منذ آلاف السنين، شكلت أرض سوريا بوتقة انصهرت فيها الحضارات، وتقاطعت فيها الأديان والمعتقدات، وامتزجت فيها الأسطورة بالتاريخ ، وبينما تقف المعابد والمدافن والقصور شامخة شاهدة على ماض مجيد، يهمس الليل السوري بقصص لا تُروى إلا في العتمة: ظلال عابرة، أطياف مجهولة، كيانات غريبة، وهمسات تأتي من عالم غير منظور ، في هذه الجولة نغوص في أعماق التراث السوري لا بحثاً عن الوثائق والآثار، بل عن آثارٍ أخرى.. تلك التي تترك في النفس حين تعبر بوابة اللامرئي، حيث تمتزج الماورائيات مع المعتقد الشعبي، وتصبح الأسطورة واقعاً يتداوله الناس جيلاً بعد جيل.
أماكن "مسكونة"
قصر العظم - دمشق
يُعد قصر العظم في قلب دمشق القديمة أحد أبرز المعالم التاريخية، لكن ما يثير الفضول حوله ليس فقط جماله المعماري، بل ما يُحكى عن ظواهر ماورائية تحدث فيه ليلاً. فوسط الصمت العميق الذي يغلف أروقته، أفاد حراس وزوار بأنهم سمعوا خطوات غير مرئية في الطابق العلوي، وأصوات أنين أو بكاء مكتوم في أوقات متأخرة دون وجود أحد. كما أفاد بعضهم برؤية ظلال تمرّ بسرعة بين الأعمدة أو على الدرج دون تفسير منطقي. ويعتقد بعض الباحثين أن هذه الظواهر ترتبط بتاريخ القصر، خاصة خلال فترة الاحتلال الفرنسي حيث يُقال إن بعض غرفه استُخدمت لأغراض غير معلنة. ومع كثرة الروايات، يبقى قصر العظم محط أنظار المهتمين بالغموض، بين التاريخ والماورائيات.
جبل قاسيون - دمشق
عدا عن كونه مكاناً ذا أهمية دينية، فإن سكان بعض الأحياء القريبة من سفح قاسيون يتداولون قصصاً عن أضواء غامضة تظهر ليلاً في الجبل، ويُعتقد أن الجبل نفسه يحتوي كهوفاً غير مكتشفة ربما تُستخدم للخلوات أو الطقوس الغامضة.
مقبرة الباب الصغير - دمشق
في الزاوية الجنوبية الغربية من مدينة دمشق القديمة، تقع مقبرة الباب الصغير والتي تعود نشأتها إلى عام 13 هـ / 634 م . تُعد هذه المقبرة شاهدة على تاريخ طويل من الأحداث الدينية والسياسية، وتضم رفات العديد من الشخصيات البارزة في التاريخ الإسلامي ، تقع المقبرة بالقرب من البوابة القديمة للمدينة المعروفة باسم "الباب الصغير" ، تحتضن المقبرة أضرحة لعدد من الصحابة وأهل البيت، منهم: بلال بن رباح، مؤذن الرسول وزوجاته أم سلمة وأم حبيبة من أمهات المؤمنين وحفيدته سكينة بنت الحسين ، وأم كلثوم بنت علي بن أبي طالب ابنة الإمام علي وفاطمة الزهراء ، وغيرهم مما يجعلها مقصداً للزوار والباحثين عن الروحانية والتاريخ.
تُحيط بالمقبرة العديد من القصص والأساطير التي تتحدث عن ظواهر غير مفسرة، مثل أصوات همسات تُسمع ليلاً بين القبور دون مصدر واضح وظلال تتحرك بين الأضرحة وتختفي عند الاقتراب منها وشعور بالبرودة المفاجئة في الليالي الدافئة، وكأن أحدهم يمر من خلالك ، وتُروى أيضاً قصص عن رؤى وأحلام يراها الزوار بعد زيارتهم للمقبرة، مما يعزز من مكانتها كموطن للأرواح والذكريات.
يُحكى قديماً أن سكان دمشق كانوا يتجنبون المرور ليلاً بجانب باب الصغير، حيث المقبرة المظلمة، خشية لقاء الأرواح الهائمة أو الجن، ومن الروايات الشفوية ما يتحدث عن أضواء غامضة تظهر أحياناً فوق بعض القبور المباركة في الليالي الظلماء، أو أصوات مبهمة تُسمع من جهة الأضرحة، فينسبها البعض إلى تلاوة قرآن أو تهليل تقوم به أرواح الصالحين. بطبيعة الحال، لا دليل علمي على أي من تلك الظواهر، لكنها تعكس نظرة الاحترام الممزوجة بالرهبة التي حملها أهل الشام لمقبرتهم القديمة. كما شاع بين بعض الزوار الاعتقاد بأن زيارة قبور معينّة في المقبرة - خصوصًا مراقد آل البيت - قد تكون سببا في قضاء الحاجات وتحقيق الأمنيات، وذلك نتيجة لما نُقل عن كرامات حدثت لمتوسلين هناك.
يُقدر أن المقبرة تضم حوالي 15 ألف قبر ، ومع امتلاء المقبرة عن آخرها بالقبور بات أهالي دمشق يدفنون موتاهم أحياناً بشكل طابقي (أي فوق بعضهم) لنقص المساحات الأفقية.
فندق بارون - حلب
رغم كونه معلماً سياحياً عريقاً أقام فيه كبار الشخصيات ، إلا أن بعض الغرف، خصوصاً في الطابق العلوي، ارتبطت بقصص تحرك الأثاث دون سبب وظهور أطياف، خاصة في الغرفة التي أقام فيها الشاعر محمد الماغوط والتي ارتبطت بأجواء من الكآبة والانطواء.
حمام يلبغا - حلب
حمّام يلبغا في مدينة حلب يُعد من أقدم الحمّامات التاريخية في سوريا، ويعود بناؤه إلى العصر المملوكي، لكنه اكتسب شهرة ماورائية لا تقل عن قيمته المعمارية. فقد تداول سكان حلب قصصاً غريبة عن أصوات ضحكات وهمسات نسائية تصدر من داخله ليلاً، رغم إغلاقه وعدم وجود أحد. كما روى بعض السكان المجاورين أنهم شاهدوا أنواراً خافتة تتحرك في الداخل أو سمعوا رشاش الماء وصوت تساقطه دون مصدر مادي.
إحدى القصص الشهيرة تحدثت عن رجل حاول النوم داخله ليلاً، لكنه استيقظ مرعوباً مدعياً أن كياناً غامضاً حاول خنقه. ويربط البعض هذه الظواهر بروح امرأة قُتلت داخل الحمام في ظروف غامضة منذ عقود، ويُقال إنها لا تزال "تسكنه" وتظهر لمن يتجرأ على الاقتراب بعد الغروب، إقرأ المزيد عن حمام يلبغا الناصري.
حمام النحاسين - حلب
أحد أقدم الحمّامات العامة في حلب، وقد أُغلق منذ سنوات طويلة. هناك قصص عن ظهور أشباح لنساء يرتدين الأبيض، وصوت الماء يتدفق رغم توقف الإمدادات. يقال إن امرأة قُتلت غيلةً داخله، وروحها لا تزال هائمة فيه.
ديك الجن - حمص
ديك الجن هو لقب عبد السلام بن رغبان وهو شاعر عباسي عاش في القرن التاسع الميلادي، اتسم شعره بالعذوبة من جهة وبالسوداوية والعنف من جهة أخرى. لكن ما جعل سيرته محاطة بالرهبة هو قتله لزوجته ورد، بعد أن اتهمها بالخيانة، رغم عدم ثبوت ذلك. ويُقال إنه أمر بحرق جسدها بالكامل، ثم صنع من رمادها حبراً كتب به شعراً يرثيها.
منذ ذلك الحين، شاع بين أهالي حمص أن بيت ديك الجن، أو المكان الذي ارتكبت فيه الجريمة، يُسمع فيه أنين امرأة ليلاً، ويظهر فيه طيف أنثوي يرتدي الأبيض ويختفي فجأة. كما اعتقد البعض أن شبح ورد لا يزال يطوف في المكان المجهول الذي دُفنت فيه دون قبرٍ واضح، وأن روح ديك الجن نفسها تعذّبت لاحقاً، إذ انقلبت حياته إلى عزلة واكتئاب، حتى مات مغموراً.
كنيسة أم الزنار - حمص
تقع كنيسة أم الزنار في قلب مدينة حمص القديمة، وتُعدّ واحدة من أقدم الكنائس المسيحية في العالم، إذ يعود تاريخها إلى القرن الأول الميلادي، وتُنسب إلى مار الياس الحمصي أحد تلاميذ القديس بولس. وما يميزها ليس فقط قدمها، بل احتواؤها على زنار السيدة العذراء (حزام من نسيج قيل إنه يعود للعذراء مريم)، والذي وُجد مخبأً في مغارة أسفل المذبح أثناء ترميم الكنيسة عام 1953، ما زاد من قداستها وغموضها في آنٍ واحد.
لكن ما يدور في فلكها لا يقتصر على البعد الديني فقط، بل يمتد إلى الظواهر الماورائية التي يتداولها الأهالي والزوار. فقد أُبلغ عن أصوات تراتيل خافتة تصدر من باطن الأرض ليلاً، رغم فراغ المكان، وشهد بعض الزوار اهتزازاً طفيفاً في أرضية الكنيسة عند الصلاة فوق المغارة التي وُجد فيها الزنار. وهناك من يقول إنه شاهد طيف امرأة مضيئة تمر في الممر الجانبي قبل أن تختفي عند المذبح، ويُعتقد أنها ظهور روحاني للسيدة العذراء.
الكنيسة تُعد مقصداً للحجاج من مختلف الطوائف، ليس فقط للتبرك، بل أيضاً لطلب الشفاء أو الفرج، حيث يُقال إن هناك من استجاب دعاؤه بعد أن نام ليلة في الكنيسة أو أقام صلاة صامتة فيها. ويصف البعض شعوراً غريباً من الرهبة والطمأنينة في آنٍ واحد ينتاب الداخلين إليها، وكأنهم يعبرون حاجزاً بين العالم المادي وعالم غير منظور.
باختصار، تبقى كنيسة أم الزنار معلماً روحانياً غامضاً، تتقاطع فيه القداسة المسيحية مع الأسرار الماورائية، في مدينة حمص التي لطالما حملت في طيّاتها مزيجاً فريداً من التاريخ، والإيمان، والغموض.
كهف النبي أيوب - السويداء
يقع في منطقة "قنوات" من جنوب سوريا، ويُعتقد أنه كان مكان خلوة وتعبد للنبي أيوب. يتحدث الزوار عن طاقة غريبة في المكان، وشعور بالطمأنينة العميقة أو الرجفة، خصوصاً عند دخول الكهف ليلاً. ويرى بعض الزوار أطيافاً أو أضواء غامضة تظهر فجأة وتختفي دون تفسير.
بحيرة مزيريب - درعا
تنتشر حول البحيرة قصص عن دوامات مائية غريبة، وأشخاص سمعوا أصواتاً تأتي من تحت الماء. بعض سكان المنطقة يربطونها بـكيانات مائية أو جن يسكنون الماء، ويخشون الاقتراب منها ليلاً.
العواصف "الصامتة" - صحراء تدمر ودير الزور
يُقال إن في عمق البادية تحدث أحياناً عواصف رملية بلا صوت، ويشعر الداخل إليها بضياع الزمان والمكان، ويُربط ذلك بـ"عوالم موازية" أو "اختبار الأرواح"، كما في الموروث البدوي.
نافذة الكذب - مصياف
في قرية ربعو من شرق مدينة مصياف تُعرف إحدى الظواهر الشعبية الغريبة باسم "مقام أبوطاقه"، وهي فتحة صغيرة محفورة في جدار حجري قديم يُعتقد أنها تكشف الكاذب من الصادق. تقع هذه النافذة غالباً في جدران أحد المزارات أو الأبنية الشعبية القديمة، ويُطلب من الشخص المتهم بالكذب أن يدخل يده أو رأسه منها ويقسم بأنه صادق. فإن لم تحدث له أذية أو يُغلق عليه الفتحة، يُعتبر بريئاً، أما إذا أصيب بخوف شديد أو وقعت له حادثة لاحقاً، يُفسّر ذلك كدليل على كذبه. هذه المعتقدات تُعد جزءاً من الفولكلور العلوي المحلي، وتمزج بين الرهبة الدينية والخوف من العقاب الغيبي، وتُستخدم أحياناً في النزاعات القروية أو لحسم الشكوك بين الناس ، أما المقام فهو لشيخ يدعى بـ « يوسف بن عفيف الدين من آل جعفر بن أبي طالب » وهو أحد أولياء الطائفة العلوية، وافته المنية في عام 450 للهجرة، ولا زال الناس يتداولون تلك أسطورة الدينية القديمة حتى الآن.
كائنات أسطورية
أبو لهب/القرين الناري
في بعض مناطق البادية السورية، يُعتقد أن بعض الأشخاص يولدون ومعهم قرين ناري من الجن، يظهر لهم في الأحلام أو في الخلوة، وقد يمنحهم معرفة أو قوة مؤقتة. لكنه إن غضب، يُحرق صاحبه من الداخل. ويُعتقد أن "أبو لهب" اسم رمزي لهذا القرين.
المرأة ذات العين الواحدة
كيان روحاني يظهر في المرايا ليلاً، خاصة لمن يكثرون النظر في المرآة بعد المغرب. تظهر كامرأة بعين واحدة في منتصف الوجه، وتُقال عنها حكايات في أحياء دمشق القديمة، حيث كانت تُستخدم للتحذير من الزينة ليلاً أو الغرور الزائد.
سكان المغارات السوداء
في ريف السويداء والقنيطرة، يُحذر من مغارات يُقال إنها "مأهولة" بكيانات جنّية قديمة. هناك حكايات عن أشخاص دخلوا تلك الكهوف ولم يعودوا إلا بعد أيام، فاقدين للذاكرة أو مصابين بحالة "هذيان دائم"، ويُقال إنهم التقوا بكائنات تتحدث دون صوت وتطلب العهد.
أم الشعور
كيان جنّي أنثوي يظهر في بعض قرى حماة وإدلب واللاذقية، تُوصف بأنها ذات شعر طويل جداً يغطي وجهها بالكامل، وتظهر ليلاً عند الأشجار أو السواقي. تغوي الأطفال أو النساء وتمشي خلفهم بصمت، ولا ينجو منها إلا من يلتفت فجأة دون خوف، أو من يقرأ المعوّذتين بصوت عالٍ.
أبو الشعور
يُروى عنه في مناطق الريف الغربي، بأنه جنّي مغطى بالشعر، طويل القامة، وعيناه حمراوان، يسكن الأحراش أو الجبال. يظهر للأطفال الذين يسيرون وحدهم، وقد يخطفهم ثم يعيدهم بعد ساعات وهم مذهولون. يُعتقد أنه من الجنّ المعتزل للبشر، لكنه يغضب إن اقترب منه أحد.
الطنطل
كيان أسطوري منتشر في سوريا والعراق، يظهر على هيئة رجل ضخم بلا ملامح واضحة، يعيش في الخرائب والآبار المهجورة. في الحكايات الشامية، يُقال إن من يراه يتجمد في مكانه ولا يستطيع الصراخ، ويُعتقد أنه من شياطين الجن التي تتغذى على الخوف البشري.
الجني المقلد (المسمى أحياناً بـ "صاحب الصوت")
يظهر في القرى على هيئة صوت بشري يقلّد صوت الأم أو الأب أو الأخ، ينادي الشخص من بعيد ليدفعه للذهاب إلى مكان منعزل. وقد ينتهي ذلك بفقدان الوعي أو الاختفاء المؤقت. يُقال إنه من الجن العاشق أو المتربص.
أم الصبيان
جنية أنثى مخيفة، تُوصف بأنها تسكن البيوت التي فيها حوامل أو أطفال رضع. يُقال إنها تُسبب الإجهاض أو اختناق الرضيع ليلاً، وتُرسم أحيانًا في طلاسم السحر الأسود. كانت الجدات ينصحن بتعليق حرز من آيات معينة أو خرزة زرقاء على مهد الطفل لحمايته منها.
السبدلا
في الحكايات الشعبية الحلبية، كانت "السبدَلا" تُذكر بصوت منخفض ومتحفظ، وتوصف بأنها روح شريرة أو كائن أنثوي يظهر للطفل المشاغب أو الذي لا ينام مبكراً. تقول الجدّات: " نام قبل ما تجي السبدلا من الحوش ! " ، وصفها يتغير من حيّ إلى آخر، لكن المشترك في كل الروايات أنها تتحرك بسرعة البرق، ذات شعر طويل يلامس الأرض، وتصدر صوت تنفّس ثقيل أو زمجرة، وتظهر عادة في الأزقة الضيقة أو خلف أبواب البيوت الطينية القديمة. وكانت الجدات تقرنها دائماً بـالتحذير من فتح الباب بعد المغرب أو النظر من النوافذ القديمة حين تهب الريح ليلاً، بعض القصص تزعم أن من يراها يفقد صوته مؤقتاً أو يُصاب بالحمّى.
الشيخ ويس
في حلب، كان يُذكر "الشيخ ويس" ضمن الحكايات النادرة التي تجمع بين المخافة والهيبة ، تقول الأسطورة إنه شيخ طاعن في السن بلباس أبيض، يظهر على مداخل الحارات القديمة عند منتصف الليل، يسير دون أن يصدر صوتاً، ويحمل عصاً، ويقال إنه يعرف من أخطأ ومن كذب ومن ظلم. إذا مرّ بقربك وأنت نائم على سطح المنزل أو عند الدرج، قد يهمس باسمك ثم يختفي ، وإن سُئلت الجدات عن حقيقته يقلن: "الشيخ ويس ما بينشاف إلا للّي قلبه مو نظيف." ، وفي بعض الحكايات، يُقال إنه روح أحد أولياء الله الصالحين الذين لم يُعرف لهم قبر، وظلّ يظهر لتحذير الناس، خاصة الأطفال الذين لا يطيعون أهلهم أو يسرقون أو يكذبون،
ومن أكثر المعتقدات شيوعاً بين الناس أن من يقرأ الفاتحة للشيخ ويس قبل أن ينام وهو صادق النية، ويطلب منه أن يستيقظ في ساعة محددة، فإنه سيُوقظ في الوقت تمامًا، دون منبّه.
ويُقال إن هذا "الإيقاظ" يحدث برفق… كأن أحدًا يناديك بصوت داخلي أو يلمسك برفق دون أن ترى أحدًا، فتفتح عينيك في الساعة المحددة.
أم الشعور - حماه
يحكي التراث عن "أم الشعور" وهي جنية تظهر كامرأة بشعر طويل يغطي وجهها بالكامل، تظهر للأطفال وتغويهم ليلاً، وقد ارتبطت بالأساطير المحلية التي تحذر من السير قرب الأشجار الكبيرة أو السواقي بعد الغروب.
الطرق الصوفية وظواهرها
التصوف في سوريا يحمل طابعاً فريداً يمزج بين الزهد الديني والاتصال بالماورائيات، خاصة في الطرق المنتشرة كالقادرية والرفاعية والشاذلية. في الزوايا والخلوات، يروي المريدون تجارب غير مألوفة: رؤية أنوار، سماع أصوات غيبية، أو شعور بالخروج من الجسد أثناء الذكر العميق.
في حلقات الذكر، يدخل بعض الدراويش في حالة وجد عنيفة، قد يُغمى عليهم أو ترتعش أجسادهم دون وعي. وتُنسب كرامات عديدة لمشايخ كـالشيخ محمد النبهان، الشيخ الحبال، وبدر الدين الحسني، ممن قيل إنهم عرفوا نوايا الناس أو ظهروا في رؤى منقذة. أضرحة هؤلاء الصالحين تُعد مقامات يتوافد إليها الزوار طلباً للسكينة أو الشفاء، ويُقال إن بعضها تفوح منه روائح طيب دون سبب. كما يعتقد البعض أن الخلوة الروحية تفتح بابًا على عالم آخر، فيه إشارات وأحوال لا تُفسّر بالعقل. هكذا، يشكّل التصوف في سوريا بوابة حيّة بين العالم المادي وعالم الغيب، حيث يلتقي الإنسان مع الماوراء من قلب التجربة الإيمانية.
في حلقات الذكر، يدخل بعض الدراويش في حالة وجد عنيفة، قد يُغمى عليهم أو ترتعش أجسادهم دون وعي. وتُنسب كرامات عديدة لمشايخ كـالشيخ محمد النبهان، الشيخ الحبال، وبدر الدين الحسني، ممن قيل إنهم عرفوا نوايا الناس أو ظهروا في رؤى منقذة. أضرحة هؤلاء الصالحين تُعد مقامات يتوافد إليها الزوار طلباً للسكينة أو الشفاء، ويُقال إن بعضها تفوح منه روائح طيب دون سبب. كما يعتقد البعض أن الخلوة الروحية تفتح بابًا على عالم آخر، فيه إشارات وأحوال لا تُفسّر بالعقل. هكذا، يشكّل التصوف في سوريا بوابة حيّة بين العالم المادي وعالم الغيب، حيث يلتقي الإنسان مع الماوراء من قلب التجربة الإيمانية.
في حلقات الذكر، خاصة الرفاعية والقادرية، يُلاحظ: الاهتزاز العنيف للجسد دون إرادة ، سقوط بعض المريدين على الأرض بحالة شبيهة بالغيبوبة ، ودخول حالة من الضحك أو البكاء اللا إرادي ، ويدعي البعض شعوراً بأنهم اندثروا تماماً في "الوجود الإلهي"، وهي حالة "فناء" في المصطلح الصوفي ، والمريدون يحكون عن تجارب روحية عميقة مثل رؤية شيخه على شكل نور أو كائن ضخم في المنام وسماع النداء باسمه عند الفجر دون مصدر وشمّ روائح طيب في أماكن الذكر دون وجود عطر وحدوث خوارق صغيرة متكررة كاختفاء الألم أو معرفة خبر قبل وقوعه.
من أشهر الأساطير في التصوّف السوري "أهل الخطوة"، وهم أولياء يُعتقد أنهم يقطعون المسافات الشاسعة بخطوة واحدة بكرامة من الله، فيُرون في أماكن متباعدة في الوقت نفس ، يُقال إنهم لا يُعرفون إلا إذا أرادوا، ويُخفون سرّهم عن العامة.
من أشهر الأساطير في التصوّف السوري "أهل الخطوة"، وهم أولياء يُعتقد أنهم يقطعون المسافات الشاسعة بخطوة واحدة بكرامة من الله، فيُرون في أماكن متباعدة في الوقت نفس ، يُقال إنهم لا يُعرفون إلا إذا أرادوا، ويُخفون سرّهم عن العامة.
السحر والشعوذة
السحر والشعوذة في سوريا لهما جذور عميقة تمتد عبر العصور، من الموروثات الكنعانية والآرامية، مروراً بالعصور الإسلامية، وصولاً إلى المعتقدات الشعبية المعاصرة ، في الريف والمدن القديمة لا يزال الناس يتداولون قصصاً عن السحرة والعرافين والمشعوذين، الذين يُعتقد أنهم يتعاملون مع الجن والكيانات الخفية لتحقيق مقاصد مثل التفريق بين الأزواج، جلب الحبيب، تعطيل الزواج، أو حتى إلحاق الأذى الجسدي والنفسي بالخصم.
تُمارس هذه الأعمال غالباً في الخفاء، باستخدام طلاسم، شعر، أظافر، دماء حيوانات، بخور، ودفن أوراق مكتوبة في أماكن مهجورة أو تحت عتبات البيوت. بعض هذه الطقوس يُعتقد أنه يفتح بوابات إلى عوالم الجن، خصوصاً حين يُستخدم فيها أسماء شيطانية أو عكس آيات قرآنية ، وغالباً ما يرتبط بها نساء يدعين "الفتاحات" أو "الشيخات" ممن يدّعين القدرة على حل السحر أو عمله. كما يُعتقد أن هناك مناطق تُعرف بأنها "نقاط طاقة سلبية" تستغل في الأعمال السفلية، مثل المقابر، أو الآبار القديمة، أو الأشجار المعمرة التي تُنسج حولها الأساطير ، رغم التقدم العلمي، ما زال كثير من الناس في سوريا يلجؤون إلى هؤلاء في لحظات اليأس، مما يعكس استمرار الإيمان العميق بوجود قوى خفية تؤثر في المصير. وبين الحقيقة والخرافة، تبقى الشعوذة والسحر جزءًا من الثقافة الشعبية السورية، محفوفة بالخوف، الغموض، ودوماً... بالتحذير.
التقاليد الدرزية والتقمص
في الموروث الدرزي، تنتشر فكرة التقمّص كعنصر مركزي، ما جعل روايات رؤية أرواح لأشخاص متوفين في أجساد آخرين أمراً شائعاً. بعض العائلات تروي قصصًا عن أطفال تذكروا تفاصيل دقيقة من حياة أشخاص ماتوا قبل ولادتهم، ما يُنظر إليه كدليل على تناسخ الأرواح، وتُفسَّر أحياناً كظواهر ماورائية.
قصص واقعية
جنية الوادي – من ريف مصياف
في قرية قرب مصياف، تروي الجدات أن امرأة كانت تذهب كل فجر لتملأ الماء من نبع في الوادي، لكنها بدأت تعود شاحبة الوجه، غائبة الذهن، ثم أخذت تغني بأصوات غريبة وتمشي ليلاً إلى الوادي. قيل إن جنية تظهر لها على هيئة امرأة بيضاء ذات شعر أسود طويل، كانت تحدثها وتطلب منها أن تبقى معها. وحين مُنعت من الذهاب إلى الوادي، أصيبت بالشلل المؤقت، ولم تُشف إلا بعد "رقية" طويلة من شيخ معروف في المنطقة.
الزواج من جنية – من بادية السويداء
رجل بدوي من جبل العرب يُقال إنه اختفى لأيام، ثم عاد وهو صامت لا يتحدث. وبعد أيام قال إنه كان في مغارة مع امرأة فاتنة لا تلمس الأرض، وأنها كانت "جنية من نسل الملوك"، وأطعمته طعاماً لم يره من قبل، واشترطت عليه ألا يبوح، لكنه تحدّى التحذير. بعدها بأسبوع، عُثر عليه ميتاً في خيمته دون أي جرح. العجائز قالوا: "خالف العهد مع الجنية، فاسترجعته إلى عالمها."
الطفل الذي رآهم – من أرياف حلب
يُحكى أن طفلاً كان يلعب عند وقت الغروب قرب شجرة توت معمّرة، فبدأ يقول لأمه إنه يرى "أشخاصاً صغاراً يلبسون عباءات سوداء ويضحكون"، وكان يشير لهم بدقة. ظنت العائلة أنه يتخيل، حتى بدأ في كل مساء يبكي بعنف عند اقتراب الغروب. قال الشيخ القروي إن الطفل "فتح عينه على الجن دون قصد"، فقاموا بعمل بخور من الحرمل والعنزروت مع تلاوة القرآن، وبعدها توقف الطفل عن رؤية أي شيء غريب.
نار منتصف الليل – من قرى إدلب
امرأة مسنّة تعيش وحدها كانت تُرى في بعض الليالي يخرج من سطح بيتها دخان ونور أحمر دون وجود نار فعلية. الجيران قالوا إن جنّية تعيش في السقف وتغضب إذا تأخر أحد في تنظيف "الزاوية المهجورة" من البيت، والتي وُجد فيها لاحقاً صحن فخاري قديم عليه كتابات غريبة. بعد دفنه في مكان بعيد، اختفت الظواهر.
قصة "أبو الشعور" – من حماة
في قرية قرب سهل الغاب، يُحكى عن كائن يُرى عند المغيب، يُشبه الإنسان لكن مغطى بالشعر بالكامل، ويظهر فجأة خلف الأطفال ثم يختفي. كان يُقال إنه "جنّي من الفئة الجبلية"، يسكن بين الأحراش، ويُحذر الأطفال من اللعب في تلك المنطقة. يُعتقد أنه كان يهاجم من يضحك أو يصرخ كثيراً، ولا يظهر لمن يسير بهدوء. البعض زعم أنه سُمع ينادي بأسماء الأطفال قبل أن يظهر .
ظل المرأة ذات العباءة – دمشق
في إحدى البيوت المهجورة في حيّ "القيمرية"، تكررت رواية مفادها أن بعض السكان يرون امرأة ترتدي عباءة سوداء تمر في ممر مظلم بين البيوت القديمة وتختفي قرب باب خشبي لا يُفتح. قيل إنها جنية تُركت وحيدة بعد أن هُجر المكان، ويُقال إن من يلحق بها يرى نفسه فجأة خارج الحارة أو يصاب بإعياء.
في سوريا، لا تنتهي القصص مع نهاية النهار، بل تبدأ حين يسكن الضجيج ويصمت البشر. في البلاد التي عانقت النبوة، والشعر، والدم، تتعانق الأرواح أيضاً… وتروي حكاياتها لمن يصغي.
قد تفسر بعض الظواهر نفسياً أو بيئياً، وقد تبقى أخرى عصية على الفهم، لكنها في النهاية جزء من ذاكرة جماعية تكوّن روح المكان ، هذه الجولة ليست مجرد رحلة في الخيال، بل في أعماق العقل الجمعي، حيث تلتقي الحقيقة بالخرافة، والعقل بالإيمان، في أرضٍ لا تزال تحتفظ بأسرارها… بين الحجر والهمس.
0 تعليقات:
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .