدامي" (Bloody Chapel)، وأصبح رمزاً للعنف الذي يلاحق القلعة عبر القرون.
لاحقاً، اكتُشفت في القلعة حفرة منسية (Oubliette) خلف جدار المصلى، كانت تُستخدم كسجن للتعذيب والإعدام. وعند ترميم القلعة في القرن التاسع عشر، عُثر في هذه الحفرة على عظام مئات الأشخاص، بعضها متفحم، مع أدوات تعذيب وساعة جيب من القرن التاسع عشر، ما يدل على استخدامها حتى أواخر تلك الحقبة.
في القرن السابع عشر، انتقلت ملكية القلعة إلى عائلة داربي الإنجليزية عبر زواج، وأشهر أفرادها كانت السيدة ميليد داربي، التي لعبت دوراً كبيراً في نشر قصص القلعة المسكونة، حيث كتبت عن تجاربها المرعبة فيها. خلال الحرب الأهلية الأيرلندية عام 1922، تعرضت القلعة لحريق هائل، وظلت أطلالاً مهجورة حتى اشتراها الموسيقي شون رايان عام 1991 وبدأ بإعادة ترميمها.
سمعة ماورائية عالمية
يصفها الباحثون بأنها "نقطة مظلمة للطاقة السلبية". هذه السمعة لم تأتِ من فراغ، فقد تكررت الحكايات عن أرواح ضحايا القتل والخيانات التي وقعت بين جدرانها. وعززت برامج التحقيقات في الظواهر الخارقة مثل Ghost Adventures وMost Haunted هذه السمعة من خلال حلقات ميدانية داخل القلعة.
يُعتقد أن الموقع، الذي كان يُستخدم قديماً للطقوس الدرويدية، ما زال يحمل أثراً روحانياً قوياً. ومع تداخل هذا الإرث مع تاريخ من التعذيب والدماء، أصبحت القلعة وكأنها "بوابة" لعالم الأرواح، حيث تتجسد الظواهر الغامضة في صور وأصوات وحضور غير مرئي.
ومن الجدير بالذكر أن الدرويدية كانت ديانة قديمة عند الشعوب السلتية في أوروبا، اعتمدت على تقديس الطبيعة مثل الأشجار والتلال والأنهار، وأجرت طقوساً موسمية تعتمد على الرقص والترانيم والقرابين، وأحياناً تضمنت قرابين بشرية. كان هدف هذه الطقوس التواصل مع قوى الطبيعة والآلهة عبر الدماء والطاقة الروحية.
ومن الجدير بالذكر أن الدرويدية كانت ديانة قديمة عند الشعوب السلتية في أوروبا، اعتمدت على تقديس الطبيعة مثل الأشجار والتلال والأنهار، وأجرت طقوساً موسمية تعتمد على الرقص والترانيم والقرابين، وأحياناً تضمنت قرابين بشرية. كان هدف هذه الطقوس التواصل مع قوى الطبيعة والآلهة عبر الدماء والطاقة الروحية.
أشهر الأشباح والكيانات المرعبة
1- شبح السيدة الحمراء
هي من أكثر الأرواح رهبة في القلعة. تقول الأسطورة إنها امرأة شابة خُطفت واعتُدي عليها قديماً، ثم قُتل طفلها الرضيع أمامها. شوهدت مرات عديدة وهي ترتدي ثوباً أحمر قانياً وتحمل خنجراً، تبحث عن انتقام لم يتحقق. غالباً ما ترافق ظهورها رائحة دم متعفن وشعور بالاختناق.
2- الكاهن المقتول في المصلى الدامي
حادثة قتل الكاهن على يد شقيقه أثناء القداس تركت أثراً لا يُمحى. يروي الزوار سماعهم تراتيل غامضة أو رؤية ظلال قرب المذبح، وكأن الكاهن ما زال يعيد طقوس القداس التي انقطعت بلحظة خيانة.
3- كيان الإليمنتال The Elemental
أكثر ظواهر القلعة غرابة ورعباً. يوصف هذا الكيان بأنه مخلوق غامض نصف بشري، مشوه الملامح، تحيط به رائحة كبريت أو جثة متعفنة. ظهوره يسبب ذعراً شديداً وغثياناً حاداً للمتواجدين ، يرجح الباحثون أن الإليمِنتال نتج عن الطقوس الدرويدية القديمة، بينما يرى آخرون أنه تجسيد للطاقة السلبية الناتجة عن قرون من العنف والمعاناة.
يُعتقد أن موقع قلعة ليب كاسل كان مركزاً لهذه الطقوس الدرويدية، ما ترك أثراً روحانياً قوياً في الأرض. مع مرور الوقت، تداخل هذا الإرث مع تاريخ القتل والعنف في القلعة، فنتج عنه كيان غامض يُسمى الإليمِنتال، ربما استُدعي قديماً كحارس روحاني ثم تحول إلى كيان عدائي يتغذى على الخوف والطاقة السلبية.
4- أشباح الطفلتين: إيميلي وتشارلوت
تُروى حكايات عن ظهور فتاتين صغيرتين، تدعى إحداهما إيميلي، التي يقال إنها سقطت من أحد أبراج القلعة عام 1670. يُشاهد ظلها أحياناً وهو يسقط من البرج ثم يختفي قبل أن يلامس الأرض ، أما تشارلوت التي كانت تعاني من إعاقة، فيُشاهد شبحها وهي تزحف ببطء عبر الممرات، يرافقها صوت نحيب مكتوم.
تجارب واقعية
قصص الزوار والباحثين في القلعة لا تقل إثارة عن الأساطير.
إذ كتبت ميليد داربي مالكة القلعة في مطلع القرن العشرين عن لحظة شعرت فيها بيد باردة تمسك بكتفها بينما كانت بمفردها، ثم شمت رائحة جثة متحللة خلفها. وعندما التفتت، رأت ظلّاً غامقاً يختفي في جدار المصلى.
في تجربة حديثة، ذكر أحد الزوار أنه أثناء صعوده السلالم الحلزونية، شعر بيد غير مرئية تدفعه للأسفل. وعندما راجع الصور التي التقطها في تلك اللحظة، ظهرت تشوهات غريبة ووجوه غير مكتملة في الصور.
شون رايان، المالك الحالي، يروي أنه يسمع باستمرار أصوات خطوات وهمسات في الليل، ويرى أحياناً أطيافاً تمر بسرعة في الممرات. ويؤكد أن القلعة تضم عشرات الأرواح، بعضها ودود، وبعضها عدائي للغاية.
السياحة وتجربة الرعب
اليوم، تُعد قلعة ليب وجهة سياحية لعشاق الرعب ، يمكن للزوار حجز جولات نهارية يقودها شون رايان شخصياً، حيث يروي تاريخ القلعة وقصصها المرعبة ، خلال موسم عيد الهالوين، تُنظم جولات ليلية خاصة حيث تُطفأ الأضواء ويُترك الزوار مع مصابيح الشموع فقط، ليعيشوا تجربة مواجهة الأرواح ، بعض المجموعات تختار قضاء ليلة كاملة داخل القلعة، وهي تجربة مخصصة لمحبي المغامرة القصوى ، تبلغ رسوم الدخول حوالي 6 يورو للشخص، وتحتاج الزيارة إلى حجز مسبق نظراً لكون القلعة ملكية خاصة.
وفي الختام ، تعتبر قلعة ليب كاسل أكثر من مجرد بناء أثري؛ إنها مسرح للأرواح والأسرار، حيث يلتقي الماضي الدموي مع الحاضر الماورائي. سواء كنت مؤمناً بوجود الأشباح أم لا، فإن زيارة هذه القلعة تترك أثراً عميقاً في النفس، وتذكرك بأن بعض الأماكن تحمل في جدرانها قصصاً لا تُروى إلا بالهمس... أو بالصراخ.
نبذة عن كمال غزال

0 تعليقات:
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .