16 أغسطس 2025

نزيف الدم: بين الماورائيات والتفسيرات العلمية

جدران تنزف دماً - أشجار تنزف دماً - سماء تهطل دماً
إعداد :  كمال غزال

منذ العصور القديمة والإنسان يقف مذهولًا أمام مشهد الدم، فهو في آنٍ واحد رمز للحياة والفناء، وللتضحية واللعنة، لكن المفارقة الأكثر إثارة للرعب تكمن في ظهور الدم في غير موضعه الطبيعي: من جدران البيوت أو تماثيل حجرية، من الأشجار أو قطرات المطر، وحتى على ملابس البشر دون جرح ظاهر. 

وٌثقت هذه الظواهر التي تجمع بين الغرابة والرعب في مختلف الثقافات والتقاليد، وفتحت باباً واسعاً للتفسيرات العلمية والماورائية على حد سواء، في هذا المقال سنستعرض أبرز صور "الأشياء النازفة دماً"، من الحالات الفيزيائية القابلة للتفسير إلى القصص التي بقيت عالقة في منطقة الغموض والأسطورة.

جدران تنزف

قد يبدو الحديث عن جدران تنزف دماً وكأنه مأخوذ من مشهد سينمائي، لكن الواقع أن هذه الظاهرة أُبلغ عنها في بلدان عدة، ودوّنت في سجلات الشرطة والإعلام ، بين من يراها دليلاً على تدخلات ماورائية، ومن يفسرها بأنها مجرد تفاعلات فيزيائية داخل الجدران، تبقى "الجدران النازفة" واحدة من أكثر الظواهر الغامضة إثارة للرعب والفضول.

في التراث الشعبي، نزيف الجدران ارتبط بـ:

- علامة على وجود روح أو شبح، خصوصاً إذا ترافق مع أصوات أو نشاط غير مفسر.

- إشارة لعنة أو تحذير في البيوت القديمة أو المسكونة.

- بعض القصص التاريخية تحدثت عن "دم الشهداء" أو "ضحايا قدامى" يُعاد ظهوره على الجدران في أماكن مرتبطة بجرائم قتل أو مآسي.

هذه الروايات ليست مثبتة علمياً، لكنها تجد صدى في الوجدان الجمعي لأنها تتماشى مع فكرة "البيت الذي يتذكر" المأساة.


قصص واقعية عن جدران نازفة


منزل أتلانتا – الولايات المتحدة (1987)
سيدة تُدعى ميني وينستون أبلغت الشرطة عن دم يتسرب من جدران وأرضية بيتها. حيث أثبتت التحاليل أنه دم بشري من فصيلة A، لكن لم يُعثر على أي مصدر داخلي أو إصابة جسدية لأفراد العائلة ، بقيت القضية لغزاً حتى اليوم.

حادثة بيروجيا – إيطاليا (1983)
في شقة صغيرة، تدفق سائل أحمر من الجدران. أظهرت الفحوص أنه دم بشري مختلط بمواد بيولوجية مصدرها أنابيب الصرف الصحي المتهالكة ، ورغم التفسير ظلّت الشقة موصومة بسمعة سيئة.

منزل في كاليفورنيا – الولايات المتحدة
اشتكى سكان البيت من ظهور بقع دماء حمراء على الجدران في المطبخ وغرفة النوم ، ليتبين لاحقاً أن السبب تسرب مياه مختلطة بصدأ وأنابيب صرف قديمة، مما أعطى لوناً يشبه الدم ، الإعلام آنذاك ضخم القصة وربطها بالأرواح، لكن العلم فسرها مادياً.

منزل في لندن – بريطانيا
في بيت قديم بُني فوق موقع مقبرة، قال السكان إن الجدران تنزف سائلاً أحمر يشبه الدم ، التحقيق كشف أن السبب بقايا مواد عضوية ورطوبة عالية تسربت عبر الجدران ، لكن ارتباطه بالمقبرة جعل السكان مقتنعين بأن الأمر ماورائي.

البيت النازف -  الهند
عائلة في الهند اشتكت من خروج دماء من أرضيات وجدران المنزل بشكل متكرر ، وأثبتت التحاليل أثبتت أن الدم بشري، لكن لم يجدوا مصدراً له ، حيث اعتبرها الباحثون في الباراسيكولوجي حالة مرتبطة بـ "الأشباح المشاغبة" أو الكيانات الطاقية المؤذية Poltreigist.


التفسير الفيزيائي - الصدأ والرطوبة

في كثير من الحالات الموثقة التي فُحصت ميدانياً، لم يكن ما يخرج من الجدار دماً حقيقياً، بل مواد أخرى مثل:

- صدأ الأنابيب: عندما تتآكل أنابيب المياه الحديدية داخل الجدار، يمكن أن يمتزج الماء المتسرب مع أكسيد الحديد ليظهر بلون أحمر داكن يشبه الدم.

- رطوبة + أملاح: أحياناً تتفاعل الرطوبة المتسربة مع الأملاح والمعادن في الجدار، فتعطي بقعاً أو خطوطاً داكنة بلون الدم المجفف.

- طلاء متحلل: بعض أنواع الطلاء أو الورنيش القديم يتسرب مع الرطوبة ويأخذ لوناً شبيهاً بالدم.


أشجار تنزف 

بعض الأشجار عند جرحها يخرج منها سائل أحمر داكن يشبه الدم ، مثل شجرة دم الأخوين في سقطرى باليمن التي عُدت مقدسة في الموروث الشعبي وفي افريقيا هناك شجرة Pterocarpus angolensis التي يخرج منها صمغ أحمر سميك ، علمياً هذا النزف الدموي الظاهري مجرد إفراز نباتي يحتوي على أصباغ نباتية مثل الأنثوسيانين/ بينما في الموروث لشعبي الرمزية الشعبية فإن الأشجار تعتبر "حية" تنزف عند الأذى فصارت رمزاً أسطورياً للأرواح .

في عام 2009 نشرت صحيفة عراقية خبراً عن شجرة سدر في بغداد شاهدها أحد المواطنين، وذكر أنها بدأت في اليوم العاشر من محرم بإفراز سائل أحمر يشبه الدم، واستمر تدفقه أربعين يوماً متزامناً مع فترة عاشوراء وحتى العشرين من صفر ، صاحب الشجرة وصف ما حدث بـ"المعجزة الإلهية" المرتبطة بذكرى استشهاد الإمام الحسين، وأكد أنه بصدد إخضاع هذا السائل لفحص مختبري ، اللافت في القصة كان التوقيت الدقيق لبدء الإفراز في نفس ساعة الاستشهاد بحسب الرواية، وهو ما زاد من قناعة البعض بأن المسألة ليست طبيعية، بل ذات بعد روحي ورمزي. إقرأ المزيد عن أشجار تنزف دماً . 

صخور وأنهار تنزف

شوهدت بقع حمراء على الصخور أو الأرض في أماكن يُعتقد أنها شهدت مذابح أو كوارث، لكنها غالباً ما تكون نتيجة تفاعلات أكسيد الحديد أو الطحالب الحمراء ، وطال الأمر الأنهار بما يعرف أنهار الدم مثل حادثة نهر في بيروت عام 2011 أو في الصين 2012، حيث تحول الماء فجأة إلى اللون الأحمر ، والتي يفسرها العلم على أنها تلوث صناعي أو تكاثر طحالب دقيقة Red Algae Bloom ، بينما في الثقافة الشعبية تعتبر علامات على نهاية العالم أو لعنة سماوية.

سماء تهطل دماً

عرف التاريخ ما يسمى بـ المطر الدموي وهي قطرات حمراء تنزل من السماء ، حيث تعتبر في الموروث نذير شؤم، وذُكر في التراث الإسلامي أنه ارتبط بأحداث مأساوية مثل كربلاء ، لكن العلم يثبت أنها ناجمة عن غبار محمّل بجزيئات أكسيد الحديد أو طحالب دقيقة عالقة في الغلاف الجوي، تعطي المطر لون الدم، إقرأ المزيد عن غرائب السماء.

تماثيل ولوحات تنزف

انتشرت في العالم الكاثوليكي تقارير عن تماثيل مريم العذراء وقديسين تنزف دماً أو دموعاً ، حيث يراها المؤمنون "رسائل إلهية" و "معجزات حقيقية" ، بينما العلم والتحقيقات كشفت أن بعضها كان مجرد خدع من خلال استخدام مواد ملونة أو أن التمثال مصنوع من حجر مسامي يمتص الرطوبة فيخرج منها سائلاً أحمر اللون ، هذه الحالات مزيج بين الإيمان الشعبي والرغبة في جذب الحشود الدينية.

الأيقونات واللوحات الدينية مثل صور القديسين أو لوحات مريم العذراء التي يُقال إنها نزفت دماً أو دموعاً حمراء غالباً تفسَّر كخدع دينية أو نتيجة مواد كيميائية داخل الأيقونة تتسرب مع الرطوبة.

خبز ينزف دماً

في التاريخ الأوروبي وُثقت حالات عن "خبز ينزف دماً" في الأديرة فُسرت قديماً كـ"معجزة" أو "تحذير إلهي"، لكن تبين أنها إصابة بفطر ينتج مادة حمراء داكنة Serratia marcescens.

ظاهرة ستيغماتا Stigmata 

تعد الستيغماتا من أغرب الظواهر الدينية الموثقة في التاريخ المسيحي، حيث يظهر على أجساد بعض الأشخاص المتعبّدين جروح أو نزيف في مواضع تشبه جروح المسيح على الصليب (اليدين، القدمين، الجنب، أو الرأس) ، غالباً ما تترافق مع حالات صوفية من النشوة الدينية، وقد شهدتها شخصيات مشهورة مثل القديس فرنسيس الأسيزي وخادمة الصوفانية في دمشق، لهذا الأمر تفسير ديني حيث تعتبر علامة روحية أو مشاركة رمزية في آلام المسيح ، بينما بعض الباحثين يرجعونها إلى اضطرابات نفسية-جسدية Psychosomatic حيث يعبّر الجسد مادياً عن الانفعال الروحي العميق،لكن المشككين يرونها مجرد خدع متعمدة أو نزيفاً تلقائياً مجهول السبب.

بقع دم غامضة على الملابس والأثاث

من أغرب ما ورد في تقارير بعض الأشخاص أنهم يجدون فجأة بقع دم على ملابسهم أو مفروشاتهم من دون أن يكونوا تعرضوا لأي جرح أو إصابة ، في بعض الحالات وبعد الفحص الطبي لا يُعثر على أي نزيف داخلي أو خارجي يفسّر الأمر ، في الفولكلور والماورائيات تُعتبر أحياناً علامة على "إصابة روحية" أو هجوم من الجن أو الأرواح، خصوصاً إذا تكررت بلا سبب طبي ، وبعض التقاليد الشعبية ربطتها بـ لعنة أو سحر دموي، حيث يُقال إن الساحر ينقل أثر الدم إلى الضحية كوسيلة للربط أو الإيذاء.

لكن في نفس الوقت يجب أن لا نغفل عن تفسيرات طبيعية محتملة وهي :

-  نزيف أنفي خفيف أثناء النوم يلطخ الملابس دون أن يلحظه صاحبه.

- خدش جلدي صغير أو لدغة حشرة قد تُخرج قطرات دم غير ملحوظة.

- بقع من صبغات أو صدأ قد تختلط بالرطوبة وتظهر بلون الدم.


نزيف الدموع -  هيمولاكريا 

من أغرب الحالات الطبية التي ساهمت في تغذية الماورائيات كانت عن أشخاص ينزفون دماً بدل الدموع ،  يجري تفسيرها عند العامة أحياناً كلعنة أو "إصابة غيبية"، رغم أنها قد تكون ناتجة عن التهابات أو مشاكل وعائية دقيقة ، إقرأ المزيد عن دموع الدم.


وفي الختام ، الدم أكثر من مجرد سائل بيولوجي؛ إنه رمز يثير أعنف المخاوف الإنسانية. لذلك كل ما يشبه الدم أو يخرج في غير موضعه الطبيعي يتحول إلى لغز مرعب، يراوح بين التفسير العلمي المطمئن والأسطورة التي تحيلنا إلى الماورائيات. من الجدران التي تنزف إلى الأشجار والسماء والأنهار، ومن التماثيل الصامتة إلى الخبز المغمور بلون الدم، تبقى هذه الظواهر شاهدًا على هشاشة إدراكنا وحدود معرفتنا.

إنها تذكرنا بأن العالم، رغم ما كشفه العلم، لا يزال يحتفظ بزاوية غامضة تثير فينا الرعب ذاته الذي شعر به أسلافنا، وتجعلنا نتساءل: هل ما نراه مجرد صدأ وطحالب وأصباغ… أم رسائل من عوالم أبعد من الفيزياء؟


0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .

 
2019 Paranormal Arabia جميع الحقوق محفوظة لـ